مناوشات القراصنة في روسيا وجورجيا تعطل الملايين من مستخدمي الإنترنت

المهاجمون أمطروا مواقع الدردشة بالرسائل المزعجة

أصاب انقطاع خدمة «تويتر» الكثير من مستخدمي الإنترنت بالإحباط، وانتقل بعضهم إلى شبكات اجتماعية أفضل أداء مثل «فيس بوك» و«فريند فيد» لإرسال رسائل ومتابعة المحادثات (أ.ب)
TT

عطلت الهجمات الإلكترونية التي حدثت يومي الخميس والجمعة على موقع «تويتر» وخدمات أخرى شهيرة على شبكة الإنترنت حياة مئات الملايين من مستخدمي الإنترنت، ولكن بدا أن الهدف الرئيسي كان رجلا واحدا: أستاذ اقتصاد من جمهورية جورجيا يبلغ من العمر 34 عاما.

وفي الهجوم، وهو أحدث اعتداء في مناوشات مستمرة منذ عام بين القراصنة القوميين في روسيا وجورجيا، أرسل مهاجمون مجهولون ملايين من الرسائل البريدية المزعجة، وأمطروا موقعي «تويتر» و«فيس بوك» ومواقع خدمية أخرى برسائل مزعجة. وكان الهجوم السريع محاولة لحجب صفحات الأستاذ الجامعي من على الشبكة، حيث كان يعيد تناول الأحداث التي أدت إلى الحرب الإقليمية القصيرة التي بدأت بين روسيا وجورجيا منذ عام.

وكانت الاعتداءات «مشابهة لقصف محطة تلفزيونية، لأنك لا تحب أحد مذيعيها» كما يصفها ميكو هيبونين، كبير الباحثين في شركة «إف سيكيور» لأمن شبكة الإنترنت، في تدوينة. وأضاف: «إن قدر الأضرار الجانبية هائل. فقد عانى ملايين من مستخدمي (تويتر) و(فيس بوك) و(لايف جورنال) من مشاكل بسبب ذلك الهجوم».

ويكتب المدون، اللاجئ من منطقة أبخازيا الواقعة على البحر الأسود والمتنازع عليها بين روسيا وجورجيا، تحت اسم سيكسيمو، ولكنه أعطى اسمه في الحوار الذي أجري معه عبر الهاتف على أنه غيورغي فقط. ولاحظ غيورغي، الذي قال إنه قام بالتدريس في جامعة ولاية سخومي، بعد ظهر يوم الخميس لأول مرة أن موقع «لايف جورنال»، وهو موقع شهير للتدوين، لم يكن يعمل. وقال: «قررت أن أنتقل إلى (فيس بوك). ولم يعمل (فيس بوك). ثم انتقلت إلى (تويتر)، ولم يعمل (تويتر). ففكرت في أن ذلك أمر غريب، يا لها من مصادفة تتوقف فيها المواقع الثلاثة عن العمل في وقت واحد».

ويقول خبراء الأمن إنه من المستحيل تقريبا معرفة من المسؤول تحديدا عن الهجمات، والتي عطلت الوصول إلى مواقع «تويتر» و«فيس بوك» و«لايف جورنال»، وبعض المواقع التابعة لـ«غوغل» يوم الخميس، واستمرت في التأثير على الكثير من مستخدمي «تويتر» مساء يوم الجمعة.

وقالت بيث جونز، المحللة في شركة «سوفوس» لأمن الإنترنت، إن الهجوم حدث على مرحلتين.

في بداية يوم الخميس، أرسل المهاجمون مجموعة من الرسائل المزعجة تحت اسم سيكسيمو، وهي الكتابة اللاتينية لاسم عاصمة أبخازيا، سخومي، باللغة السريالية. وكان المقصود من تلك العملية «خداع البريد الإلكتروني» التشكيك في مستخدم الشبكة بجعله يبدو مصدرا لكمية كبيرة من الرسائل المزعجة. وتقول جونز: «كان القراصنة يريدون أن يبدو مسؤولا عن ملايين من الرسائل البريدية المزعجة».

واحتوت الرسائل على روابط إلى حسابات غيورغي في الكثير من المواقع والشبكات الاجتماعية، ومنها «تويتر».

وكان الجزء الثاني من الهجوم، كما تروي جونز، هو هجمات الحرمان من الخدمة التي هدفت إلى إبعاد غيورغي عن الشبكة. واستخدم القراصنة شبكة مكونة من آلاف أجهزة الكومبيوتر الشخصية المصابة ببرامج خبيثة، لتوجيه كميات كبيرة من الرسائل المزعجة إلى صفحات سيكسيمو على «تويتر» و«لايف جورنال» و«يوتيوب» و«فيس بوك» في محاولة لوقفها، كما أوضحت جونز.

واجتاحت الرسائل المزعجة الخدمات، وأصابتها بالبطء، وفي حالة موقعي «تويتر» و«لايف جورنال»، أغلق الموقعان تماما لفترة من الوقت. وقال غيورغي إن صفحاته كانت مكانا للاجئين من أبخازيا لتبادل الذكريات المتعلقة بوطنهم. وكانت صفحته على «تويتر» تحتوي على صورة قديمة لشارع في المدينة يصطف على جانبيه النخيل. وقال: «لقد كانت تعبر عن الحنين إلى الوطن».

وفي الأسبوع الجاري، بدأ في إرسال أخبار يومية عن الفترة التي سبقت الصراع والتي اعتمدت إلى حد ما على رسائل من قرائه من أبخازيا، الذين قال إنهم وصفوا له كيف أدخل الجيش الروسي قواته في الإقليم في بداية شهر أغسطس (آب) في عام 2008.

وقال غيورغي: «أشعر ببعض الخجل بسبب الأشخاص الذين فقدوا الخدمة لأن مدونتي حجبت».

وتقول جونز إن معاناة مئات الملايين من مستخدمي الإنترنت كانت مجرد «أضرار جانبية».

وتظهر الهجمات وما حدث في أعقابها مدى أهمية الأدوات والخدمات الموجودة على شبكة الإنترنت بالنسبة للخطاب السياسي، ومدى قابليتها للتعرض للهجوم.

يقول جون بالفري، أستاذ القانون والمدير المساعد في مركز «بيركمان سنتر» للإنترنت والمجتمع في جامعة هارفارد: «إنها ليست مقامة لتلعب دور شبكة اتصالات عالمية، ولكنها أصبحت تمثل ذلك».

ويوضح ستيفان تاناسي، الباحث في «كاسبرسكي لاب»، شركة أمن الإنترنت، أن الهجمات التي أضرت بموقع «تويتر» تلقي الضوء على هشاشة خدمة التدوين المصغر الشهيرة، خاصة مع مقارنتها بمنافسها موقع «فيس بوك» الذي تعافى سريعا من الضربة. وتكافح شركة «تويتر»، وهي شركة صغيرة مقرها سان فرانسيسكو، من أجل تحسين وضعها الأمني، في الوقت الذي تحاول فيه إدارة الزيادة المفرطة في أعداد المستخدمين والرسائل التي تتعامل معها.

ولكن يقول ستيفان: «إن تويتر بالتأكيد شركة تتعلم بسرعة وتستجيب بسرعة».

وقد أصاب انقطاع الخدمة الكثير من مستخدمي «تويتر» بالإحباط. وانتقل بعضهم إلى شبكات اجتماعية أفضل أداء مثل «فيس بوك» و«فريند فيد» لإرسال رسائل ومتابعة المحادثات، كما يقول جيرميه أويانغ، المحلل في «فوريستر» للأبحاث وهو مشترك غزير الإنتاج على موقع «تويتر». وقال أيضا: «إذا تعطل موقع (تويتر) أو أغلق بصورة دائمة، تتحول المحادثات إلى مكان آخر».

وبالنسبة لآخرين، لا يعد حل المشكلة بتلك البساطة.

يقول سورين ماكبث، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة ستوك تويتس، وهي الخدمة التي تسمح للمستثمرين بتبادل الأخبار والمعلومات حول الشركات، إن خدمته التي تقوم على البنية التحتية لـ«تويتر» فقدت الاتصال بالشبكة يوم الخميس، ولم تكن تعافت بشكل كامل يوم الجمعة.

وقال: «إن تقطع الخدمة أسوأ من تعطلها تماما. فهي تجعل المشكلة تبدو وكأنها مرتبطة بنا، وكأنها مشكلة في خدمتنا نحن».

وأضاف ماكبث أن الخدمة، التي تتلقى نحو 10.000 رسالة في اليوم، كانت تحت رحمة «تويتر» منذ بدايتها. وقال: «إنه من الصعب للغاية إدارة شركة مبنية على (تويتر)». ودفعت صعوبات العمل مع «تويتر» خدمة «ستوك تويتس» بالفعل إلى البدء في تطوير منبر يعتمد على ذاته، والذي تخطط الشركة لتقديمه في الأول من سبتمبر (أيلول). ولكن بالنسبة لمعظم الشركات، يعد موقع «تويتر» مجرد أداة تسويق تكميلية.

وقال بين فان ليوين، الذي يدير مجموعة من الشاحنات التي تقدم المثلجات للزبائن في جميع أنحاء مدينة نيويورك، إنه لم يلحظ حتى أن الخدمة تعطلت. وقال: «لقد كانت المبيعات بالأمس هي ذاتها أول من أمس».

وقال آرون ماغنس، الذي يدير التنمية والتسويق في موقع «Zappos.com» وهو موقع بيع أحذية على الإنترنت له عدد كبير من المتابعين على موقع «تويتر»، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، إن الانقطاع لم يؤثر على الشركة.

وقال: «إن موقع (تويتر) من بين الكثير من وسائل الاتصالات التي نستخدمها. ومن حسن الحظ أننا نحب الحديث مع عملائنا، ولم يؤثر تعطل (تويتر) على هواتفنا».

*خدمة « نيويورك تايمز»