ألواح التزحلق أحدث سبل التواصل مع الأطفال الأفغان

ضمن مشروع شعاره «لوح تزحلق يحطم بندقية»

يشارك في «سكيتستان» حاليا قرابة 90 طفلا، ويهدف بيركوفيتش إلى الوصول بهم إلى 360 طفلا بعد افتتاح مركز الرياضات الداخلية («لوس أنجليس تايمز»)
TT

اتجهت شاحنة بيضاء باتجاه نافورة في أحد شوارع قلب العاصمة الأفغانية كابل، تتبعها صيحات الأطفال الأفغان. وتعالت أصوات الأطفال مرددين «أولي! أولي!»، وسارعوا إلى التكالب على الشاحنة. في غضون لحظات، خرج أوليفر بيركوفيتش، وهو أسترالي طويل القامة نحيل الجسد، يرتدي قميصا أسود، من الشاحنة وبرفقته عدد من ألواح التزحلق. سارع الأطفال لاختطاف الألواح من يديه وانطلقوا للتزحلق على التجويف المتداعي الخاص بالنافورة. يذكر أن رياضة التزحلق في الشوارع لم تكن غير معروفة بين الأفغان حتى مجيء بيركوفيتش، الذي تبع صديقته المعنية بمجال العلوم الاجتماعية إلى كابل، وشرع في تعليم الأطفال التزحلق منذ مطلع عام 2007. وبعد عامين، انتهت العلاقة بينهما، وعادت الفتاة إلى أستراليا. لكن نادي «سكيتستان» غير الهادف للربح الذي أسسه بيركوفيتش لممارسة التزحلق بات نقطة جذب لأطفال كابل. في بلاد تمارس فصلا صارما بين الفتيات والفتيان، ونادرا ما تشارك الفتيات في الرياضة، نجح «سكيتستان» في جمع الفتيات والفتية معا. ويتدفق كل يوم عشرات الأطفال باتجاه النافورة، ويتشاركون في ألواح التزلج، ويتباهون بحركات ارتجالية يقومون بها. ويتقاضى كثير من متسولي الشوارع السابقين بضعة دولارات يوميا مقابل توجيه الأطفال بشأن أساسيات التزحلق. ويعاونهم في المهمة أطفال آخرون من أبناء الطبقة الوسطى لم يكن لديهم من قبل سوى القليل من قنوات الاتصال بأطفال الشوارع الفقراء، أو مع الأطفال المنتمين إلى مجموعات عرقية أخرى.

من ناحيته، أوضح بيركوفيتش أن «الألواح تشكل مجرد الجزء الذي نعرضه. إنها أداة للتواصل مع الأطفال وبناء جسور الثقة معهم». في الوقت الراهن، يعمد بيركوفيتش إلى استغلال ألواح التزلج لحث الأطفال على المشاركة في دروس غير رسمية وجلسات استشارية. إلا أنه بداية من هذا الخريف يأمل في أن ينجح في إلحاق الأطفال بفصول دراسية. على بعد بضعة أميال تمت إزاحة الستار هذا الصيف عن متنزه للتزلج بتكلفة مليون دولار يتولى «سكيتستان» بناءه بالاعتماد على تبرعات محلية ودولية. وقد تبرعت اللجنة الأولمبية الأفغانية بقطعة الأرض اللازمة. وأوضح بيركوفيتش أن الأطفال سيتمكنون من حضور دروس لتعليم اللغة الإنجليزية وعلوم الحاسب الآلي وتعلم «مهارات الحياة» داخل المتنزه الذي يجري تشييده على مساحة 19.000 قدم مربع. يضم المتنزه أسطحا وانحناءات مخصصة للتزحلق، ومن المقرر أن يصبح أكبر منشأة للرياضات الداخلية في أفغانستان عند اكتماله، حسبما أكد بيركوفيتش. في إطار مبادرة أخرى، نجح بيركوفيتش في إقناع متبرعين من القطاع الخاص بتقديم 60 دولارا شهريا بهدف إلحاق الأطفال بمدارس أفغانية. ويستهدف البرنامج على نحو خاص الفتيات والأطفال الصغار. وعلق بيركوفيتش على الأمر بقوله: «ربما يمكننا الاضطلاع بدور صغير في الحيلولة دون تحول هؤلاء الأطفال إلى متمردين في وقت لاحق». جدير بالذكر أن شعار «سكيتستان» عبارة عن «لوح تزحلق يحطم بندقية». وشدد بيركوفيتش على أنه لم يحضر إلى أفغانستان لبدء حركة تزلج، لكن عندما شاهده الأطفال الأفغان يمارس اللعبة «وقعوا في غرام التزلج على الفور، وبمجرد أن سمحت لهم باستخدام الألواح تعلقوا بها»، حسبما أضاف.

خلال أول عام قضاه بأكمله هنا، 2008، تمكن بيركوفيتش من جمع تبرعات بلغت 7.000 دولار. وساعدت صديقته السابقة، شارنا نولان، في صياغة مقترح مفصل اجتذب التبرعات، بينها 15.000 دولار من الحكومة الكندية. ومنذ ذلك الحين، تلقى «سكيتستان» تبرعات أكبر بكثير ـ منها 125.000 دولار من حكومة الدنمارك، ومثلها من حكومة النرويج، و132.000 دولار من ألمانيا، حسبما أوضح بيركوفيتش. يذكر أنه يشارك في «سكيتستان» حاليا قرابة 90 طفلا. ويهدف بيركوفيتش إلى الوصول بهم إلى 360 طفلا بعد افتتاح مركز الرياضات الداخلية. من ناحية أخرى، كان مشهد الفتية والفتيات وهم يمارسون التزلج معا علانية مستفزا بالنسبة لبعض الأفغان. وفي الوقت الذي يؤيد فيه آباء وأمهات معظم الفتيات المشاركات في البرنامج هذه المشاركة، أبدى بعض الرجال الأفغان المحافظين معارضتهم. قال بيركوفيتش: «لم يقل لي أي أفغاني بشكل مباشر: (عليك وقف هذا الأمر). لكننا نعاين بعض الآباء أو الأشقاء غير الراضين عما يحدث ـ مثل هذا الشاب». وأشار إلى رجل أفغاني يرتدي قميصا أزرق كان قد وصل لتوه، وسمح لابنته بإنهاء تزلجها، ثم رافقها في طريق العودة إلى المنزل. أحد أيام الشهر الماضي، واجه شابان أفغانيان بيركوفيتش وأحد المتطوعين للعمل معه وطالبوهما بإبعاد الفتيات عن التزلج في النافورة. ولكن تحدث المتطوع مع أحدهما، قبل أن ينصرفا وعلى وجهيهما علامات غضب شديد. رغم انتشار أعمال العنف في أفغانستان على يد مسلحي جماعة «طالبان» وجماعات إسلامية أخرى، أشار بيركوفيتش إلى أنه لا يشعر بتعرضه لخطر. واستطرد موضحا أنه في واقع الأمر لاقى باعتباره ممارسا لرياضة التزلج استقبالا أسوأ في الكثير من الدول الأخرى.

من ناحية أخرى، على الرغم من أن الكثير من الفتيات أوضحن موافقة آبائهن وأشقائهن على ممارسة التزلج مع الفتيان، فإن إحداهن اعترفت بأنها تتعرض للضرب عندما يكتشف والدها وشقيقها قيامها بذلك. يذكر أن البرنامج موجه إلى الفتيات حتى سن الـ12، والفتيان حتى الـ17، وإن كانت أعمار معظم البنين تتراوح بين 10 و13 عاما. بعد وصول الفتيات سن البلوغ، تلزمهن الأسر المسلمة التقليدية بتغطية أجسادهن، وتمنعهن من التواصل اجتماعيا مع ذكور من خارج دائرة الأقارب.

من جهتها، قالت فضيلة شريندول، 10 سنوات، وهي فتاة نحيلة الجسم كانت تمارس التزلج وعلى رأسها غطاء ذهبي اللون، إن والدها سعيد بمبلغ الـ100 أفغاني (نحو 2 دولار) الذي تتقاضاه يوميا مقابل تعليم الفتيات الأخريات التزلج. ويساعد هذا المبلغ في سداد مصاريف المدرسة التي ترتادها. خلال مسيرتها اليومية نحو نافورة التزلج التي تقطعها سيرا على الأقدام على امتداد 30 دقيقة، تمر فضيلة بشوارع كانت تتسول فيها في يوم من الأيام للحصول على مبالغ زهيدة. وقالت فضيلة: «هذا أكثر إمتاعا بكثير»، ثم قفزت على لوح التزحلق لتنفيذ الحركات المفضلة لديها.

انضمت فاتنة، 11 عاما، وهي فتاة قوية البنية تسكن في البنايات المرتفعة القريبة من النافورة والتي يرجع تأسيسها إلى الحقبة السوفياتية، إلى «سكيتستان» بعد مشاهدتها الأطفال الآخرين. وقالت إن والدها يتسامح إزاء ممارستها التزحلق برفقة بنين. لكنها أضافت ضاحكة أنه «يحذرني دوما: حاذري من الصبية!». أما أكثر البنين براعة فهو مير وايس أحمد، 17 عاما، الذي أشار إلى أنه يتقاضى يوميا نحو 10 دولارات باعتباره مدربا ولاضطلاعه بمهام أخرى متنوعة. ويتمتع ببراعة في التزحلق مكنته من التغلب على جميع الفتيان الآخرين في مسابقة للتزحلق في ذلك اليوم، مما وضعه في مواجهة بيركوفيتش في التنافس على التزحلق على سطح وعر من أجزاء النافورة. من جهته، قال بيركوفيتش، 34 عاما، إنه تجاوز فترة ذروة براعته في ممارسة التزلج، لكنه انضم إلى الصبي المراهق في المنافسة حول السرعة في الالتفاف حول النافورة. وقد أصدرت ألواح التزحلق التي استخدامها أصوات طقطقة عند مرورها على الطرف الوعر للنافورة. في أعقاب حركة الدوران الأخيرة لمير وايس، سارع الفتية الآخرون لمعانقته، مهللين باسمه «مير وايس! مير وايس!». ومع إعلان الهتافات «مير وايس بطلا» ابتسم بيركوفيتش وصافحه. الملاحظ أن التزحلق هنا يحمل طابعا أفغانيا مميزا. في هذا الصدد، أوضح بيركوفيتش أنه لا يرغب في فرض نمط الملبس أو أسلوب تصفيف الشعر أو الأساليب الغربية. وأضاف «نحن هنا لغرس البذور، ويرجع الأمر إلى الشباب هنا في اختيار نمط النمو وإدخال التعديلات التي يبغونها داخل مجتمعاتهم». أواخر الشهر الماضي، تمكن بيركوفيتش من اتخاذ الترتيبات اللازمة لحضور محترفين بمجال التزحلق إلى أفغانستان للعمل مع أطفالها. في هذا الإطار، أعرب كايرو فوستر، ممارس لرياضة التزلج من أوكلاند، عن انبهاره بتركيز البرنامج على تحسين مستوى حياة الأطفال. واستطرد قائلا: «الأمر يتجاوز بكثير مجرد تعليم الأطفال كيفية استخدام ألواح التزحلق. أعتقد أن تلك وسيلة جيدة للغاية للتأكيد لهم على وجود أمل هنا». تابعت لويزا مينك، ممارسة للتزلج من هولندا، الكثير من الفتيات الأفغانيات أثناء تحركهن ذهابا وإيابا على لوح التزلج في النافورة. واصطدمت إحدى الفتيات بمينك وسقطتا معا دون أن يمسهما أذى وشرعتا في الضحك. وكان منظر الفتيات الصغيرات يمارسن التزلج على النافورة الصلدة هو ما شد انتباه كيني ريد، ممارس للتزلج من نيويورك، والذي علق بقوله: «أعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها فتيات صغيرات يمارسن التزلج في أي مكان».

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»