في السعودية.. مصممات أزياء برتبة «سجينات»

ينافسن «شانيل» و«لوي فيتون».. وينتجن من خلف القضبان قطعا تحاكي الموضة

TT

قد لا تكون الحقائب التي تنتجها لمعة بشهرة حقائب «شانيل» أو «لوي فيتون»، لكنها للملمين بشؤون الموضة أكثر تميزا وتفردا، كونها تُشغَل يدويا وتعتمد على الابتكار، ولمعة هي سجينة في الثلاثينات من عمرها، تتواصل مع العالم الخارجي من وراء قضبان سجن النساء بالدمام عبر القطع التي تصممها وتصنعها داخل غرفة صغير تضم نحو 50 سجينة يتناوبن على مراحل العمل كـ«خلية نحل»، وتجمعهن طاولة تصطف بجانبها نحو 20 ماكينة خياطة.

بقايا الأقمشة، الخيوط الملونة، الكلف المشكلة، جميعها خامات تعيد السجينات تدويرها، حيث يبدأن بابتكار التصميم ثم التنفيذ، كحال مصممات الأزياء وصناع الموضة، ولا يقتصر إنتاجهن على حياكة الحقائب فقط، بل يشمل كذلك إكسسوارات الجوال، والأساور المزينة بألوان الصيف الزاهية لتتحول إلى خيوط عشوائية تحيط بالمعصم، مع التوجه لتطوير خطط الإنتاج مستقبلا لتشمل الطُّرَح والعباءات والألبسة، وجميعها منتجات تسوقها مقولة «صُنع من خلف القضبان» التي تجعل زبونات لمعة وبقية السجينات في اطمئنان تام لاقتناء قطع يندر تكرارها.

لمعة، التي التقتها «الشرق الأوسط» في زيارة لسجن النساء بالدمام، خرجت وعادت للسجن أكثر من مرة، محملة المجتمع إشكالية رفض توظيفها بعد انتهاء محكوميتها، وذلك عند سؤالها عن ما إذا كانت ستطور هذه المهنة بعد خروجها من السجن. وعلى الرغم من الحزن البادي على وجه لمعة، إلا أنها أشارت لسعادتها عند السماع عن الإقبال الكبير الذي تناله القطع التي تنتجها، موضحة أنها تستلم شهريا نحو 300 ريال (80 دولارا) من إدارة السجن، وتسهم من خلال هذا المبلغ البسيط بإعانة أهلها.

وبجانب لمعة، تجلس وصايف، وهي أيضا سجينة سعودية، لكنها أصغر عمرا وتختلف على بقية السجينات بابتسامتها الهادئة، قائلة: «أحاول تعلم كثير من الأشياء هنا». وعلى الرغم من التحفظ عن الحديث حول أسباب وجودهن خلف القضبان، فإنهن أجمعن على أن دافعهن الأول للعمل هو التوقف عن التفكير بهمومهن، في حين أن بعضهن وجدنها فرصة لتطوير المهارات، كحال روزالينا، وهي سجينة إندونيسية، وكانت الأكثر حماسة للإنتاج بخفة وحرفية، ومع كونها لا تجيد التحدث بالإنجليزية، فإنها تتواصل مع مثيلاتها بلغة عربية مكسرة.

أما ديانا، سجينة فلبينية، فهي الوحيدة التي رفضت فكرة الاستمرار بحياكة القطع والمشغولات بعد انتهاء محكوميتها، وديانا التي دخلت السجن منذ 9 أشهر وتبقى نحو شهر على خروجها، كانت تعمل ممرضة في إحدى المستشفيات، الأمر الذي جعلها تؤكد أنها ستعود لمهنتها (كممرضة) فور خروجها وعودتها لبلادها، وهو الحلم الذي تشاركها فيه نحو 88 في المائة من سجينات سجن الدمام الذي يضم ما في حدود 100 سجينة، منهن 12 سجينة سعودية فقط، والباقيات من جنسيات مختلفة، يغلب عليها الشرق آسيوية.

وفي غرفة خارجية صغيرة تطل على فناء السجن الخارجي تتكدس مئات التصاميم والقطع التي أنتجتها السجينات، بعد تغليفها وتسعيرها استعدادا لعرضها وبيعها، فيما تبتسم مها الدوسري، ملاحظة عسكرية، قائلة: «أعمالهن تنفذ خلال فترة قصيرة، وتحظى بإقبال كبير وأحيانا لا نستطيع تغطية الطلب عليها»، ومها هي المسؤولة عن تسويق القطع التي تحيكها السجينات، وتعمل على عرضها في مختلف المناسبات الموجودة بالمنطقة، مؤكدة أن الأرباح البيعية تجاوزت في كثير من الأحيان سقف الـ100 في المائة.

وعن مصدر أفكار تصاميم الحقائب والأساور وغيرها من القطع، توضح مسؤولة تسويقها أن بعضها يأتي من السجينات وبعضها من الموظفات، إلى جانب الاستعانة بالكتب الأجنبية، مما يعني تلاقح مجموعة من الأفكار لإخراج القطعة الواحدة، وأوضحت أن إدارة السجن تتكفل بإحضار الخامات المطلوبة حال نفاذها بصورة دورية، إلى جانب توفير ماكينات الخياطة، مؤكدة أن كثيرا من هذه المنتجات تستثمر بقايا الأقمشة وإعادة تدوير الخامات. وقطع السجينات مع كونها تغرس لديهن ثقافة العمل والإنتاج، فقد ساهمت كذلك بالتخفيف من المشكلات الواقعة بينهن، إلا أن بعض السجينات يجدن صعوبة في الاندماج مع هذه المشروعات، كما أوضحت جميلة الخويلدي، موظفة في الإصلاحية، مرجعة ذلك لعامل السن الذي يعوق بعضهن من إمكانية التدرب على حرفة جديدة، فيما عبرن الموظفات عن أملهن بإيجاد منفذ بيعي أو محل خارج السجن، يسهل مهمة بيع القطع التي تنتجها السجينات على أكبر شريحة من السيدات، وهي فكرة لو نفذت فستكون الأولى من نوعها في السعودية.

ولا تغيب آمال الحصول على الدعم الأكبر من القطاع الخاص عن سقف تطلعات السجينات والموظفات، في الوقت الذي انطلقت ونجحت مشرعات كبيرة مشابهة ببلدان عربية، كمشروع ضم سجينات لبنان تبنته مؤسسة خاصة لدعم إنتاج السجينات من الحقائب اليدوية، حتى استطاعت هذه الحقائب مؤخرا تزيين يد ملكة الأردن الملكة رانيا، والنجمة الفرنسية كاترين دونوف، وغيرهن من سيدات المجتمع العالمي، الأمر الذي يفتح باب التفاؤل لوصول تصاميم وقطع سجينات السعودية لمدى أبعد، وهو ما تجري الجهود لتحقيقه.

ومن ملتقيات الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية إلى مهرجان الجنادرية في الرياض وغيرها من التجمعات المهمة، حلت أعمال السجينات ونافست بقوة، كما توضح دينا الدوسري، مشرفة سجن النساء بالدمام، التي أكدت على وجود خطط للمشاركة قريبا بمواقع وملتقيات جديدة داخل وخارج المنطقة، لتسويق إنتاج السجينات، وأشارت للتوجه إلى الانتقال لمبنى السجن الجديد الذي سيضم مشغلين للسجينات، بدل الواحد، مما سيوفر مساحة وفرصة أكبر للإنتاج. يذكر أن المديرية العامة للسجون تهدف من دعم هذه الأعمال لشغل وقت فراغ السجينة بما يعيد تأهيلها وإصلاحها، حتى تخرج فردا صالحا لنفسها ومجتمعها، ووفقا لآخر تقارير الموقع الإلكتروني لمديرية السجون، عن برامج تشغيل السجناء داخل السجون وخارجها، فقد بلغ عددهم 2198، منهم عدد 2184 سجينا داخل السجن، و14 سجينا خارج السجن، بينما افتتح منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي المعرض الأول للأعمال الحرفية والفنية للمساجين بمدينة جدة، الذي ضم أكثر من 235 لوحة فنية من إنتاج نزلاء ونزيلات السجون السعودية.