«أصيلة» المغربية تهدي موسمها الثقافي الـ31 لذكرى الطيب صالح

مدينة مفتونة بانشغالات الإبداع والفن والسياسة والتنمية

كعادة أصيلة منذ انطلاقتها عام 1978، ظلت الفنون التشكيلية حاضرة بقوة في برامج مواسمها الثقافية، وانطلقت فنون الجداريات في أزقة المدينة القديمة («الشرق الأوسط»)
TT

قررت مؤسسة «منتدى أصيلة» إهداء الدورة الواحدة والثلاثين من مواسم أصيلة الثقافية الدولية لذكرى الكاتب السوداني الراحل الطيب صالح، الذي وافته المنية في فبراير (شباط) الماضي.

ويعتبر الطيب صالح من رواد موسم أصيلة الثقافي، حيث شارك في ثالث موسم عام 1980، وانتظمت مشاركاته في المواسم التالية إلى سنة 2006 لكنها خفت بعد ذلك بسبب المرض.

وسبق لأصيلة أن احتفت بالطيب صالح مرتين، الأولى عام 1994 حين أقيم له تكريم كبير، وفي المرة الثانية حين فاز عام 2002 بجائزة «محمد زفزاف للرواية العربية» في دورتها الأولى بأصيلة.

وستعرف فعاليات أصيلة هذا الصيف، التي تنظم تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، أيضا تنظيم ندوة «الطيب صالح في الذاكرة»، ما بين 10 و11 أغسطس (آب) المقبل، تشارك فيها ثلة من المثقفين العرب والأجانب. ويعتبر الطيب صالح، إلى جانب الشاعر والرئيس السنغالي الأسبق، ليوبولد سيدار سنغور، من مؤسسي «المنتدى الثقافي العربي ـ الأفريقي» في أصيلة الذي ترأسه سنغور، والأمير الحسن بن طلال. وفي سياق ذلك، قرر مجلس بلدية أصيلة إطلاق اسم الأديب السوداني الراحل على حديقة كبرى كانت في الأصل مصلى، أدى بها الطيب صالح صلاة العيد في أول زيارة له للمدينة عام 1980. وبذلك تضاف حديقته إلى حدائق أخرى تحمل اسم الشاعر العراقي الراحل بلند الحيدري، والشاعر الكونغولي الراحل تشيكايا أوتامسي، والفيلسوف والأديب المغربي محمد عزيز الحبابي، وحديقة محمود درويش، التي سيتم افتتاحها خلال االموسم الثقافي الحالي، بموازاة مع ندوة أقيمت خصيصا لاستحضار ذكرى الشاعر الفلسطيني الراحل يوم 9 أغسطس (آب) المقبل.

يذكر أنه في موسم أصيلة الثقافي الثلاثين، ساعات قليلة بعد فاجعة خبر غيابه، أقام المشاركون في الموسم أول تأبين للشاعر الراحل، وقرر مجلس بلدية أصيلة إطلاق اسم محمود درويش على حديقة مجاورة لساحة محمد الخامس، كان الشاعر قد تردد عليها أثناء حضوره في ثاني موسم ثقافي لأصيلة عام 1979 رفقة أدونيس وخالدة سعيد وإلياس خوري وصلاح ستيتيه وفينوس خوري غاتا وآخرين. وإلى جانب تكريم رواد أصيلة، تواصل هذه الأخيرة تطوير نفسها، وتنويع فعاليتها عاما بعد آخر منذ انطلاق موسمها الثقافي الأول عام 1978. إذ ستعرف ما بين 1 و19 أغسطس (آب) الجاري، تنظيم ست ندوات تجمع بين السياسة والثقافة وحوار الحضارات والرواية والشعر.

وستكون ندوة «التعاون العربي – الأفريقي الايبيرو لاتينو – أميركي: الحكومات والمجتمع المدني»، أول العنقود، بحيث ستبحث سبل دعم التعاون جنوب ـ جنوب، ودور المجتمع المدني في دعم التعاون بين الشعوب والحكومات، وكذلك دور المنظمات الإقليمية في توطيد التعاون جنوب ـ جنوب. وسيشرف على الندوة ألين جونسون سيرليف، رئيسة جمهورية ليبيريا، وجون اجيكم كوفور، رئيس غانا السابق، والأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض في السعودية، وعدة شخصيات سياسية ودبلوماسية ضمنهم الطيب الفاسي الفهري، وزير خارجية المغرب، والشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية الإمارات، وميغيل انخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا، إضافة إلى مشاركة وزراء خارجية 13 دولة عربية وأفريقية وأوروبية.

أما ثاني ندوات عنقود أصيلة الإبداعي، فستكون حول «أفريقيا والبرتغال»، التي ستنظم ما بين 4 و5 أغسطس (آب) المقبل. وتهدف الندوة إلى إبراز العلاقات التاريخية القائمة بين البرتغال والقارة الأفريقية، ودور الدول الناطقة باللغة البرتغالية في أفريقيا، وكذلك التأثير الأفريقي في الثقافة والفكر والإبداع البرتغالي.

وستناقش الندوة غناء وتنوع التراث الثقافي الأفريقي ـ البرتغالي كعامل لدعم سبل التفاهم والحوار بين الثقافات والحضارات. وستتناول الندوة محورين هما: الإبداع الثقافي والفني في الفضاء البرتغالي، والاندماج السياسي فيما بين الدول الناطقة باللغة البرتغالية.

وستشرف على الندوة شخصيات سياسية وثقافية من أفريقيا والبرتغال ضمنهم بيدرو بيريس رئيس جمهورية الرأس الأخضر، وميغيل دروفوادا، رئيس جمهورية ساوتومي أو برانسب السابق، ولويس امادو، وزير الخارجية البرتغالي، وكارلوس ألبرتو تيني، وزير الخارجية والتعاون والجاليات بساوتومي، وخوسيه أنطونيو بينيتو ريبيرو، وزير الثقافة البرتغالي.

وستبحث الندوة الثالثة، التي ستنظم ما بين 7 و8 أغسطس (آب) المقبل، موضوع «البعد الثقافي في الاتحاد من أجل المتوسط: أوروبا والمغرب العربي»، عبر ثلاثة محاور هي: الثقافة المتوسطية: أية خصوصية؟، وكيف يمكن إدراك الإشكالية الثقافية وتنوعها على ضفتي المتوسط؟، وما هو الدور الثقافي الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد من أجل المتوسط في التقارب بين الاتحاد المغاربي وأوروبا؟.

وستنظم أصيلة أيضا، بالتعاون مع مؤسسة الشيخ زايد للكتاب، ندوة حول موضوع «جائزة الشيخ زايد في الفضاء الثقافي الكوني»، وذلك في ما بين 12 و13 أغسطس (آب) المقبل، وستتناول محاورها: «الشيخ زايد والنهضة بالكتاب»، و«الجوائز الثقافية وأثرها على التنمية الحضارية»، و«الآداب والفنون والتقدم الحضاري»، و«التواصل الثقافي والرموز الكبرى». وسيشارك في الندوة مجموعة من الفائزين بجائزة الشيخ زايد، ضمنهم محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، ووزير خارجية المغرب السابق. كما ستنظم ما بين 14 و15 أغسطس المقبل ندوة «العولمة والتنمية: تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على المساعدات للدول الأفريقية»، بالتعاون مع البنك الأفريقي للتنمية. وستتناول الندوة محورين هما: ماذا يمكن عمله لتخفيف حدة الأزمة على فرص التنمية الاقتصادية في دول الجنوب عموما؟، وتوجه أفريقي موحد لوضع هندسة جديدة تفجر طاقات الدول، وتؤمّن تدفق المساعدات المالية الإقليمية والدولية على أفريقيا.

وسيشرف على الندوة مجموعة من الشخصيات السياسية والاقتصادية ضمنهم فورغيناسينغبي، رئيس الطوغو، وفؤاد السنيورة، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، ومحمد المدني الأزهري، الأمين العام لتجمع دول الساحل والصحراء بطرابلس، إضافة إلى عدد كبير من وزراء خارجية دول أفريقية. وسيكون ختام موسم أصيلة الثقافي الواحد والثلاثين على مستوى الندوات بتنظيم ندوة «الإعلاميات العربيات في وسائل الإعلام بالوطن العربي وفي الخارج»، وذلك ما بين 16 و18 أغسطس (آب) المقبل، وهي ندوة تروم دراسة مساهمة الإعلاميات في تفعيل وتطوير مجال السلطة الرابعة، وتعزيز المسار الديمقراطي، وعلى انخراطهن في ترويج ثقافة تخدم قضايا المرأة العربية كسبيل لإقامة منظومة من قيم المساواة الواعية التي لا تتعارض مع القيم الكونية، الحضارية أو الشرعية.

وستتناول الندوة ثلاثة محاور هي: أي حضور إعلامي للإعلامية العربية في وسائل الإعلام الوطنية والدولية؟، وتجربة الإعلامية العربية خارج أرض الوطن، ومساهمة الإعلامية العربية في التحولات الديمقراطية في الوطن العربي.

وسيشرف على الندوة مجموعة من الشخصيات ضمنهم، خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، والشيخة مي بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة، وزيرة الثقافة والإعلام البحرينية. وكعادة أصيلة منذ انطلاقتها عام 1978، ظلت الفنون التشكيلية حاضرة بقوة في برامج مواسمها الثقافية، وانطلقت قبل أيام عملية صباغة الجداريات في أزقة المدينة القديمة، بمشاركة مجموعة من الفنانين التشكيليين المغاربة والأجانب، مواصلة دورها في تهذيب صغار المدينة وتربيتهم على الذوق الرفيع، والمحافظة على البيئة، كما سيشارك في مشغل فنون الحفر مجموعة من الفنانين التشكيليين من المغرب وإسبانيا والبرتغال واليابان والصين. وسيقام هذا العام أيضا مشغل للصباغة الزيتية يشارك فيه فنانون من المغرب وسورية والبرتغال ومصر والنمسا والبرازيل، إضافة إلى مرسم أطفال موسم أصيلة، الذي يستضيف أطفال المدينة والأطفال الوافدين إليها لقضاء عطلتهم الصيفية، وهناك أيضا مشغل لكتابة وإبداع الطفل.

وسينظَّم هذا العام معرض للفنان التشكيلي الإسباني، دييكو مويا، ومعرض لثمانية فنانين تشكيليين من أصيلة. ولا تقتصر أنشطة الموسم الثقافي على الفنون التشكيلية بل تمتد لتشمل عروض الأزياء المغربية، التي تعودت على تنظيمها منذ سنوات ابنة المدينة، مصممة الأزياء، نبيهة الغياتي.

وبعدما خصصت أصيلة العام الماضي أياما ثقافية للمكسيك، سيتم هذا الموسم تخصيص أيام ثقافية للبرتغال، يتضمن معارض تشكيلية وفوتوغرافية، ومعرضا للفن البرتغالي المعاصر، ومعرض التراث البرتغالي (مجموعة مؤسسة كالوست غولبيكيان)، إضافة إلى عروض موسيقية راقصة برتغالية.

وضمن العروض الموسيقية والغنائية لموسم هذا العام ستشارك عازفة القيثارة المكسيكية، سيلفيا مريا، ومغنية الفلامنكو الإسبانية، جما كباييرو، والمطربة الموريتانية، منى منت دندي، والمغنية الباكستانية تينا زينة، والمغنية المغربية ليلى الكوشي، والمغنية السورية وعد بوحسون، والفنان اللبناني مارسيل خليفة، وعازفة البيانو النمساوية، شارلوت بومكارتنر، إضافة إلى مجموعة أهل أصيلة للمديح والسماع، ومجموعة كابول الغنائية الأفغانية، وفرقة الجمعية المغربية للموسيقى الأندلسية والروحية، ومجموعة مان طنور باند السنغالية، والمغني المغربي محمد الغاوي، والمغنية المغربية سميرة القادري، ومجموعة ارحوم البقالي للحضرة الشفشاونية. وبذلك، يكون برنامج موسم أصيلة الثقافي لهذا العام، جامعا مانعا، لتثبت هذه المؤسسة الثقافية غير الحكومية، بعد تجاوزها العقد الثالث، أنها ما زالت قادرة على العطاء، وتقديم الجديد، إلى حد الافتتان، بهموم الإبداع الثقافي والسياسة والتنمية وحوار الحضارات.