بحر غزة.. متنفس الناس الوحيد في الصيف

شواطئه تعج بالمصطافين رغم المكاره الصحية

كثير من الغزاويين يعسكرون بين الاستراحات بدون خيام على الشاطئ («الشرق الأوسط»)
TT

في بادئ الأمر غضب الشاب غضبا شديدا عندما فوجئ بأحد ما يرمي قنديل البحر على وجهه، لكن مظاهر التوتر سرعان ما زالت عن وجهه عندما تبين له أن الذي ألقى القنديل هو أحد الأطفال الذين كانوا يتنافسون فيما بينهم في اصطياد قناديل البحر والإلقاء بها على الشاطئ. الأطفال الذين ظلوا يتابعون اللهو واللعب في الماء هم مجموعة من ثلاثمائة طفل كانوا يشاركون في مخيم صيفي تنظمه إحدى الجمعيات الخيرية في المنطقة الوسطى من القطاع. كل من يزور شاطئ البحر بين مدينتي دير البلح وخان يونس، فإنه يلحظ ببساطة تواصلا بشريا كثيفا على امتداد هذا الشارع، وكما قال أحد أرباب الأسر الذي جاء مع عائلته للشاطئ وقرر العودة فورا من حيث أتى بسبب الكثافة الكبيرة على الشاطئ، فإن من يصل البحر يشعر وكأنه لم يبق أحد في بيته بغزة، في إشارة إلى العدد الكبير من الناس الذين يفدون للبحر. بالنسبة لحوالي مليون ونصف مليون من أهل القطاع يعيشون في مساحة لا تتجاوز 360 كلم مربع فإن البحر هو المتنفس الوحيد في حر الصيف شديد الحرارة. وعلى امتداد شاطئ القطاع من بيت لاهيا في أقصى الشمال وحتى رفح في أقصى الجنوب تنتشر الاستراحات، وهي عبارة عن خيام وعرائش من جريد النخل، ومتوسط ما يكلفه استئجار خيمة لعدة ساعات على شاطئ البحر 30 شيكل (حوالي سبع دولارات)، والقائمون على هذه الاستراحات يقدمون خدمات عديدة للمصطافين تبدأ بـ «الأرجيلة»، وتنتهي بتقديم اللحوم المشوية، وخصوصا الشواء بطريقة «المندي»، وهي عبارة عن دجاج يتم شيّه في براميل تدفن في الأرض. معظم الذين يفدون على البحر يحضرون معهم الطعام والبطيخ والمكسرات. لكن ليس كل العائلات التي تفد على البحر قادرة على استئجار خيام على الشاطئ، لذا فإن الكثير من العائلات «تعسكر» ببساطة بين الاستراحات بدون خيام، حيث تحضر كل عائلة معها حصيرا تفترشه. لكن ليس دائما تكفي المناطق التي تقع بين الاستراحات لاستيعاب العائلات غير القادرة على دفع تكلفة استئجار الخيام، لذا فإن بعض العائلات تعسكر في المناطق المخصصة للاستراحات دون أن تحصل على خيام وهذا ما يؤدي عادة إلى خلافات بين أصحاب الاستراحات وهذه العائلات، تنتهي عادة بقبول إدارات الاستراحات ببقاء هذه العائلات مكانها. واللافت للنظر أنه لا توجد منطقة واحدة في شواطئ قطاع غزة صالحة للسباحة بما تعنيه الكلمة، حيث إنه لم يحدث أن تمت تهيئة الشاطئ للسباحة، حيث تنتشر الصخور على الشاطئ، فضلا عن أنه لا توجد حواجز إسمنتية في قلب البحر لكسر الأمواج وتمكين الناس من السباحة بشكل مناسب، فضلا عن أنه لا يتم تنظيف الشواطئ من حيوانات قنديل البحر التي تنتشر بشكل كثيف، سيما خلال شهر يوليو (تموز) من كل عام، إلى جانب عدم وجود عدد كاف من المنقذين البحريين مقارنة بالعدد الهائل من الناس الذين يفدون للشاطئ، إلى جانب عدم توفر الإمكانات اللازمة لعمل هؤلاء المنقذين. ومع ذلك فإنه قلما تجد أحدا يأتي للبحر دون أن يمارس السباحة. بالنسبة للنساء فإنهن ينزل البحر بجلابيبهن بعيد حلول الظلام في مناطق عادة لا يقربها الرجال.

ويأتي الازدحام الكثيف على الشاطئ رغم تحذير الكثير من المؤسسات الصحية والحقوقية من أن الكثير من المناطق على الشاطئ غير صالحة للاستحمام لأنه يتم دفع مياه المجاري إليها دون أن تتم معالجتها، سيما في الأوقات التي ينقطع فيها التيار الكهربائي، مما يؤدي إلى توقف الأجهزة المسؤولة عن معالجة مياه المجاري، الأمر الذي يؤدي إلى تدفقها إلى البحر دون معالجة.