لأول مرة: استنساخ فئران كاملة من خلايا جذعية بالغة

علماء صينيون أعادوا برمجة الخلايا لكي «تتراجع» إلى طبيعتها الجينية

TT

نجح علماء صينيون في استيلاد جيل من الفئران تم إنتاجها من خلايا قد تمثل بديلا للخلايا الجذعية الجنينية البشرية. ويعتبر هذا دليلا حاسما على إمكانات تطوير تقنيات يمكنها تجنب الكثير من المسائل الخلافية المتعلقة بأخلاقيات البحث العلمي، التي ظلت تهيمن على المناقشات الخاصة بأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية. إلا أن هذا البحث يدق أجراس الإنذار أيضا، لأنه قد يقود إلى استنساخ الإنسان أو إنتاج أطفال مصممين حسب الطلب.

وفي مقالتين نشرتا في مجلتين علميتين، أفاد فريقان منفصلان من الباحثين في بكين وشنغهاي، أنهما نجحا ولأول مرة في إنتاج نسخ متماثلة جينيا من الفئران، أي استنساخها، بتوظيف خلايا من الجلد استخلصت من فئران بالغة، تم تحويرها (أي الخلايا) وتحويلها إلى ما يكافئ الخلايا الجذعية الجنينية.

ورحب مؤيدو ومعارضو أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، على حد سواء، بالنتائج الجديدة بوصفها خطوة حيوية طال انتظارها لإثبات أن الخلايا البالغة مفيدة أيضا مثلها مثل الخلايا الجنينية، في دراسة الكثير من الأمراض وعلاجها.

وتأتي هذه النتائج في وقت تستعد فيه إدارة الرئيس أوباما لتخفيف القيود على التمويل الحكومي لأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، وقد تؤثر على أولويات الإنفاق في هذا الميدان.

إلا أنه، وبسبب المخاوف من أن هذه التقنيات قد تسهل عمليات الاستنساخ والهندسة الجينية للأجنة، فإن هذه الدراسة قد تعيد التحريض مرة أخرى على إطلاق دعوات لحظر محاولات استنساخ الإنسان، ولحظر التلاعب بالجينات في الأجنة.

وقال روبرت لانزا الباحث في الخلايا الجذعية في شركة «أدفانسد سيل تكنولوجي» في وورستر بولاية ماساشوسيتس، إن «النتائج مهمة بشكل هائل ومثيرة للمشاكل أيضا.. لأنها تحيي الكثير من المسائل التي تثيرها أبحاث الاستنساخ التناسلي».

ويعتقد الكثير من العلماء أن أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية قد تقود إلى تثوير ميدان الطب، بتمكينها الأطباء من استخدام أنسجة متطابقة جينيا بهدف علاج مختلف الأمراض. إلا أن هذا الميدان ظل مشوبا بالجدال لأن الأجنة المنتجة لأغراض استخلاص تلك الخلايا منها، تتعرض للتدمير لاحقا.

وكان العلماء قد اكتشفوا عام 2006 أن بمقدورهم تحفيز الخلايا الجذعية البالغة لكي «تتراجع» نحو المرحلة التي تبدو فيها مماثلة للخلايا الجذعية الجنينية. وتسمى هذه الخلايا «الخلايا الجذعية ذات القدرة المتعددة» (iPS) ـ وهي الخلايا التي يمكنها التأثير على كل أنواع الأنسجة والأعضاء، ملاحظة المحرر ـ ورغم أن العلماء قد أصبحوا مقتدرين على التلاعب بمثل هذه الخلايا، فإن التساؤلات ظلت تحوم حول حقيقة تكافؤها مع الخلايا الجذعية الجنينية. وقد هدفت هذه التجارب الصينية الأخيرة إلى اختبار الخلايا بشكل عميق.

وفي الدراستين اللتين نشرتا في مجلتي «نتشر» و«سيل ستيم سيل»، وظف العلماء فيروسات، بهدف تحوير الجينات في الحمض النووي «دي إن ايه» لخلايا الجلد المستخلصة من فئران بالغة لتحويلها إلى «خلايا جذعية ذات قدرة متعددة» في داخل المختبر. ثم قام الباحثون بحقن بعض من هذه الخلايا الجذعية في أجنة في مراحلها المبكرة جدا من النوع غير القادر على النمو، التي لا يمكنها سوى تشكيل المشيمة، وهي غشاء الجنين. وبالنتيجة حصل الباحثون على أجنة أخرى تم زرعها في أرحام إناث فئران لحملها.

وأنتج واحد من الفريقين، وهو بقيادة كوي زهاو الباحث في أكاديمية العلوم الصينية 37 سلسلة من خلايا iPS، نجح ثلاث منها في إنتاج 27 مولودا، أطلق على أول وليد منها اسم «الصغير جدا» بالصينية أو ما يقابله tiny بالإنجليزية. وأخذ واحد من ذكور الفئران الوليدة وعمره 7 أسابيع بالتناسل مع أنثى لإنتاج وليد جديد. وفي المجموع، نجح العلماء في استيلاد 100 من فئران الجيل الأول ومئات أخرى من الجيل الثاني، كانت كلها متماثلة جينيا تقريبا مع الفأر الأول الذي طورت منه «الخلايا الجذعية ذات القدرة المتعددة».

وقال فانيا زينغ الباحث في جامعة غياو تونغ في شنغهاي الذي عمل مع الباحث زهاو في حديث صحافي عبر الهاتف إن «هذا يمنح لنا الأمل للتدخل العلاجي مستقبلا بتوظيف خلايا المريض، التي يعاد برمجتها». أما الفريق الثاني من الباحثين بقيادة شاورونغ غاو الباحث في المعهد الوطني للعلوم البيولوجية في بكين، فقد أنتج خمس سلاسل من «الخلايا الجذعية ذات القدرة المتعددة»، نجحت سلسلة منها في إنتاج أجنة نجت حتى موعد ولادتها. ورغم ولادة أربعة فئران فإن واحدا منها فقط عاش حتى سن البلوغ. وقال غاو في حديث هاتفي: ومع هذا فإن هذا العمل هو «برهان على أن « الخلايا الجذعية ذات القدرة المتعددة» مكافئة وظيفيا للخلايا الجذعية الجنينية».

ويتفق باحثون آخرون معه، وقد امتدحوا البحث بوصفه برهانا طال انتظاره على تكافؤ الخلايا. وقال كونراد هوتشدلنغر الباحث في الخلايا الجذعية في جامعة هارفارد «إن ذلك يشير لأول مرة إلى أن «الخلايا الجذعية ذات القدرة المتعددة» قد عبرت أصعب الامتحانات القاسية».

وقال معارضو أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية إن البحث يقدم دلائل أكثر فأكثر على أن تلك الأبحاث لم تعد ضرورية. وقال ريتشارد دويرفلنعر المسؤول في مؤتمر القساوسة الكاثولي: «لم يكن بمقدور أحد أن يجد أي شيء يدعي بأن الخلايا الجذعية الجنينية بمقدورها أن تقوم بعمل لا تستطيع هذه الخلايا (أي «الخلايا الجذعية ذات القدرة المتعددة») عمله». وأضاف أن «هذا كان آخر حاجز متبق».

ومع ذلك فقد قال الباحثون الصينيون، وغيرهم أيضا، إن مواصلة الأبحاث على الخلايا الجذعية الجنينية يظل حيويا لتحديد فائدة «الخلايا الجذعية ذات القدرة المتعددة»، لأنه لا يزال من غير الواضح حتى الآن ما هي الخلايا التي ستصبح الأكثر فائدة لمختلف الأغراض.

إلا أن مقدرة الخلايا على إنتاج مواليد مستنسخة متماثلة جينيا، قد زادت من مخاوف اتجاه بعض العلماء المارقين من استغلالها لاستنساخ الإنسان. وقال جوناثان دي مورينو الباحث في أخلاقيات العلوم في جامعة بنسلفانيا إن «هناك الكثير من الاحتفالات حول نهاية المسائل الأخلاقية مع تقدم «الخلايا الجذعية ذات القدرة المتعددة». إلا أنها في الواقع تثير مناقشات جديدة».

كما قال لانزا إن هناك احتمالات بأن يتم توظيف هذه التقنيات لسرقة حمض نووي «دي إن ايه» من شخص ما لإنتاج طفل منه، وكتب في رسالة إلكترونية أن «اقتطاع جزء يسير من جلدك، أو دمك من إحدى العينات في المستشفى، يمكن أن يؤدي إلى إنتاج وليد من أي شخص.. وهذ ليس علما من علوم الصواريخ، حيث يمكن لأي عيادة لعلاج العقم تنفيذه». وإضافة إلى ذلك فإن الباحثين قد يتمكنون من إضافة خصائص جينية معينة إلى الخلايا بهدف إنتاج أجنة مصممة حسب الطلب. وقال لانزا «على سبيل المثال، فإن التقنية متوفرة حاليا للتلاعب الجيني بهدف زيادة كتلة العضلات في الحيوانات بتوقيف عمل جين يسمى «ميستاتين»، ويمكن توظيفها من قبل زوج وزوجته لاستيلاد طفل رياضي».

إلا أن باحثين آخرين استبعدوا تماما مثل هذه المخاوف، لأن العمليات التي نجحت داخل الفئران، ليست بالضرورة ناجحة في الإنسان، إضافة إلى أن الكثير من الدول تحظر استنساخ الإنسان.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»