تجار المخدرات يستخدمون خدمات البريد السريع لترويج بضاعتهم

يضعون عناوين وهمية.. والطلبيات والدفع عبر الإنترنت.. والصيرفة «أون لاين»

تبدو المشكلة أعقد في دائرة البريد في ميونيخ لأن أكثر من 700 ألف طرد يمر هناك يوميا منها 35 ألف طرد يزيد وزنها عن كيلوغرامين («الشرق الأوسط»)
TT

شكلت شرطة مكافحة المخدرات في ألمانيا قسما خاصا بمكافحة تهريب وتوزيع المخدرات بالبريد الرسمي والبريد الأهلي السريع. ووضعت شرطة الحدود والجمرك فريقا من الكلاب المدربة على كشف المخدرات تحت تصرف البريد رغبة في وقف توسع قطاع الجريمة عبر البريد.

وألقت شرطة ميونخ مؤخرا القبض على رجل وزوجته وشقيقته استخدموا البريد السريع (DHL) والبريد السريع المنقول بواسطة خطوط القطار السريع (ICE) لتوزيع كم هائل من الأدوية القاتلة للألم التي يحظر بيعها من دون وصفة الطبيب. وكشف ارمين موللر، من شرطة ميونخ، أن العصابة العائلية الصغيرة اعترفت بتوزيع 33 ألف كبسولة معبأة بعقار «سوبوتيكس»، الشبيه بالمورفين، خلال سنتين عبر البريد وحققوا بالتالي أرباحا قدرها 400 ألف يورو.

وتستورد العائلة كميات المخدرات من بائعة فرنسية عمرها 53 سنة تسكن في ليون (في السجن حاليا). وترسل التاجرة كبسولات الدواء من فرنسا إلى ألمانيا بواسطة بريد القطار السريع المار عبر بروكسل. تستخدم العائلة الألمانية البريد السريع «DHL» في توزيع المخدر على الزبائن داخل ألمانيا بعد أن تتلقى الطلبات هاتفيا أو عبر البريد الإلكتروني.

ويجري تعاطي «سوبوتيكس» كمسحوق يشبه الكوكايين، يوضع تحت اللسان ليذوب بسرعة ويتسلل إلى الدماغ. وتكمن خطورة المخدر في أنه ليس مخدرا عاديا وإنما مادة سمية تشل الدماغ مؤقتا ولا تخدره. ويؤدي تعاطي المادة إلى الإدمان أيضا.

لكن الشرطة تبحث عن عصابة أخرى تهرب مختلف المخدرات من إيطاليا وتوزعها في ألمانيا بواسطة البريد السريع بعد تعبئتها داخل كبسولات، أو ببساطة داخل هدايا لا يستطيع موظفو البريد السريع الكشف عن محتوياتها بسهولة. وتثبت التحقيقات الأخيرة مصادرة كميات كبيرة من المخدرات، خاصة الحشيشة، داخل الطرود البريدية.

ويبدو من خلال سجلات الشرطة أن تجارة المخدرات وتوزيعها يتراجعان، إلا أن حملات رجال الشرطة صادرت 40 في المائة مخدرات أكثر عام 2008 في الوقت ذاته. ويعتقد ارمين موللر الآن أن حذاقة تجار المخدرات، واستخدام البريد، هو سبب هذا الانخفاض «الظاهري» في استهلاك المخدرات في ميونخ. إذ من المعروف أنه كلما زادت تجارة المخدرات زادت الكميات التي تصادرها الشرطة من السوق.

وحقق قطاع المخدرات نموا كبيرا قدره 8.7 في المائة عام 2008 مقارنة بقطاعات الجريمة الأخرى. وضبط رجال الشرطة، من خلال فحص الطرود البريدية، مخدرات في 6061 حالة عام 2008.

وتوصل رجال الشرطة أيضا إلى أن العائلة الألمانية كانت تستخدم الدفع السريع بالنقد عبر سلسلة بنوك «ويسترن يونيون بانك» باستخدام إيصالات بيع مزورة تثبت حصول الصفقة. كما يستخدم الزبائن البنك نفسه لتسديد سعر البضاعة. ولا يجازف التجار بوضع عنوانهم الحقيقي على الطرد ويضعون عناوين وهمية، كما أن معظم الطلبيات، وكذلك الدفع، يتم عبر الإنترنيت والصيرفة «أون لاين».

وتبدو المشكلة أعقد في دائرة البريد في ميونخ، لأن أكثر من 700 ألف طرد يمر هناك يوميا منها 35 ألف طرد يزيد وزنها عن 2 كغم. ولا تستطيع الكلاب المدربة فحص كل هذه الطرود ولذلك يضطر رجال الشرطة إلى اختيار عينات «مشبوهة» يبلغ عددها بين 500 ـ 600 يوميا. ولا تقف جبال الألب حائلا بين تجار المخدرات في ألمانيا وسويسرا، لأن القطارات وسيارات البريد تستخدم الأنفاق في حركتها. وتعاني شرطة سويسرا من المتاعب نفسها مع بريد المخدرات. إذ صادرت وحدات مكافحة تجارة المخدرات عبر البريد 130 طردا يحتوي على المخدرات في مركز موليغن خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام. وهناك في موليغن الآن وحدة خاصة بمكافحة الجريمة عبر طرود البريد قوامها 100 شرطي تساندهم وحدة من الكلاب المدربة. وعدا المخدرات، اكتشفت الوحدة نقل 60 جوازا مزورا عبر البريد.

على الصعيد نفسه، زادت كميات الحشيش المصادرة بنسبة 20 في المائة خلال السنوات الأخيرة. ويعرف رجال الشرطة تماما أن الحشيش يجري استيراده من هولندا عبر الحدود المفتوحة بين بلدان شنغل. وهناك كمية أخرى يجري نقلها بواسطة البريد السريع عبر الحدود القريبة في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا. ونشرت شرطة ولاية بافاريا (جنوب) إحصائية تقول إن تعاطي الحشيشة بين الشباب ارتفع بنسبة 30 في المائة خلال سنة.

واضطرت المستشفيات عام 2007 إلى معالجة 70 ضحية، من عمر 10 ـ 30 سنة، في المستشفيات بسبب حوادث تعرضوا لها وهم تحت تأثير الحشيشة. ويموت 50 مدمنا على الهيروين سنويا في بافاريا بتأثير الجرعات الزائدة عن اللزوم.

ومصدر الحشيشة معروف، لأن بيعها مجاز بكميات محددة في هولندا، كما أن زراعتها بكميات محدود مسموحة أيضا. ومصدر الحشيشة في ألمانيا معروف، لأن خبراء الهندسة الوراثية في هولندا تلاعبوا بالحشيشة كي يصبح مفعولها 30 في المائة أكثر وكي يمكن أن تعطي ثمارها 3 مرات في السنة. والحشيشة الشائعة في الأسواق السرية الألمانية هي من النوع المعدل وراثيا المذكور أعلاه.

ولا يمر يوم من دون أن تعثر الشرطة، خاصة في المدن القريبة من هولندا، على مزارع صغيرة سرية للحشيشة. ويتفنن البعض في زراعتها في بلكوناتهم وفي أجزاء من حدائقهم أو في القبو أو على السطح. وهي حشيشة معدلة وراثيا ومصدرها واضح بالنسبة للشرطة.