«الشعبنة».. عادة حجازية لتوديع الفطر واستقبال الصيام

لا تزال مستمرة رغم اختلاف صورها

رقصة المزمار أحد مظاهر احتفالات الشباب بنهاية شهر شعبان («الشرق الأوسط»)
TT

تيّمنا بالمقولة الحجازية «بعد الرجبيّة والشعبنة، خير يجيبوا ربّنا» يحرص الكثير من أهالي الحجاز على إقامة الولائم في الأسبوع الأخير من شهر شعبان، يجتمعون حولها وبطرق متنوعة ينتهجونها قبل دخول شهر رمضان المبارك، في محاولة منهم لتوديع أيام الفطر والتأهب للصيام والقيام.

ويعتبر العم أبو كمال أن «الشعبنة» عادة سنوية لا بد أن يقوم بها ليجمع إخوته وأبناءه وأحفاده، إذ أنه عادة ما يقوم بطبخ المندي أو السليق أو حتى مختلف أنواع المشويات بمساعدة زوجته وبناته، وذلك في استراحته الخاصة ليقضوا بها يوما كاملا.

ويقول نستغل تلك «الجمعة» في وضع جدول شهر رمضان لتوزيع الزيارات على بيوت أفراد العائلة، إضافة إلى توديع الفطر واستقبال الصوم في جو عائلي يسوده الود.

ويؤكد أن تلك العادة الاجتماعية تقوّي الروابط بين الأسر، لا سيما أنها تعد فرصة للتسامح وتصفية النفوس قبل دخول الشهر الفضيل «على حد قوله».

ولا تقتصر «الشعبنة» على كبار السن فقط، وإنما انتقلت حتى بين الأوساط الشبابية على اختلاف جنسهم، إذ يتخذونها فرصة للترويح عن النفس والاستعداد للإقلاع عن مغريات الدنيا بشكل «مؤقت» أثناء تأديتهم لفريضة الصيام.

ويرى فؤاد عبد الرحيم ابن الثامنة عشر ربيعا أنه من الضروري إشباع الذات قبل شهر رمضان ليتسنى لهم الإخلاص في العبادة «بحسب قوله»، مشيرا إلى أنه يجتمع مع أصدقائه في ليلة ساهرة يؤدون فيها أنواعا مختلفة من الرقصات.

ويضيف من المستحيل أن أفعل ذلك في شهر رمضان حتى بعد وقت الإفطار باعتباره شهرا له حرمته التي يجب المحافظة عليها، الأمر الذي يجعلنا نفرّغ جزءا كبيرا من طاقاتنا قبل الصيام من خلال «الشعبنة».

فيما أوضح صديقه مهند عبد الكريم الذي يكبره بعامين ونصف، أن «شعبنتهم» تقتصر على لعب «المزمار» كونه رقصة شعبية، مؤكدا أن الرقص يعد أساسيا بالنسبة له في مثل تلك التجمعات.

وقال هناك من يلجأ إلى السفر خارج السعودية ليعود قبل دخول شهر رمضان بأيام قلائل، وذلك من منطلق «الشعبنة الحديثة»، في حين أننا نكتفي بولائم نقيمها في مناطق مفتوحة بعيدة عن التجمعات العائلية كي لا نتسبب في أي إزعاج.

ولا يقف الأمر عند احتفال العائلات الحجازية بالشعبنة، بل تسعى بعض الجهات الرسمية للقيام بذلك ضمن برامجها وفعالياتها، إذ تعقد الغرفة التجارية الصناعية بجدة مساء اليوم ليلة طربية تعد ختام مهرجان صيف جدة الساهر بحضور مجموعة من رجال الأعمال والإعلام والمجتمع بإشراف الفنان الملحن بكر مدني وذلك في جزيرة الصياد بشاطئ ومتنزه لاكوستا في كورنيش جدة الشمالي.

ومن جهته أكد المؤرخ السعودي عبد الوهاب أبو زنادة على أن «الشعبنة» تعد تقليدا اجتماعيا بحتا، بدليل أنه تجذّر في مجتمعات حواضر الحجاز منذ زمن بعيد، لافتا إلى أنها لا تختلف عن «الرجبيّة» التي كانت الأسر قديما تودّع بها شهر رجب.

وقال في حديث لـ «الشرق الأوسط» تتمثل الشعبنة قديما في احتفال يقيمه الرجال والنساء كل على حدة، وذلك في آخر يوم خميس من شهر شعبان، شريطة أن لا يتوافق مع ليلة رمضان الكريم.

وبيّن أن الرجال كانوا يخرجون في مجموعات إلى شاطئ البحر مساء، إلى جانب أن بعضهم كانوا يقصدون جزيرة بالقرب من جنوب مدينة جدة، وذلك عن طريق «السنابيك» ليقيموا ولائم الغداء والعشاء على أنغام «الصهبة» التي تعد فلكلورا حجازيا يعتمد على طبلتين صغيرتين تضرب بعصي شبيهة بالسواك يتم من خلالها ترديد أغان شعبية.

وأضاف تجتمع النساء في بيت من بيوت جدة ليطبخن العشاء وسط أناشيد شعبية من أبرزها «الفرعي» المكوّن من مواويل فلكلورية، غير أن أبرز ما يميز التجمعات النسائية، هو تقديم قهوة اللوز الساخنة التي يتم إعدادها من حليب معقود بالسكّر بإضافة قليل من دقيق الذرة واللوز الحجازي المسلوق والمجروش، ومن ثم تقديمها في أكواب تشبه الزبادي.

وذكر أبو زنادة أن الشعبنة التي اشتهرت بها منطقة الحجاز تختلف بين مدينة وأخرى من حيث الوجبات الغذائية التي يتم تقديمها، إذ يقوم أهالي مكة المكرمة بطبخ الأرز الكابلي والبرياني في الوقت الذي يقدّم أهالي مدينة جدة الأرز العربي أو السليق، فيما يعتمد أهالي مدينة ينبع في ولائمهم على الأسماك.

وأشار إلى أن صور الشعبنة شهدت اختلافا كبيرا بين الماضي والحاضر، لا سيما أنها كانت تقوم على مشاركة المجموعة بأكملها ما بين «القوّيم» المسؤول عن القيام بالأكل وآخر يتولى مهمة تجهيز المجلس والعديد من المهام الأخرى التي توزع على المشاركين كافة.

ولفت إلى أن اختلاف نمط الحياة جعل البعض يبذخ في إعداد ولائم الشعبنة، عدا عن تفضيل الكثير من العائلات إقامتها في أماكن مكيفة ومغلقة عوضا عن الأماكن المفتوحة مثل الخلاء وشاطئ البحر كما كانت في السابق، الأمر الذي أفقدها شيئا من رونقها.

وحول انتقال تلك العادة إلى جيل الشباب الحديث، أفاد أبو زنادة بأن هذه الفئة أصبحت تجتمع للرقص والغناء والترفيه بجميع وسائله، مما جعلها تختلف في أساسها قديما الذي كان يعتمد على الود والوئام والمشاركة في المهام، مشددا على ضرورة توعية الشباب أولا دون اللجوء إلى عقابهم.