دروس جديدة في ترشيد استهلاك المياه

ارتفاع أسعارها شكّل المحرك وراء استحداث أساليب ري ملاعب الغولف باستخدام «المياه الرمادية»

TT

منذ ست سنوات، عندما أعادت حكومة ولاية جورجيا صياغة قواعدها الخاصة باستهلاك المياه خلال فترات الجفاف، صبت تركيزها على متهم واضح: ملاعب الغولف. ومع تلألؤ الممرات الزمردية اللون حتى في ظل أكثر الظروف قحطا، تحولت بسهولة إلى هدف مغرٍ.

في المقابل، ثار غضب المسؤولين المعنيين بإدارة ملاعب الغولف، وأكدوا أنهم يعمدون إلى ترشيد استهلاك المياه عبر عشرات السبل، مثل زراعة عشب محلي وتفحص أجهزة رش المياه. واستطردوا بأنه بدلا من معاقبتهم، ينبغي اتخاذهم قدوة.

وعلى الرغم من أن الأمر استغرق بعض الوقت، فإنه على امتداد المنطقة الواقعة بين الجنوب والغرب القاحل بدأت أمنيتهم تتحقق، ذلك أنه نظرا لتخوفها من أن تتسبب ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض في مزيد من موجات الجفاف، حرصت حكومات الولايات على نحو متزايد على استشارة المسؤولين عن إدارة ملاعب الغولف بشأن استراتيجيات ترشيد استهلاك المياه. في جورجيا، تنامت مكانة مدراء ملاعب الغولف حتى باتوا مرشدين ومستشارين في مجال استراتيجيات توفير المياه بالنسبة لكل من الشركات التجارية والجماعات غير الهادفة للربح.

على سبيل المثال، تحرص «ماريوت إنترناشيونال» على تطبيق الدروس المستفادة من إدارة ملعب الغولف الخاص بها هنا على منتجعاتها في الولايات الأخرى. كما قامت «هابيتات فور هيومانيتي» بزرع أفنيتها الأمامية بنباتات تتحمل ظروف الجدب أوصى بها مسؤولو ملاعب الغولف.

في هذا السياق، أكد غاريث غرينيل، الذي تقاعد أخيرا من عمله في إدارة المياه بنيفادا الجنوبية، أنه «إذا رغبت في التعرف على كيفية الري، عليك بسؤال أولئك الأشخاص»، في إشارة إلى مسؤولي ملاعب الغولف.

المؤكد أن هذا التوجه الجديد يشكل تحولا هائلا بالنسبة لنشاط تجاري غالبا ما يتعرض للانتقاد لإضراره بالبيئة عبر الاستخدام المفرط للمياه والمبيدات الحشرية. في جورجيا، نشأ التحول في وجهة النظر في الجزء الأكبر منه عن موجة الجفاف القاسية التي بلغت ذروتها عام 2007. بحلول ذلك العام، أقرت 97 في المائة من الأندية الأعضاء في «اتحاد مدراء ملاعب الغولف بجورجيا» طواعية ما جرى النظر إليه باعتباره الممارسات الأفضل بمجال إدارة استخدام المياه وتقليص استهلاكها. وتقدر الأندية أن هذه الممارسات نجحت في خفض استهلاك المياه بنسبة 25 في المائة في ثلاث سنوات فقط.

في تلك الأثناء، تراجع منسوب المياه في بحيرة لانيير، المصدر الرئيسي للمياه في أتلانتا، إلى مستويات قياسية، لدرجة ظهور قاع البحيرة للمرة الأولى منذ نصف قرن. وراودت المسؤولين على مستوى الولاية والمستوى المحلي عن إدارة المياه فكرة أن مدراء ملاعب الغولف ربما تتوافر لديهم بعض الخبرات القيمة للتغلب على ذلك الوضع.

في هذا الصدد، قالت كيثي نغوين، رئيسة «مجلس ترشيد استهلاك المياه بجورجيا» (جورجيا ووتر وايز كاونسل)، وهو كيان يتبع الولاية ويضم مهنيين يشجعون على ترشيد استخدام المياه، إن مسؤولي إدارة ملاعب الغولف «مصدر مساعدة فنية كبرى بالنسبة لي. بمقدوري الاتصال بهم والحديث إليهم بشأن تقنيات مختلفة». يذكر أن موجة الجفاف في جورجيا خفت حدتها بدرجة كبيرة هذا العام.

اعتمدت نغوين على مسؤولي ملاعب الغولف في صياغة خطوط إرشادية لملاك المنازل، مثل السماح للعشب بالنمو ليصبح أطول، وإصلاح الأجزاء التي تسمح بتسرب المياه من المواسير داخل المنازل بأسرع وقت ممكن، والحفاظ على نصل آلة جز الأعشاب حادا. جدير بالذكر أن جز الأعشاب باستخدام نصل غير حاد يتطلب مجهودا أكبر وقدرا أكبر من المياه للحفاظ على العشب بحالة جيدة.

على الرغم من ذلك، فإن صناعة الغولف لا تزال تتعرض لانتقادات حادة من قبل المعنيين بالحفاظ على البيئة، ذلك أن العشب الذي يغطي أسطح ملاعب الغولف يعد أكثر النباتات استهلاكا للمياه. ويبلغ متوسط استهلاك ملعب الغولف داخل الولايات المتحدة للمياه نحو 50 مليون غالون من المياه سنويا ـ ما يكافئ الاستهلاك السنوي لـ1400 شخص ـ بل ويتسم غرب البلاد بأرقام أكبر من ذلك.

بيد أن هذه الحقائق، علاوة على ارتفاع أسعار المياه، شكّلت المحرك وراء الخطوات الكبرى التي تحققت على صعيد استحداث أساليب ري ملاعب الغولف باستخدام «المياه الرمادية» أو مياه الصرف غير الصناعية التي تجري إعادة معالجتها لأغراض أخرى.

من جهته، قال توم بانكروفت، رئيس فريق العلماء داخل «جمعية أودوبون الوطنية»، إنه على الرغم من كل التقدم الذي أحرزته ملاعب الغولف، فإنها تبقى صناعة مثيرة لقدر بالغ من المشكلات.

واستطرد موضحا أن الكثير من ملاعب الغولف «تستخدم مبيدات حشرية يمكنها التسرب إلى المياه العذبة، ويستخدم الكثيرون المبيدات الحشرية في المروج الخضراء ومناطق العشب».

على الجانب الآخر، اعترف مارك إيسودا، مدير «أتلانتا كنتري كلب» بضاحية مارييتا، حيث تبلغ رسوم الاشتراك 85000 دولار، بأن الممارسات السائدة داخل ملاعب الغولف على مستوى البلاد يتسم بعضها باللامبالاة، بينما يبدي بعضها الآخر حرصا بالغا على ترشيد استخدام المياه. لكن إيسودا أصر على أنه وغيره من مدراء ملاعب الغولف يتميزون بكثير من الخبرات يمكن للمجالس البلدية الاستفادة منها فيما يخص ري الحقول، وكذلك يمكن لملاك المنازل استغلالها في ري أفنية منازلهم.

وخلال جولة في أحد ملاعب الغولف، توقف إيسودا بالقرب من الفتحة السابعة وأشار إلى منطقة مزروعة حديثا من عشب يدعى «زويسيا»، ينتمي في الأصل إلى جنوب شرق آسيا وأستراليا. وجرت الاستعانة بهذا العشب بديلا عن عشب العكرش في المناطق المتميزة بالظل من الملعب. يذكر أن عشب العكرش بمقدوره البقاء حيا طيلة أشهر الشتاء، وبالتالي يتطلب خمسة شهور إضافية من الري.

وقال إيسودا إنه قام بتركيب أجهزة مراقبة تحول دون عمل أجهزة الرش التلقائي أثناء أو بعد سقوط المطر.

وأضاف أنه لدى ظهور بقع جافة بالملعب الأخضر، يبعث أعضاء من فريق العمل حاملين عبوات مياه، بدلا من اللجوء لتشغيل نظام الرش.

وأخيرا، اضطر إيسودا إلى تعديل بعض معاييره الجمالية بعد سنوات من التمتع من البريق الأخضر للملاعب المثالية، حيث اعترف بأن: «وجود أعشاب جافة على الأطراف بات أمرا لا بأس به».

من جهته، أعرب أنتوني إل ويليامز، مدير في ملاعب ستون ماونتن العامة التابعة لماريوت، الواقعة على أطراف أتلانتا، عن اعتقاده بأن استهلاك المياه واحد من المجالات التي يمكن فيها حدوث تقارب بين مسؤولي ملاعب الغولف وأنصار الحفاظ على البيئة.

ونظرا لتوسع المناطق الحضرية، فإن ملاعب الغولف ربما تشكل المساحات الخضراء الواسعة الوحيدة على مسافة أميال عدة، مما يوفر مستقرا محتملا على قدر بالغ من الأهمية للطيور المهاجرة والصور الأخرى من الحياة البرية.

وقد سمح ويليامز بهيمنة أنماط محلية من العشب على الملاعب التي يشرف عليها. ويعمد إلى الإبقاء على العشب أطول من نظيره في الملاعب التقليدية بمعدل 1/16 من البوصة. وأوضح أن هذا الأمر يجعل اللعب بطيئا، لكنه «متناغم». وعمد إلى زرع النباتات التي تستهلك قدرا أقل من المياه وتجتذب الكائنات المرتبطة بالحياة البرية المحلية.

منذ توليه مسؤولية الملاعب عام 2005، نجح ويليامز في تقليص استهلاك المياه بنسبة 45 في المائة، حسبما أوضح، وشهدت الملاعب عودة ظهور كائنات تنتمي للحياة البرية المحلية مثل الصقر أحمر الذيل.

لكن هذه التغييرات كان لها ثمنها، مثل البقعة الداكنة التي تظهر من وقت لآخر بالممرات. لكن ويليامز أكد أن لاعبي الغولف لا يعبأون بها.

وقال: «أقف هناك بين العشب الأخضر وأشرح لهم الوضع بقولي: «إننا نقوم بذلك كي يتمكن أحفادكم من المجيء إلى هنا واللعب مثلكم. ويتفهم الناس الأمر».

خدمة نيويورك تايمز*