درجة الماجستير في جرائم الفنون

بمساعدة مؤرخين فنيين ومحامين ومهنيين من المتاحف وعميل سري أميركي متقاعد

تركز المحاضرات على الجريمة الدولية المنظمة وغسل الأموال وتاريخ الفنون وأمن المتاحف والتزوير (نيويورك تايمز)
TT

تساءل إدغار تجهويس، الباحث في علم الجريمة، الذي يقوم بالتدريس في جامعة فريجي بأمستردام، «ما وجه الشبه بين التجارة غير القانونية في الأعمال الفنية وتمويل الإرهاب من قبل منظمات خيرية أو تدخين الحشيش في مقهى هولندي؟» ثم توقف تجهويس هنيهة وأمعن النظر في وجوه اثني عشر طالبا أمامه ينصتون إليه بترقب، قبل أن يضيف «تمنيت ألا تتفوهوا بأية إجابة وإلا لن يكون لدي الكثير كي أعلمه لكم». كان بروفسور تجهويس، الذي يمتهن المحاماة بمجال القانون الدولي المعني بالأعمال الفنية في أمستردام، قد أتى إلى هذه المدينة الصغيرة بإقليم أومبريا، حيث تتغنى أجراس الكنائس بالترانيم تبجيلا للسيدة مريم العذراء، لإلقاء محاضرات على الطلاب الملتحقين بما يوصف بأنه أول برنامج لنيل درجة الماجستير في دراسات الجرائم الدولية المتعلقة بالأعمال الفنية. ركزت المحاضرات التي ألقاها تجهويس على الجريمة الدولية المنظمة، وتطرقت كذلك إلى غسل الأموال وتهريب السجائر. (بالنسبة للتشابه الذي سأل طلابه بشأنه، أوضح تجهويس أن تلك النشاطات تكشف كيف يمكن تحويل الصفقات غير القانونية إلى أخرى قانونية، والعكس صحيح). تضمنت المواد الأخرى التي يدرسها الطلاب تاريخ الفنون وعلم الجريمة وأمن المتاحف والتزوير. وتأتي جميعها في إطار برنامج لنيل درجة الماجستير يستمر على مدار ثلاثة شهور يرمي إلى محاولة الاستفادة من الاهتمام بمجال جرائم الفنون الذي بدأ يتنامى عبر التقارير الإعلامية بشأن استعادة الأعمال الفنية المنهوبة وعبر الأدب الشعبي، ناهيك عن أن قوات الشرطة بمختلف أرجاء العالم عمدت خلال السنوات الأخيرة إلى تشكيل فرق خاصة للتصدي لهذه النوعية من الجرائم. يتولى إدارة البرنامج نواه تشارني، أميركي الجنسية، وهو أيضا المدير المؤسس للمجموعة التي ترعى البرنامج، «اتحاد أبحاث الجريمة ضد الفنون» (الذي يقدم استشارات بشأن ما يطلق عليه قضايا حماية الفنون واستعادتها). وقال تشارني إن الوقت مناسب «لإجراء دراسات أكاديمية للمساعدة في توجيه جهود الشرطة المستقبلية لفرض القانون». طبقا لما ورد في موقع الاتحاد على الشبكة العنكبوتية ((artcrime.info، تتسم إيطاليا بالمعدلات الأكبر على الإطلاق بالنسبة للجرائم الفنية، حيث «يجري الإبلاغ عن حوالي 20000 سرقة فنية سنويا». وأوضح تشارني أنه بناء على الأرقام الصادرة عن الإنتربول، فإن جرائم الفنون تعد ثالث أكبر نمط من الجرائم في إطار النشاطات التجارية غير القانونية على مستوى العالم، بعد المخدرات وتجارة الأسلحة. في المقابل، أشار الإنتربول ذاته عبر موقعه على شبكة الإنترنت (interpol.int) أنه لا تتوافر لديه أرقام تثبت هذا الادعاء. وبغض النظر عن حقيقة الأمر، المؤكد أن محاربة جرائم الفنون تدر مبالغ جيدة على تشارني. وقد نجح في التحول إلى متخصص محنك بهذا المجال. ولا يقتصر نشاطه على التدريس في هذه الجامعة وجامعات أخرى، وإنما يؤلف أيضا كتبا أدبية وغير أدبية حول هذا المجال، ويعكف على تطوير فكرة برنامجين تلفزيونيين بشأن الأمر ذاته، أحدهما يحمل طابعا وثائقيا من المقرر أن يتولى تقديمه بنفسه، بينما يتميز الآخر بطابع درامي خيالي ويدور حول شخصيته. من ناحيتها، قالت هاراسين ساندل، 22 عاما، التي تخرجت هذا العام في الجامعة الدومينيكية في كاليفورنيا، إن الرغبة راودتها منذ أمد بعيد في العمل مع فريق مكافحة جرائم الفنون داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي. وأضافت «أعتقد أني سأكون عميلا سريا جيدا لأن أحدا لن يشك بي». وأكدت أن البرنامج «كان بالفعل أفضل شيء على الإطلاق»، الأمر الذي يرجع لعدد من الأسباب منها أنه يخلق اتصالا بين الطلاب وخبراء أمثال فيرجينيا كري، وهي عميلة متخصصة متقاعدة عملت بمكتب التحقيقات الفيدرالي وتولت التعامل مع جرائم الفنون. يذكر أن كري حضرت هنا خلال مؤتمر عقد بمنتصف الفصل الدراسي هذا الشهر لإلقاء محاضرة حول اللصوص غير المتوقعين. بدأت كري حديثها بالقول «هذا ما يحدث عندما يتحول الطيبون إلى أشرار»، قبل أن تشرع في استعراض عدد من دراسات الحالة لخريجين جامعيين ومدراء متاحف وأساتذة جامعيين وهنت عزيمتهم أمام إغراءات الجريمة. (ونوهت بأنه «بإمكانك جني مزيد من المال بالعمل بمطاعم ماكدونالدز عن العمل داخل متحف»، لكنها لم تلمح إلى أن هذا الوضع يبرر السلوك الإجرامي). جدير بالذكر أن الجامعات بمختلف أرجاء العالم تعرض دروسا فردية حول جرائم الفنون والموضوعات المرتبطة بها، مثل التزوير والتزييف وحماية حقوق الملكية الفكرية والسلب. من جهته، شدد تشارني على أن برنامجه أول برنامج يطرح توجها يقوم على أكثر من علم أكاديمي، الأمر الذي اتفق معه العديد من الخبراء المعنيين بجرائم الفنون. من بينهم نغارينو إليس، من جامعة أوكلاند في نيوزيلندا، والتي قالت إن «المجموعة يمكن أن تقدم إسهامات مهمة في تعزيز الوعي بجرائم الفنون على الصعيد الدولي». يذكر أن الدرجة العلمية الصادرة عن البرنامج غير معترف بها رسميا من قبل أي جامعة معتمدة، لكن تشارني قال إنه يجري محادثات مع العديد من المعاهد العلمية. (تبلغ مصاريف الدراسة حوالي 7000 دولار). يضم طلاب الفصل الأول مؤرخين فنيين ومحامين ومهنيين بمجال المتاحف وخبراء معنيين بالحفاظ على الأعمال الفنية ومحققا خاصا، بل وعميلا متقاعدا من الخدمة السرية الأميركية، الأمر الذي يوحي بأن الموضوع يثير اهتماما واسع النطاق. في هذا السياق، قال جون فيزيريس، من أنابوليس بماريلاند «كنت دوما مهتما بالفنون، والآن أصبح بمقدوري دمج هذا الاهتمام في عملي». يذكر أن فيزيريس تقاعد من عمله بالخدمة السرية وافتتح شركة للخدمات الأمنية الاستراتيجية وإدارة المخاطر. فيما يخص رسالته العلمية، يرغب فيزيريس في تطبيق توجه تحليلي على الهياكل المعرضة للخطر، مثل الكنائس، وإيجاد السبيل الأمثل ـ والأرخص ـ للإبقاء عليها آمنة. وقال إن هذا المجال يحمل الكثير من الإمكانات بالنسبة للنشاط التجاري. بطبيعة الحال، يعتبر الأمن واحدا من الموضوعات التي يتناولها البرنامج. أشار تشارني إلى أنه «في واحدة من التكليفات سألت الطلاب كيف يمكنهم سرقة مادة من متحف إميليا للآثار، وما الذي سيسرقونه وكيف سيتربحون من ورائه». وخلال مؤتمر انعقد السبت، عمد فيرنون رابلي، مدير وحدة شؤون الفنون والقطع الأثرية في سكوتلند يارد، إلى تحطيم الأوهام في أذهان البعض بتأكيده أمام الحضور أن مجرمي الفنون الحقيقيين لا يحملون سوى القليل من أوجه الشبه مع صورتهم في أفلام هوليوود. واستطرد موضحا أنه «لا تجد الكثيرين منهم يهبطون من فتحات بالسقف باستخدام أسلاك، وإنما الاحتمال الأكبر أنهم سيخرجون من الباب فحسب حاملين تحت أذرعهم لوحة فنية». الملاحظ أن بعض الطلاب شاركوا بالبرنامج انطلاقا من رغبتهم في حماية الأعمال الفنية التي يتولون مسؤولية رعايتها. من بين هؤلاء جوليا برينان، المعنية بالحفاظ على الأعمال الفنية المصنوعة من النسيج والتي سبق لها العمل في مدغشقر والجزائر وبهوتان. قالت برينان إن التحاقها بالبرنامج نبع من إدراكها ارتفاع معدلات جرائم الفنون بالدول التي تولت رئاسة ورش لصيانة الأعمال الفنية بها. وأضافت «أعزز إمكاناتي» من أجل الحفاظ على الكنوز الوطنية. وكان لآخرين أجندات مختلفة. على سبيل المثال، تتطلع كاثرين سيزغين نحو كتابة أعمال أدبية وغير أدبية حول قضية جرائم الفنون. وقالت: «سئمت موضوع القتل. جرائم الفنون تضيف إليك عنصر الغموض دون وجود جثث وتحليلات للحامض النووي وجميع العناصر المرتبطة بالطب الشرعي» التي باتت شائعة للغاية في الوقت الحاضر. جاء انضمام سيزغين إلى البرنامج لاكتساب معلومات حول قضايا الفنون، وحتى الآن تشعر بالرضا حيال البرنامج. وقالت «إنني أم أعيش في باسادينا. كيف لي السبيل غير ذلك البرنامج لمقابلة رئيس فرقة مكافحة جرائم الفنون في سكوتلند يارد؟»

* خدمة نيويورك تايمز