اسكوتلندا تطالب «بعلامة منشأ» من الاتحاد الأوروبي لطبق مثقل بالبهارات الهندية

لكنها قد تخسر أكلة «الهاغيس» التي ارتبطت لمئات السنين باسمها لصالح إنجلترا

أحمد إسماعيل علي مؤسس «شيش محل» يعرض طبق «دجاج التيكا ماسالا» (أ.ف.ب)
TT

المنافسة بين اسكوتلندا وإنجلترا وحالة التشنج بينهما قد ترجع إلى مئات السنين، أي منذ تشكيل الاتحاد بينهما قبل 350 عاما ضمن المملكة المتحدة، التي تضم أيضا إقليم ويلز وشمال أيرلندا. وتتهم اسكوتلندا الأقل تعدادا من الناحية السكانية إنجلترا، من خلال الحزب الوطني الاسكوتلندي، بالسيطرة عليها وسلب هويتها وخيراتها.

لكن الاتهامات لم تصل بعد إلى أن يصبح طبق الهاغيس، الذي كان يعتبر اسكوتلنديا مائة بالمائة، إنجليزيا، كما أظهرت بعض البحوث الحديثة في أصل الأكلة. فهذا طبق لم يكن متنازعا عليه، وكان أمرا مسلما به.

ولكن هذه هي مشكلة أطباق المأكولات التي من الصعب في كثير من الأحيان إرجاعها إلى أصولها. وعلى اسكوتلندا ألا تستغرب من الادعاء الإنجليزي، فهي تطالب حاليا «بعلامة منشأ» لطبق دجاج التيكا ماسالا المثقل بالبهارات الهندية. وهذا الطبق لا تجد أيا من مكوناته من إنتاج اسكوتلندا. فهي تحاول أن تحمي تراثا أقل اسكوتلندية من أي تراث آخر دافعت عنه.

وبدأ الأمر حين ادعى طباخ من غلاسغو أنه هو من اخترع طبق الكاري هذا، وراح يصر على الاتحاد الأوروبي لمنحه «علامة منشأ» لحماية جذور هذا الطبق، على غرار الشامبانيا وبارما وجبن الفيتا اليوناني وغيرها من الأطباق الحاملة لعلامة منشأ.

ويقول آل علي، مالكو مطعم «شيش محل» في غلاسغو، إنهم ابتكروا بهار الكاري الحار قليلا والدسم في السبعينات من أجل اجتذاب الاسكوتلنديين إلى مطعمهم، وقد أصبح طبق الدجاج بالكاري هذا بعدها الطبق الأكثر شعبية في المطاعم البريطانية.

وقال أحمد إسماعيل علي (64 عاما) مؤسس «شيش محل» إن «دجاج التيكا ماسالا ابتكر في هذا المطعم، كنا نعد دجاج التيكا وفي أحد الأيام قال زبون لدينا (أريد صلصة مع هذا الطبق لأنه جاف قليلا)»، مضيفا «وجدنا أنه من الأفضل إعداد الدجاج مع بعض الصلصة، وبدأنا منذ حينه نعد دجاج التيكا بصلصة تحتوي على اللبن والكريمة والبهارات».

وأوضح علي أن «هذا الطبق حضر وفقا لذوق زبائننا، فهم عادة لا يحبون الكاري الحار ولذلك نعده باللبن والكريمة».

والواقع أنه من الصعوبة بمكان البت في جذور طبق دجاج التيكا ماسالا، لكنه يعد بشكل عام على أنه طبق كاري مكيف ليناسب الأذواق الغربية.

وقد اتخذ أحد نواب غلاسغو خطوات جدية لنيل حماية الاتحاد الأوروبي لصلصة الكاري إياها من أجل الاعتراف بها كطبق محلي من تراث البلاد.

وقال محمد سروار، النائب في مجلس العموم البريطاني عن حزب العمال الذي عرض مذكرة في مجلس النواب أخيرا يطالب فيها بعلامة منشأ من الاتحاد الأوروبي، إن «التيكا ماسالا ربما أحد أقدم الأمثلة على الموضة الحديثة للمطبخ الدمجي».

وأضاف النائب، كما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية «أنا آمل جدا أن يعطي الاتحاد الأوروبي دجاج التيكا ماسالا علامة المنشأ من غلاسغو».

ويذكر داعمو الحملة أن وزير الخارجية السابق روبن كوك وصف الطبق ذات مرة بأنه جزء أساسي من التراث البريطاني.

وكان كوك قال خلال خطاب ألقاه في عام 2001 حول الهوية البريطانية إن «دجاج التيكا ماسالا هو الآن طبق بريطاني وطني عن حق، ليس فقط لأنه الأكثر شعبية، وإنما لأنه يجسد الطريقة التي تمتص بها بريطانيا المؤثرات الخارجية وتتبناها».

وإذا ما قررت لندن أن تدعم الحملة ووجهت طلبا رسميا بذلك إلى المفوضية الأوروبية، فستقوم هذه الأخيرة كخطوة تالية بدراسة الطلب وما إذا كان يوافق الشروط المطلوبة. وقد يحتاج استكمال الإجراءات المرتبطة، الذي ستتولاه المديرية العليا لشؤون الزراعة والتنمية الريفية، بين سنة وسنتين.

وقال علي «إذا تم الاعتراف به (التيكا ماسالا) على أنه طبق من غلاسغو فعلينا أن نفخر بذلك».

ويقول الطباخ الذي يتحدر من إقليم البنغاب في باكستان إنه يريد للطبق أن يكون هدية إلى غلاسغو لرد الجميل إلى المدينة التي احتضنته. وأوضح أنه لن يعارض استخدام الآخرين لتسمية «تيكا ماسالا» التي يقول إنه ابتكرها.

وأضاف «حين اخترعنا هذا الطبق لم يخطر ببالنا قط أنه سيصبح بهذه الشعبية، وهو الآن الطبق الأكثر رواجا في بريطانيا». وتابع «لا نمانع إذا ما أعده الأشخاص الآخرون، يجدر على الجميع أن يستمتع به».

في مطبخ «شيش محل»، المطعم الراقي في غرب غلاسغو، يخرج طباخ سيخا طويلا محملا بالدجاج من فرن من الطين، قبل أن يبدأ بإعداد الصلصة.

ويشرح الطباخ انتصار هومايون وهو يرتدي مئزرا كبيرا مقلما سر الصلصة المميزة قائلا «يجب أن تضع التيكا في المقلاة وتغمرها بالصلصة ثم تقوم بتسخينها مجددا.. ثم نضع الفلفل الأخضر والصلصة الحمراء، وهي مزيج من اللبن ومن بهاراتنا السرية»، موضحا «إنها نكهة فريدة لا يمكن أن تجدها في كل بريطانيا.. ثم نضيف الكريمة».

وإذا نجحت غلاسغو في إعلان «التيكا ماسالا» طبقا خاصا بها، فقد تشهد المدينة قريبا منافسة من أطباق كاري أخرى.

مثال على ذلك أن مدينة برمنغهام في وسط إنجلترا بدأت بالفعل حملتها الخاصة للمطالبة بعلامة منشأ لطبق «بالتي»، وهو طبق شعبي آخر انتشر في أرجاء بريطانيا بعدما أطلقته الجالية الباكستانية.

وتشتهر اسكوتلندا حول العالم بمزاميرها التراثية، والمشروبات الروحية، وطبق الهاغيس المحلي، وبتنانير الطرطان. كما دب خلاف جديد بين إنجلترا واسكوتلندا بسبب «الطبق الوطني» الاسكوتلندي، بعد أن أثبت مؤرخون أن هذا الطبق إنجليزي الأصل.

وأكدت المؤرخة كاثرين براون أن وجبة «هاغيس» المكونة من معدة الخراف مع الكبد والقلب إنجليزية الأصل، حيث نشرت للمرة الأولى في كتاب للطهو عام 1615.

وقالت براون في تصريحات نشرتها صحيفة «ديلي تليغراف» إن الاسكوتلنديين ادعوا بعد ذلك أنهم أصحاب هذا الطبق. ووفقا لأبحاث براون فإن أول ذكر يشير إلى أن هذا الطبق اسكوتلندي يعود لعام 1747.

وكانت قصيدة شعر كتبها الشاعر الاسكوتلندي روبرت برنس عام 1787 هي «الدليل» على أن هذا الطبق اسكوتلندي أصيل. وستوقد هذه النظرية الخلافات بين اسكوتلندا وإنجلترا من جديد.

وقالت براون: «كان هذا الطبق إنجليزيا في الأصل»، مشيرة إلى أن الكتاب الذي نشر وصفته في عام 1615 أشار إلى أن هذه الوجبة «محببة للغاية لجميع السكان في إنجلترا».

ولكن هذه النظرية قوبلت بالكثير من الرفض، حيث قال روبرت باتريك وهو متخصص سابق في إعداد طبق الهاغيس: «لن يصدق أي شخص هذا الأمر».

وأضاف باتريك: «الادعاء بأن الهاغيس إنجليزي غير منطقي على الإطلاق تماما مثل الإدعاء بأن الصينيين أو الهولنديين هم من اخترعوا الغولف».

كما أكد جيمس ماكسوين، وهو صاحب مصنع اسكوتلندي متخصص في إعداد الهاغيس، أن «الهاغيس سيبقى رمزا لاسكوتلندا بغض النظر عن منشئه».