بريطانيا تفقد شهيتها لوجبات المطاعم.. وفرنسا تودع يوم الأحد كيوم للأكل والراحة

هناك اعتقاد بأن الابتعاد عن المطاعم وتناول الوجبات في البيت قد يستمر حتى مع الانتعاش الاقتصادي

الفرنسيون يرفضون تناول خبز صنع قبل يوم، خبزهم يجب أن يصنع ويؤكل في اليوم نفسه، هذه بعض التقاليد التي أصبحت مقدسة بالنسبة لهم (أ.ب)
TT

الأزمة الاقتصادية ترمي هذه الأيام بظلالها على كل شيء وتأثيراتها بدأت تعكس نفسها في حياتنا اليومية وطريقة معيشتنا وتناولنا للوجبات والمأكولات بشكل عام. لا تحتاج أن تكون ماركسيا حتى ترى أهمية الاقتصاد في تشكيل وتغيير الكثير من سلوكياتنا الاجتماعية ونمط تفكيرنا واستهلاكنا. حتى أشد المتحمسين لنظام السوق والرأسمالية يعترفون أن الاقتصاد هو المحرك للعديد من المسائل في نهاية المطاف. «الاقتصاد، يا غبي» كان شعار حملة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عندما خاض المنافسة الرئاسية لفترة ثانية بعد أن ابتلي بالفضائح. إلا أنه لجمهور المنتخبين أن الاقتصاد هو ما يجب أن تنظروا إليه وليس الفضائح الجنسية. وعلى صعيد ثقافة الطعام بدأت الأزمة تفرض أنماطا جديدة على مأكولاتنا، من تناول الساندويتشات في الصباح على مكاتبنا إلى ترددنا على المطاعم في المساء وأيام الراحة. وهذا ما خلصت إليه دراسة بريطانية حديثة حول أنماط تناولنا الوجبات والمأكولات، والتي جاءت متزامنة مع النقاش الدائر في فرنسا حول إضافة يوم الأحد، الذي يعتبر يوما مقدسا، ليس فقط دينيا في التعاليم المسيحية، وإنما في التقاليد الاجتماعية الفرنسية التي ترى فيه يوما للراحة والعائلة والاستمتاع بأشهى المأكولات في المطاعم والبيت، والتوجه إلى المخابز المحلية لشراء الباغيت الشهير وقت الظهيرة. على الجانب البريطاني من بحر المانش كانت صناعة المأكولات تعتبر، ولعشرات السنين، خصوصا في العقود الأربعة الماضية، من أنجح فروع الاقتصاد البريطاني، إلا أن الأزمة المالية والركود الاقتصادي قد غيرا من ظاهرة تناول وجبات المساء غير الرسمية، حسب تقرير «أليغرا ستراتيجيز»، الذي قال إن ما كان ينفقه البريطانيون على الوجبة المسائية في المطاعم، والتي تصل تكلفتها إلى 15 جنيها إسترلينيا (22 دولارا) قد انخفض إلى مستويات متدنية ولأول مرة منذ 40 عاما. وقال البحث الذي نشرت نتائجه أمس تحت عنوان «تناول الطعام خارج البيت في بريطانيا» إن أكثر من 15 ألف وظيفة فقدت في هذا القطاع خلال السنة الماضية. وتوقع التقرير أن تستمر الحالة في تدهور مع التوقعات بأن 20 في المائة من الناس الذين كانوا يتناولون وجباتهم خارج البيت سوف يعدلون عن التوجه إلى المطاعم خلال السنة المقبلة. وتبين النتائج أن واحدة من كل تسع وجبات سيتم التهامها فقط خارج البيت، بينما كانت النسبة في السابق واحدة من ثمانية وجبات، خصوصا أن ثلث البريطانيين سيقومون باستخدام ما يخصصونه للمأكولات لشراء مكونات الطبخ واستهلاكها في وجبات تطهى في البيت. ومما شجع الناس على ذلك، والذي جاء متزامنا مع تدهور المداخيل، هو ما تقدمه بعض المتاجر من ترويج على المأكولات. بعضها بدأ يقدم وجبة كاملة لجميع أفراد العائلة، وتحتوي على اللحوم والخضراوات ولا يتعدى سعرها خمسة جنيهات إسترلينية (7.5 دولار) أو العرض الذي تقدمه متاجر «ماركس آند سبنسر» وهو وجبة متكاملة وجاهزة من لحوم وخضراوات وحلويات مع مشروبات لشخصين وبسعر 10 جنيهات (15 دولارا) وذلك من أجل تناولها في البيت دون عناء. ويبين التقرير أيضا أن قهوة الصباح تأثرت هي الأخرى من جراء التقتير الذي يمارسه الناس هذه الأيام، إضافة إلى أن المطاعم التي تزيد قيمة الفاتورة فيها لوجبة عشاء عن عشرة جنيهات (15 دولارا) فقد عانت من جراء الأزمة أكثر من غيرها. وحتى المطاعم الصينية والهندية والشرق أوسطية فقد تأثرت هي الأخرى.

وتضمنت عينات البحث، الذي أُجري لصالح سلسلة مطاعم «ماكدونالدز» الأميركية للوجبات السريعة، 184 مطعما وأكثر من 2000 مستهلك. وقال إن انكماش سوق تناول المأكولات خارج البيت قدر بنسبة 0.5 في المائة ليصل إلى 40 مليار جنيه إسترليني (60 مليار دولار) سنويا.

وقال ستيف غوتام مدير التقرير «أليغرا ستراتيجيز» إن على المطاعم أن تعرف بالضبط أنماط الاستهلاك لدى الناس، لأن نهاية الركود لا تعني أن الناس قد يرجعون ثانية لمزاولة هذا النوع من المتعة المسائية في المطاعم لأن ما يعانون منه حاليا سيعلمهم أنماطا وسلوكيات جديدة حول تناول الوجبات خارج البيت».

وقال ستيف إيستبروك، الرئيس التنفيذي لمطاعم «ماكدونالدز» لصحيفة «التايمز» «مع أن السوق في حالة تدهور، فإن هذا القطاع لا يتدهور بنفس وتيرة القطاعات الأخرى، كما أن العديد من سلاسل المطاعم الجديدة قد سجلت نجاحات واضحة في تسويق منتجاتها». إلا أن هناك إجماعا على أن صناعة المأكولات ستواجه فترة صعبة في المستقبل القريب. ويقول دوغلاس روكسبره، رئيس الفيدرالية الوطنية البريطانية للأسماك، إن مطاعم الأسماك الشعبية التقليدية، التي يطلق عليها اسم «فيش آند تشيبس» (سمك وبطاطا مقلية) لاحظت في الفترة الأخيرة توجه الناس في طلباتهم إلى المأكولات رخيصة الثمن، وبدلا من سمكة الكود بدأوا يطلبون البطاطا فقط وأحيانا البطاطا مع النقانق، وهذا هو نصف سعر وجبة السمك مع البطاطا».

وحسب التقديرات فهناك 11 ألف مطعم (سمك وبطاطا مقلية) في بريطانيا، لكن التوقعات تقول إن العديد منها ستغلق أبوابها في المستقبل القريب. ويقول التقرير إن هناك بعض الاستثناءات. فقد ازداد الإقبال على بعض المطاعم والمقاهي مثل «مقهى كوستا» و«صاب وي» التي تملكها «ماكدونالدز». ومن المطاعم الجديدة التي في حالة ازدهار سلسلة «جيميز إيطاليان»، الذي يملكه الطباخ الشهير جيمي أوليفار وكذلك سلسلة «ليون» الذي يقدم الصلطات والوجبات السريعة الصحية. وآخر ما دخل إلى السوق البريطانية سلسلة مقاهي «سيكريد» النيوزيلندية وكذلك «توسد»، التي تقدم الصلطات حسب الطلب. وفي فرنسا التي أغلقت فيها مئات المطاعم والمقاهي خلال الأشهر الأخيرة، تحاول تغيير القانون ليصبح يوم الأحد يوم الراحة والشراهة في فرنسا إلى يوم عمل عادي، خصوصا مع الدعم الذي عبر عنه الرئيس نيكولاي ساركوزي الذي يؤيد هذا التوجه، مع تغيير القوانين المعمول بها منذ 1905، أي أكثر من مائة عام.

وعلى الرغم من أن المتاجر مغلقة في هذا اليوم فإن عند زيارتك لأي قرية مهما كانت صغيرة تجد هناك مخبزا وملحة فاتحة أبوابها وفي وقت الظهير تجدها مزدحمة بالناس. وهذه المحلات هي الاستثناء الوحيد من قوانين التجارة أيام الأحد. لا أحد يتوقع من الفرنسيين أن يتناولوا خبزا صنع قبل يوم، خبزهم يجب أن يصنع ويؤكل في اليوم نفسه، هذه بعض التقاليد التي أصبحت مقدسة بالنسبة للفرنسيين. ولكن هل إضافة يوم الأحد كيوم آخر من أيام العمل سيغير عادات الفرنسي بخصوص الطعام والمأكولات. لقد ذكرت تقارير عديدة أن عاداتهم بدأت تتغير من جراء الأزمة وخوفهم على وظائفهم، وبدلا من أخذ قسط من الراحة وقيلولة وقت الظهيرة بدأ الفرنسي يتناول وجباته على مكتبه ويتجه لتناول السندويشات الخفيفة وارتياد مطاعم الوجبات السريعة بعد أن حارب مطاعم «ماكدونالدز» ومقاهي ستارباكس.