تزايد الاعتماد على الطائرات المروحية في الهروب من السجن

مصادر الإنتربول تقول إن 14 عملية ناجحة من هذا النوع وقع معظمها في أوروبا

كثير من السجون الأوروبية باتت أكثر عرضة لمخططات الهرب غير التقليدية بسبب تكدس السجناء طبقا للمعلومات الصادرة عن «المجلس الأوروبي» (إ.ب.أ)
TT

عندما فر ثلاثة مساجين، بينهم واحد من أخطر مجرمي بلجيكا، من سجن بالقرب من مدينة بروغ الشهر الماضي، جاء سيناريو الهرب مقتبسا مباشرة من فيلم سينمائي، حيث نفذ المجرمون فرارهم في وضح النهار اعتمادا على مسدسين وصديقتين وطائرة مروحية مختطفة. ونجح المسجونون واثنان اشتركا معهم في تدبير الهرب في تنفيذ جريمتهم على نحو بالغ الدقة على غرار العمليات العسكرية، حسبما أوضح شهود العيان.

من ناحيتهم، أكد خبراء معنيون بفرض القانون وعلم الجريمة أن مسألة الهرب باستخدام طائرة لم يكن ينبغي أن يكون بمثابة مفاجأة لمسؤولي السجن. تشير الإحصاءات الصادرة عن «الإنتربول» إلى أنه على امتداد السنوات الثماني الماضية، وقعت 14 عملية فرار ناجحة من السجن، على الأقل، باستخدام طائرات مروحية على مستوى العالم. وقد وقعت جميعها، فيما عدا ثلاثة، في أوروبا تحديدا. في معظم الحالات، ألقي القبض مجددا على الفارين بسرعة، لكن بعضهم ظل هاربا لسنوات عدة. بل وقليل منهم نجح في تكرار تجربة الهرب. من ناحيتهم، يعتقد الخبراء أن أسبابا عدة تكمن وراء الظاهرة، منها تدني مستوى معايير الأمن داخل الطائرات المروحية الخاصة، والازدحام المفرط في السجون، ونقص عدد الحراس والموارد الضرورية الأخرى، والقوانين الوطنية التي تمنع الحراس في بعض الدول من إطلاق النار على الطائرات المروحية. يذكر أن الهرب الذي وقع الشهر الماضي بالقرب من بروغ يعد المرة الثالثة التي يلجأ فيها سجناء في بلجيكا إلى استخدام طائرة مروحية في الهرب. أعقب هذا الفرار عمليتا هرب أخريين، جاءت كلاهما تقليدية، بينهما واحدة وقعت قبل أسبوع داخل مقر المحاكم المركزي في بروكسل. بصورة مجملة، تمكن 39 سجينا من الهرب من السجون البلجيكية هذا العام، ما أثار رسوما كاريكاتورية ساخرة تنتقد السلطات ومقالات رأي تتحسر على التراجع الشديد في إجراءات الأمن في السجون. جدير بالذكر أن عملية الفرار السابقة من السجن باستخدام طائرة مروحية وقعت في اليونان في فبراير (شباط)، حيث تم تهريب فاسيليس باليوكوستاس، لص بنوك يعد واحدا من أخطر مجرمي اليونان، وألكيت رزاج، ألباني يقضي عقوبة السجن مدى الحياة لارتكابه جريمة قتل، باستخدام طائرة مروحية مختطفة من سجن كوريدالوس بالقرب من أثينا. وجرى تصوير عملية الهرب بالصدفة من قبل أحد الهواة. من ناحية أخرى، تعاني فرنسا من مشكلة مستمرة مع الطائرات المروحية التي تساعد في عمليات الفرار من السجون، التي بلغت في المتوسط عملية فرار أو محاولة واحدة سنويا داخل فرنسا والمناطق التابعة لها خلال هذا العقد. تجدر الإشارة إلى أن عملية فرار على هذا النحو وقعت في أبريل (نيسان) بجزيرة رينيو الفرنسية بالقرب من مدغشقر. عام 2001، تمكن باسكال بايي، قاتل وزعيم عصابة إجرامية بمجال الجريمة المنظمة من مرسيليا، من الفرار من أحد السجون الفرنسية باستخدام طائرة مروحية. بعد ذلك، اختطف طائرة مروحية لاختطاف ثلاثة أصدقاء من السجن ذاته بعد عامين. وسرعان ما ألقي القبض مجددا على بايي، إلى جانب الفارين الآخرين، إلا أنه نجح في الهرب مجددا باستخدام طائرة مروحية من سجن بجنوب شرقي فرنسا عام 2007. من جهته، علق إريك ليموان، حارس بأحد السجون والمتحدث الرسمي باسم اتحاد موظفي السجون «سي جي تي»، على الأمر بقوله «تمجيد الخارجين على القانون يعد جزء من ثقافتنا». من بين الأمثلة على ذلك عدد من الشخصيات الواردة بأعمال أدبية مثل «الفرسان الثلاثة» لألكسندر دوماس، والشخصيات الأخرى المستقاة من قصص واقعية مثل تلك الواردة بفيلم «فتاة الهواء»، حيث تتمكن زوجة أحد القتلة المدانين من مساعدة زوجها على الفرار من سجن «لا سانتي» في باريس باستخدام طائرة مروحية. في أوروبا، غالبا ما تقع السجون بمناطق تتميز بكثافة سكانية مرتفعة، وينص البروتوكول الذي يحكم عمل حراس السجون على تجنب إطلاق النار على طائرة مروحية. تعليقا على هذا الأمر، قال فيليب أوبليغيس، نائب مدير شؤون الأمن بإدارة السجون الفرنسية: «في هذا الموقف، تعد الطائرة المروحية بمثابة قنبلة، لذا نعتبرها أمرا بالغ الخطورة». في أعقاب وقوع ثلاث عمليات فرار من السجون باستخدام طائرات مروحية عام 2001، خصصت الحكومة الفرنسية 55 مليون دولار لتعزيز إجراءات الأمن داخل سجون البلاد البالغ إجمالي عددها 196 سجنا. جرى استغلال جزء كبير من الأموال لتركيب شباك من الصلب ـ معترضات الطائرات المروحية ـ فوق الأفنية المخصصة للتدريبات الرياضية للحيلولة دون هبوط طائرة مروحية. في سجون أخرى، تم وضع أجهزة استشعار، يتراوح ارتفاعها بين سبع وثماني ياردات، على أسطح المباني. من جهته، أوضح أوبليغيس أنه نظرا لتعذر وضع شباك بالمواقع كافة، اضطرت فرنسا إلى وضعها في قرابة 80 سجنا فحسب تضم أخطر العناصر الإجرامية. أما بريطانيا، التي لم تشهد حدوث عملية فرار من سجن باستخدام طائرة مروحية منذ أواخر السبعينات، فتحركت بقوة أكبر حيال تركيب شباك مضادة لهذه الطائرات في سجونها. في الإطار ذاته، خصصت بلجيكا 5.8 مليون دولار عام 2007 لتأمين سجونها ضد عمليات الهرب اعتمادا على طائرات مروحية بعدما أقدم أحد السجناء، نوردين بينالال، على الفرار من أحد السجون باستخدام طائرة مروحية. يعتقد بعض النقاد أن كثيرا من السجون الأوروبية باتت أكثر عرضة لمخططات الهرب غير التقليدية بسبب تكدس السجناء. طبقا للمعلومات الصادرة عن «المجلس الأوروبي»، تعد سجون فرنسا وبلجيكا واليونان من بين أكثر السجون ازدحاما على مستوى المنطقة بأسرها. بينما يرى آخرون أن الأمر برمته يتعلق بالمال. على سبيل المثال، أعربت كارولين ساغسر، المحللة السياسية في «كريسب»، وهي منظمة بحثية تتخذ من بروكسل مقرا لها، عن اعتقادها: «إننا لم نقم بالاستثمار في السجون على النحو الواجب. ويعاني حراس السجون من انخفاض رواتبهم وتراجع الروح المعنوية لديهم». من ناحيتها، صرحت السلطات بأن عملية الهرب التي وقعت قرب بروغ الشهر الماضي جرى التخطيط لها من قبل أشرف سكاكي، 25 عاما، الذي أدين بأكثر من 16 جريمة، بينها السطو على مصرف واختطاف. وجرى تهريبه، وسجينين آخرين، عبد الحق ملول خيري ومحمد جوهري، من السجن عبر طائرة مروحية اختطفتها كل من ليسلي ديكرز (صديقة جوهري)، ولاهوسين الحدوشي (صديقة سكاكي). وقد ألقي القبض على خيري وجوهري الأسبوع الماضي. كانت ديكرز والحدوشي قد حجزتا تذكرتين لجولة سياحية بمطار قريب من السجن خاص بالطائرات المروحية، ثم تمكنتا من خطف إحدى الطائرات بتصويب سلاح ناري إلى الطيار في أعقاب إقلاع الطائرة بلحظات معدودة. من ناحيته، قال الطيار، لودويغ لواغي، في إطار مقابلة أجريت معه إن الفتاتين قامتا بتوجيهه إلى المنطقة التي يهبط بها. وأشار إلى أنه بقي في فناء السجن لمدة خمس دقائق ولم ير أي حارس قط. في المقابل، رفض المسؤولون البلجيكيون التعليق على الحادث، منوهين بأن تحقيقا بالأمر لا يزال جاريا. من ناحية أخرى، نوه عدد من الخبراء الأمنيين بأن كثيرا من شركات تشغيل الطائرات المروحية لا تفتش الركاب أو تعتمد إجراءات أمنية أساسية. يذكر أن مسؤولين في فرنسا ودول أخرى مارسوا ضغوطا بهدف إجبار شركات الطيران على تعزيز مستوى إجراءات الأمن لديها. لكن السلطات أوضحت أنه حتى مع تحسن مستوى الأمن، ربما لا يكون ذلك كافيا لردع أكثر العقول الإجرامية خطورة. في هذا السياق، قال أوبليغيس: «حتى إذا قام كل فرد بدوره على الوجه الأكمل، لن يردع ذلك جميع محاولات الهرب. لكن كلما زدنا صعوبة الأمر، تضاءلت المحاولات».

* خدمة «نيويورك تايمز»