ياسمين صاحبة الألبوم «المتفجر» تدهش شباب لبنان

حفلة شبابية من النمط «المجنون» في مهرجانات جبيل

ياسمين تغني في لبنان بعد لفحتها العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

وللجنون الشبابي من المهرجانات اللبنانية دائماً حصة. ويوم أول من أمس، كان الشباب في «مهرجانات جبيل» على موعد مع حفلة استثنائية، بدأها عازف البيانو الكندي المغامر غونزالس تلته فرقة «كوكو روزي» الأميركية، لتختمها الفنانة اللبنانية الآتية من فرنسا، والتي كان ينتظرها الجمهور بحرارة ياسمين حمدان. فقد ذهبت ياسمين مغنية بالكاد يعرفها بعض اللبنانيين، وتعود الآن وقد صار اسمها «ياس» بعد ان اكتسبت شيئاً من الاعتراف العالمي بعد صدور اسطوانتها «عربولوجيا» في فرنسا. مع بدء الحفل كان ثمة من ينتظر من عازف البيانو غونزالس ما لم يره من قبل، لكن الرجل المولع بالتواصل مع الجمهور فاق التوقعات. فمنذ البداية أعلم جمهوره انه متمرد على العزف الكلاسيكي، الذي كرهه صغيراً، وأخذ يسخر منه ليقارنه بالعزف الحيوي الذي ابتكره، مؤدياً وصلات سريعة، مستخدماً البيانو كآلة أورغن، بسرعة فائقة، وكأنما اصابعه في القفازات البيضاء تسابق الريح. فنان تجريبي بامتياز، يؤمن ان الموسيقى هي لحظة فرح وتواصل، فسعى بكل ما أوتي من موهبة مع مرافقه على آلة الدرامز "موكي" لإيقاظ الانتعاش في قلوب الحاضرين. أشرك الجمهور خبطاً بالأرجل وتصفيقاً بالأيدي، وغناء، كما طلب من بعض الحاضرين الصعود إلى المسرح والمشاركة في العزف. غونزالس، موسيقي ورجل استعراض، يؤمن أن الفن هو لعبة فرح وحوار. لذلك بدا وكأنه يدخلنا في حالة من المقارنات بين اللعب الكلاسيكي المضجر، واللعب الناري. وحين بدا ان غونزالس استنفد ادواته الإدهاشية صعد على البيانو وأخذ يغني ويعزف أنغامه بقدمية، ليستحق تصفيقاً قوياً من جمهوره، وانزعاجاً من بعض آخر، حتى ان ثمة من وصفه بالوحش، لتعامله مع هذه الآلة الرقيقة برعونة لا تستحقها. وعلى صوت أنغام الدرامز، وقبل ان يغادرنا، مشّط غونزالس شعره ونظّف أسنانه وقلم أظافر يديه ورجليه، وكانما ليقول ان الموسيقى هي جزء من يومياتنا الحياتية الصغيرة وليغادر المسرح، وسط إعجاب شديد وصراخ ملتهب.

وبعد استراحة قصيرة، دخلت الاختان الأميركيتان كوكو وروزي المسرح مع فرقتهما، وبدا ان الجمهور الشبابي يستعد للقاء حميم وحار. وادت الشقيقتان وسط تصفيق وتهليل وإعجاب، وصلات غنائية على وقع موسيقى هي خليط من البوب والفولك، والكثير من الأزيز، في ما بدا أن اللحن نفسه يتكرر، مع كلام غير مفهوم، خاصة وان إحدى الشقيقتين تصر على ان تجعل صوتها كالمواء المتواصل. نوع من الأداء البوهيمي الصاخب، على مسرح بقي معتماً وضبابياً، حتى اننا لم نميز الوجوه، او نعرف ما الذي تلبسه الفتاتات اللتان بدتا وكأنهما أتيتا من كوكب آخر. ومع ذلك بقي الجيل الشبابي سعيداً ومندمجاً بينما شاشة خلفية تعرض صوراً متكررة، لدمى محجبة وجثثاً عارية، ومشاهد حيوانات مقززة. الكثير من البشاعة في وقت واحد، يصعب على المرء أن يفهم سرّ إعجاب الجمهور الشبابي اللبناني بدمامتها.

وربما أن مفاجاة هذه السهرة هي الفنانة اللبنانية التي عرفت منذ سنوات في لبنان باسم ياسمين حمدان، يوم كانت تشكل جزءاً من فرقة "سوب كيلز" مع زيد حمدان. وقد سافرت هذه الفنانة وتعاونت مع المخرج السينمائي الفلسطيني المعرف إيليا سليمان ثم مع المنتج الموسيقي الأفغاني ميرواس أحمدزاي الذي ارتبط اسمه انتاجاً وألحاناً بالألبومين الأخيرين للفنانة الأميركية مادونا. واصدرت ياسمين بالتعاون مع ميرواس في باريس اسطوانة بعنوان "عربولوجيا"، التي وصلت إلى لبنان، وأحدثت صدى طيباً. وقبل أن تطل "ياس" على المسرح كان الشبان قد تأهبوا وقرروا أن يستمعوا وقوفاً، وأن يقضوا ما تبقى من الليلة رقصاً. وعندما اطلت "ياس" بلباسها الضيق وأخذت تتمايل وترقص وتغني "متعودة دايماً" خالطة اللهجات، قافزة بين المصرية والفلسطينية واللبنانية، بدا أن الشبان قد قرروا الزحف باتجاه المسرح، في ما شعر الأكبر سناً بشيء من المباغتة. فهذه الفتاة الجنوبية التي تركت البلاد تعود مغناجاً، شديدة الجرأة، تغني على وقع البوب الإلكتروني الغربي، كلمات عربية شعبية شائعة. والخلطة التي جاءت بها ياسمين ربما كانت أكثر شعببية في اوروبا منها في لبنان، فعندما تميل الموسيقى إلى اللحن الشرقي تتمايل ياسمين على الطريقة الغربية، في ما تقرر أن تصبح رقصتها شرقية خالصة، حينما تصبح الموسيقى غربية. وتتالت الأغنيات التي بدت بعضها اكثر جرأة من أن تؤديها هيفا، والحركات فيها الكثير من الإغراء. وسمع الشبان "السح اندح انبو" بطريقة جديدة لم يعهدوها من قبل. وتراقصوا على كلمات "قلو الأول للثاني في أميركاني ببستاني"، و"بوش طالع لأبوه"، ثم أغنية "بعرف إنك مليت، بعرف ما الحق عليك". وكانت حالة من الاندهاش بين الكبار في السن قليلاً حين غنت ياسمين وهي ترقص ووتمايل على المسرح: "يا عزيزة إخلعي، يا حبيبتي تشخلعي، يا حبيبتي تجرأي"، ثم سمعنا موالاً على خلفية موسيقى تكنو، لنشعر اننا أمام كوكتيل فني، قد يبدو للمرة الأولى مستحقاً الإنصات، لكنك في النهاية تخرج من هذا الحفل الصاخب الذي انطوى على مفاجآت كثيرة، وأنت تشعر بالصداع. صحيح أن مجلة "تكنيكارت" الفرنسية كانت قد احتفت باسطوانة "ياس" ووصفت الألبوم بأنه "متفجر" وأصدرت ملفاً كاملاً عن هذه الفنانة وشريكها ميرويس، لكن العرض الذي شاهدناه في لبنان، لا يوحي بأننا أمام اعمال يمكن التوقف عندها. ولا بد ان تتساءل عن سبب إعجاب الشبان بهذا النمط المزعج من الموسيقات الصاخبة. وكيف لجيل ملول أن لا يتعب من متشابهات مضجرة على هذا النحو؟ وهل على المهرجانات اللبنانية أن تتبع الموضات الشبابية، أم ان عليها ان تناى بنفسها عن الخفيف والسخيف هتى لو كان شعبياً وجماهيرياً؟