وفاة الصحافي الأميركي الشهير والتر كرونكايت عن 92 عاما

أهم محطاته.. حرب فيتنام واغتيال جون كيندي والهبوط على سطح القمر وفضيحة ووتر غيت

والتر كرونكايت مع الرئيس الراحل جون كيندي (أ.ب)
TT

توفي الصحافي ومقدم الأخبار التلفزيوني الأميركي الشهير والتر كرونكايت الملقب بـ«الرجل الأكثر إيحاء بالثقة في أميركا» أول من أمس، عن 92 عاما، على ما ذكرت شبكة «سي بي إس» التي أمضى فيها الجزء الأكبر من حياته المهنية. وكان كرونكايت، الذي ولد في سانت جوزيف بولاية ميزوري عام 1916، مريضا لعدة أشهر بمرض في المخ. لكن لم تحدد أسباب الوفاة غير أن صحيفة «واشنطن بوست» نقلت عن أقارب الصحافي قولهم إن والتر كرونكايت كان يعاني منذ سنوات من مرض في أوعية الدماغ.

عمل كرونكايت مراسلا حربيا إبان الحرب العالمية الثانية، وفي نهاية ستينات القرن الماضي قام بدور كبير في توجيه الرأي العام الأميركي ضد حرب فيتنام. وقيل إن الرئيس جونسون قال حينها، «انتهى الأمر، ما دمت قد خسرت كرونكايت، فقد خسرت الرأي العام الأميركي». ثم أعلن عدوله عن الترشيح لولاية تالية.

ويعد كرونكايت واحدا من عظماء الصحافة الأميركية في جميع العصور حيث لعب دورا حاسما في تأسيس التلفزيون كوسيلة رائدة في تقديم الأخبار وفي تحديد معايير مذيعي النشرات الإخبارية خلال عمله كمذيع في «سي بي إس نيوز» خلال الفترة من 1962 وحتى 1981.

وغالبا ما كان يطلق عليه «الرجل الأكثر ثقة في أميركا».

وقال شون مكمانوس رئيس «سي بي إس نيوز» في بيان «من المستحيل أن نتخيل سي بي إس نيوز، والصحافة، أو في الواقع أميركا، من دون والتر كرونكايت. إنه أكثر من مجرد مذيع جيد والأكثر ثقة في تاريخ إذاعة الأخبار، لقد وجه أميركا خلال أزماتنا وكوارثنا وأيضا خلال انتصاراتنا وفي أعظم لحظاتنا».

وحقق كرونكايت سمعته الأسطورية بتغطيته الماراثونية لاغتيال الرئيس جون كيندي عام 1963. وكانت تغطيته المتعاطفة مع النضال من أجل الحقوق المدنية عنصرا رئيسيا في كسب تأييد الرأي العام الأميركي، في حين أن النتيجة التي خلص إليها وهي أنه لا يمكن تحقيق النصر في حرب فيتنام عام 1968 قد أدت إلى تآكل وانهيار دعم الطبقة المتوسطة الأميركية للحرب المثيرة للجدل.

وجاءت وفاة كرونكايت بعد أسبوع من وفاة روبرت مكنمارا وزير الدفاع الأميركي السابق أكثر المتحمسين للتدخل العسكري الأميركي في فيتنام ويعتبر برأي العديد من المعلقين أنه مهندسها. وقالت كاتي كوري، المذيعة الحالية في «سي بي إس ايفينينغ نيوز» إن كرونكايت كان يحظى بالثقة «لأنه كان يجسد الإحساس بالهدف والتعاطف، ليلة بعد ليلة. لقد كان تجسيدا للتفوق».

ولهذا فقد نعته النخبة السياسية الأميركية بكل أطيافها. ومن بين من أشادوا به الرئيس الأميركي باراك أوباما وسلفه جورج بوش.

وكان كرونكايت يقوم بإرسال التقارير وتقديم التحليلات فضلا عن إبدائه مشاعره الخاصة بمجريات الأحداث مما جعله واحدا من أهم المراقبين والمعلقين على اللحظات الحاسمة في تاريخ الولايات المتحدة من بينها اغتيال الرئيس الأسبق جون كيندي والنضال من أجل الحقوق المدنية ولحظة الهبوط على سطح القمر وفضيحة ووتر غيت، التي أطاحت بالرئيس نيكسون. وفي 27 أكتوبر (تشرين الأول) 1972 تمكن من خلال نشرته التلفزيونية التي امتدت إلى 14 دقيقة (في العادة كان المخصص دقيقتين فقط لكل قصة إخبارية) «لوضع ووتر غيت بوضوح أمام الملايين من الأميركيين ولأول مرة» كما كتب مارفين باريت المؤرخ المتخصص في قضايا البث التلفزيوني. وأكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الولايات المتحدة «فقدت أحد رموزها». وأضاف في بيان للبيت الأبيض «لعدة عقود كان والتر كرونكايت الصوت الذي يوحي بأكبر قدر من الثقة في أميركا».

وتابع أن كرونكايت «كان حاضرا أثناء الحروب والاضطرابات والمسيرات واللحظات الهامة ليروي لنا في هدوء ما كان يجب أن نعرفه»، مضيفا «أن هذه البلاد فقدت رمزا وصديقا غاليا إننا حقيقة سنفتقده.. وصل صوته الجهير إلى الملايين في غرف المعيشة كل ليلة، وفي صناعة للرموز، وضع والتر المعيار الذي يتم من خلاله تقييم الآخرين. لكن والتر كان دائما أكثر من مجرد مذيع. كان شخصا يمكننا أن نثق به لكي يوجهنا خلال أهم قضايا العصر؛ صوت اليقين في عالم متقلب.. كان كأحد أفراد الأسرة. لقد دعانا لنثق به ولم يخذلنا مطلقا. لقد فقد هذا البلد رمزا وصديقا عزيزا وسنفتقده حقا».

ومن جانبه قال الرئيس الأميركي السابق جورج بوش «إن والتر كرونكايت كان يمثل شعار الصحافة الأميركية الذي شكل مهنته بأساليب غير معهودة وعلى مدار عقود من ظهوره على الهواء». وبعد أن عاد من تغطية الأحداث التي تلت معركة تيت في 1968، قال الصحافي العائد إلى نيويورك إنه كان «أكثر ثقة من أي وقت بأن المغامرة الدامية في فيتنام ستنتهي بنا إلى الغرق في المستنقع».

وقال كرونكايت نفسه في استعادة لتاريخ حياته المهني عام 1997، «حظيت بمكانة جيدة أهلتني لمتابعة الأحداث (..) كان من حظي أني ولدت في اللحظة المناسبة لكي أشهد قسما مهما من هذا القرن المبهر».

وفي 1972 كرسه استطلاع للرأي «الرجل الذي يوحي بأكبر قدر من الثقة في أميركا» متقدما على كل الزعامات السياسية والدينية وحتى على أبطال الرياضة.

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» في رثائها «إن كرونكايت بشخصيته ونفوذه ومتابعة الجمهور له مثّل بداية ثقافة المشاهير (سيلبرتي) بالنسبة لمذيعي الأخبار، لقد أصبح هذا الفرد مؤسسة قائمة بحد ذاتها.. وحتى بمطلعه، ومن خلال شاربه المهذب بعناية» أصبح والتر كرونكايت، «والتر آخر ـ والت ديزني». وقالت الصحيفة «على الرغم من قدرة كرونكايت على ضبط عواطفه بالموضوعية التي اعتاد عليها جمهوره، فإنه وحتى عندما فقد هذا الجانب من شخصيته خلال تعليقه على اغتيال الرئيس جون كيندي عندما أزاح نظاراته عن عينيه ماسحا دموعه بيده قد عبر عن شعور عشرات الملايين من الأميركيين». وكان كرونكايت قد وصف نفسه في مقابلة مع «كريستيان ساينس مونيتار» قائلا: «أنا مذيع ومقدم لنشرات الأخبار، ومدير تحرير، ولست معلقا عليها أو محللا لها، ولا أشعر برغبة جانحة لأن أكون معلما».

عمل والتر كرونكايت كطبيب أسنان في نيويورك، وخلال زيارته لمعرض التجارة العالمي في شيكاغو مع بعض الأصدقاء، وكان لا يزال في سن الـ16، تطوع في تقديم نشرة أخبار تلفزيونية كتجربة، وقال لاحقا في مقابلة مع «سي بي إس نيوز» مخاطبا زملاء المهنة «يمكنني القول إنني سبقتكم إلى التلفزيون قبل فترة طويلة». وعمل كرونكايت في تحرير الصحف المدرسية وبعدها التحق بجامعة تكساس لمدة سنتين درس خلالهما الصحافة والعلوم السياسية والاقتصاد. ثم عمل في عدة صحف محلية وفي «هيوستن برس». بدأ والتر كرونكايت أولى خطواته في عالم الصحافة في ثلاثينات القرن الماضي حيث عمل مع وكالتي «سكريبس ـ هاورد» و«يونايتد برس». وخلال الحرب العالمية الثانية رافق الجيش الأميركي أثناء إنزال النورماندي، وحلق فوق ألمانيا أثناء الغارات الجوية. وعمل كذلك رئيسا لمكتب «يونايتد برس» في موسكو قبل أن يتحول إلى العمل التلفزيوني في 1950.

في عيد ميلاده الـ90 قال والتر كرونكايت لـ«ديلي نيوز» أحب أن أشعر أنني ما زلت قادرا على تغطية الأحداث». لكنه كان يعرف أيضا أنه كان عليه أن يتوقف يوما ما. لكنه وعد أنه سيستمر بمتابعة الأحداث «من مكان لم أحدده بعد». وقال خاتما «أتمنى أن يوقفني الناس سائلين، كما يفعلون الآن، هل أنت والتر كرونكايت؟».