«مارثاس فينيارد».. الجزيرة المفضلة لكلينتون تستعد لاستقبال أوباما وعائلته

الرئيس الحالي يصر على دفع جزء من تكاليف إقامته في فيلا أجرتها 25 ألف دولار أسبوعيا

من المقرر أن يقيم أوباما وزوجته ميشيل وابنتاهما ماليا وساشا في مزرعة بلو هرون، التي تمتد على مساحة 28 فدانا ويمتلكها الجمهوري وليام فان ديفيندر (أ.ب)
TT

إجازة الرئيس الأميركي، أي رئيس أميركي، ليست من أسرار الدولة، ويعرف بها الناس من خلال ما ينشر عنها في الصحافة التي تتناولها بإسهاب وتفحص. قبل الإجازة، يختار البيت الأبيض مجموعة من الصحافيين، ويحجز لهم غرفا في مكان قريب من الذي سيقضي فيه الرئيس إجازته. لا يجب أن يتابع الصحافيون الرئيس يوما بيوم، ولا يجب أن يحصلوا على تقارير رسمية عن ما يفعل. لكن، لا بد أن يقدم المتحدث باسم البيت الأبيض معلومات عامة عما يفعل، مرة كل يوم على الأقل.

أينما قضى الرئيس إجازته، فإن الصحافيين الأميركيين يسمونها «البيت الأبيض الصيفي». وسوف يضفي الرئيس أوباما طابعا أكثر هدوءا وأكثر برودة على «مارثاس فينيارد» عندما يصلها يوم الأحد المقبل لقضاء الإجازة العائلية. ولا توجد أي فعاليات عامة مخطط لها خلال الأسبوع، ويخطط أوباما لقضاء معظم الوقت في معزل مع أسرته وعدد قليل من الأصدقاء، حسب ما يقوله مساعدون.

تعرّفنا أجازات فصل الصيف بأشياء كثيرة عن شخصيات الرؤساء، فقد كان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان يقضي نحو شهر كل فصل صيف في مزرعته المفضلة رانشو دل سيلو بالقرب من سانتا باربرا في ولاية كاليفورنيا، مستمتعا في معظم الوقت بركوب الخيل. وكان جورج بوش الأب يستريح في مسكن العائلة في كينيبانكبورت بولاية مين، فيما كان يفضل جورج بوش الابن تقليم الأشجار في مزرعته داخل مدينة كروفورد بولاية تكساس.

ومن المقرر أن يقيم أوباما وزوجته ميشيل وابنتيهما ماليا وساشا في مزرعة بلو هرون، التي تمتد على مساحة 28 فدانا ويمتلكها وليام فان ديفيندر، وهو تاجر أخشاب دعم منافس أوباما خلال الانتخابات الرئاسية جون ماكين، السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا.

واختار الرئيس الذي يتحدث دوما عن العلاقات بين الحزبين أن يقيم في ضيعة جمهوري بارز، وسيدفع أوباما، الذي قضى إجازته في الجزيرة في السابق، مقابل نصيب أسرته من مجمل الإيجار الذي يقدر بـ25000 دولار أو أكثر. ويقول سين ويلنتز، أستاذ التاريخ في جامعة برنستون، في تصريحات أوردتها صحيفة «واشنطن بوست»: «ثمة دلالة عامة في إجازات الرؤساء منذ رئاسة لينكولن، الذي كان يذهب إلى منزل الجندي في واشنطن خلال الحرب الأهلية». ويضيف: «يجب أن تظهر للمواطنين أنك أخذت فترة راحة من الوظيفة، ولكنك دوما على أهبة الاستعداد. إنه توازن دقيق».

ولمس بوش المخاطر السياسية التي تحيط بقضاء الإجازة خلال أغسطس (آب) 2005 عندما كان يقيم في تكساس في الوقت الذي كان سكان نيو أورلينز يقدمون طلبات للحصول على مساعدات فيدرالية في أعقاب إعصار كاترينا.

ويضع مستوى رفاهية الإجازة تحديا سياسيا لأوباما في وقت يعاني فيه الكثير من الأميركيين بسبب الأزمة الاقتصادية. وقال أوباما في مقابلة أجريت معه مؤخرا إنه يفكر في الصعوبات التي تواجه الأميركيين «في كل يوم»، ولكنه دافع أيضا عن خططه بخصوص قضاء الإجازة. وقال لـ«سي بي إس نيوز»: «هل أعتقد أن الشعب الأميركي يرى أنه لا يجب علي أن أقضي بعض وقت الراحة مع بناتي بسبب هذه الصعوبات؟ الإجابة: لا أعتقد أن هذا ما يفكر فيه الأميركيون».

وقال تومي فيتور، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن أوباما «سوف يدفع مقابل إقامة العائلة خلال الفترة التي سيقضونها في (مارثاس فينيارد)»، ورفض الكشف عن مقدار ما سوف يدفعه أوباما وما هي الكلفة التي ستحملها الرحلة لدافعي الضرائب، وأرجع ذلك إلى طبيعة السياسات الأمنية للخدمة السرية الأميركية.

وعادة ما يتم تقسيم تكلفة الإقامة بين البيت الأبيض والخدمة السرية، وأشارت صحيفة «فينيارد غازيت» إلى أن الإيجار في هذه الحالة سوف يقسم على عائلة أوباما والخدمة السرية والبيت الأبيض. ويقول سماسرة عقارات محليون إن العقارات الشبيهة داخل الجزيرة يتم تأجيرها في المعتاد مقابل 25000 دولار أو أكثر لمدة أسبوع في وقت الذروة خلال فصل الصيف.

ويقول الكثير من المؤرخين إن تعهد أوباما بأن يدفع مقابل نصيب عائلة في الإيجار بـ(مارثاس فينيارد) شيء غير طبيعي.

وبينما قضى الرئيسان بوش الأب وبوش الابن إجازاتهما في منازل ومزارع العائلة، لم يفعل ذلك الرئيس كلينتون لأنه لم يكن يملك منزلا ولا مزرعة في ذلك الوقت. في بداية كتاب مذكراته «ماي لايف» (حياتي)، كتب كلينتون عن والده الذي لم يرَه. وقال: «توفي وعمره ثمانٍ وعشرون سنة فقط، ولهذا كنت في شبابي أعمل كثيرا؛ خوفا من أن أتوفى أيضا في سن مبكرة. كنت دائما على عجل، ولا أزال حتى اليوم. لا أقضي إجازة طويلة، ولا أتوق إلى إجازة».

في صيف سنة 2000، آخر صيف له في البيت الأبيض بعد ثماني سنوات فيه، كانت إجازته ثلاثة أيام فقط، قضاها مع زوجته هيلاري في كامب ديفيد (المنزل الصيفي الرسمي، في ولاية ماريلاند، على مسافة ليست بعيدة من واشنطن). قطعا إجازتهما ليذهبا إلى ولاية نيويورك ويبدأ حملة هيلاري الانتخابية (فازت ودخلت الكونغرس)، وكانا قد قالا إنهما سيذهبان في إجازة عندما يحل الشتاء، لكن لم يحدث ذلك لأن ذلك الشتاء شهد مفاوضات كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، والتي استمرت (دون الوصول إلى اتفاقية) حتى الأيام الأخيرة لكلينتون في البيت الأبيض.

في ذلك الوقت نقل تلفزيون «سي بي إس» أرقاما أوضحت أن كلينتون، مع نهاية السنة الثامنة له في البيت الأبيض، كان واحدا من رؤساء قلائل لم يذهبوا في إجازات طويلة، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس كارتر.

عكسهما، كان الرئيس بوش الابن واحدا من رؤساء قلائل ذهبوا في إجازات طويلة، بمعدل ثلاثة شهور في السنة، قضى معظمها في مزرعة كروفورد (ولاية تكساس). لكن وصف بوش كثيرا من إجازاته بأنها كانت «إجازات عمل»، وحقيقة، قد قابل عدد كبيرا من رؤساء الدول هناك. نافس الأب الابن وتفوق عليه، قضى الرئيس بوش الأب متوسط أربعة شهور كل سنة في كامب ديفيد ومنزل العائلة في ولاية مين.

أما بالنسبة إلى كلينتون، وخلال ثماني سنوات، فقد قضى 152 يوما إجازة (متوسط عشرين يوما في السنة). تقريبا، يساوي هذا عدد أيام إجازة الرئيس بوش الابن خلال السنة الأولى له في البيت الأبيض. لكن نال كلينتون نصيبه من إجازات في أماكن فاخرة ويرتادها الأثرياء مثل «مارثاس فينيارد» التي سيذهب إليها أوباما. في سنة 1998، قبل سنتين من مغادرة البيت الأبيض، كان كلينتون وزوجته هيلاري ضيفين على الملياردير أنتوني فيشار وزوجته في فيلا «هيرون فارم» التي كانا يملكانها. في سنة 2003 توفي الملياردير وزوجته في حادث طائرة، وباع الورثة الفيلا، وهي نفس الفيلا التي سينزل فيها أوباما وعائلته.

لم تكن تلك أول زيارة له هناك، فبعد سنة من دخوله البيت الأبيض بدأ يزور المكان، لكن في ذلك الوقت انتقد مراقبون وصحافيون، مثل مجلة «تايم» ومثل ديك موريس، مستشاره خلال الحملة الانتخابية، الذي تخلى عنه وصار، حتى اليوم، واحدا من أهم وأقسى معارضيه ومعارضي زوجته.

قالت «تايم»: «لم يكن للرئيس كلينتون وزوجته هيلاري منزل في ولاية آركنسا منذ أن تخرجا من الجامعة وانتقلا إلى هناك حيث بدأ كلينتون مغامراته السياسية. أجّرا منازل لعدة سنوات، ثم عندما فاز كلينتون بمنصب حاكم الولاية سكنا في منزل الحاكم الرسمي، ثم عندما فاز كلينتون بمنصب رئيس الولايات المتحدة سكنا في البيت الأبيض». وأضافت المجلة: «لكن صار كلينتون مثل أيزنهاور، يلعب الغولف مع أصدقائه الأغنياء».

وقال موريس: «خلال أربع سنوات عملت خلالها مستشارا لكلينتون، كنا نعتبر إجازته جزءا من حملاته السياسية، لكن تغير كلينتون وصار يقضي إجازاته مع الأغنياء».

قبل دخوله البيت الأبيض لم يتوقف كلينتون عن الحملات الانتخابية، منذ أن أنهى الجامعة وعاد إلى ولاية آركنسا. لهذا، كان يخطط ليذهب في إجازات، مهما كان عدد أيامها قليلا، حيث يقدر على كسب أصوات. ومرة طلب من موريس، مستشاره، إجراء استفتاء ليعرف رأي الأميركيين في الأماكن التي يذهب إليها الرؤساء لقضاء إجازاتهم. ووصل موريس إلى الأتي:

أولا: لا يتضايق الأميركيون من الرئيس الذي يقضي إجازة طويلة (ربما مثل الرئيسين بوش الأب والابن)، وذلك لأنهم يرون منصب الرئاسة صعبا وخطيرا، ويستحق الذي يملؤه إجازة طويلة.

ثانيا: لا يهتم الأميركيون بالمكان الذي يقضي فيه الرئيس إجازته، لكنهم يفضلون الرئيس الذي يقضيها في أماكن شعبية (مثل بلاج في فلوريدا، وديزني ويرلد، وغراند كانيون). ولا يفضل الأميركيون الرئيس الذي يقضي إجازته في منازل الأغنياء. مثل مصيف «مارثاس فينيارد».

وتذكر موريس أن كلينتون، خلال تلك الحملات الانتخابية كان يقول: «إذا أراد مني الشعب أن أنام في غابة ويأكلني الناموس بالليل، سأنام في غابة».

ولاحظ مراقبون وصحافيون أن كلينتون صار يقضي أكثر إجازاته في منازل أصدقائه الأغنياء بعد سنة 1996. تلك كانت سنة إعادة انتخابه، وضمان بقائه في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى.

كان معنى ذلك أنه أعلن نهاية «الحملات الانتخابية الأبدية» التي بدأها عندما أنهى دراسته الجامعية وعاد إلى ولاية آركنسا.

في مذكراته أشار كلينتون إلى هذا الموضوع، وخصوصا إلى مصيف «مارثاس فينيارد»، ودافع عن نفسه قائلا إنه أولا: ليس المصيف للأثرياء بقدر ما هو للمثقفين (الأحسن حالا اقتصاديا)، مثل رؤساء تحرير الصحف، وكبار مذيعي التلفزيونات، وكبار أساتذة الجامعات. وثانيا: إنه ذهب إلى المصيف عندما كان طالبا في الجامعة وعضوا في لجنة عارضت التدخل العسكري الأميركي في فيتنام، «وهذا يعني أن المصيف ليس للأغنياء والحكام فقط». وقال ما معناه أن الإجازات التي قضاها هناك كانت «إجازات عمل»، مثل أول إجازة له هناك، بعد سنة في البيت الأبيض، وبعد مرور خمس وعشرين سنة تقريبا على زيارته للمكان عندما عارض حرب فيتنام. وقال إنه نزل في منزل كان يملكه روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع أيام حرب فيتنام نفسها (لكنه في الكتاب نسي، أو ربما تعمد ألا يربط بين هذه الزيارة وتلك).

خلال تلك الإجازة، قابل جاكلين كنيدي وإدوارد كنيدي، وصار ـ حسب تقليعات أميركية ـ واحدا من شبه الارستقراطيين، لكنه دافع عن نفسه وقال: «ظل البيت الأبيض يطاردني. مواضيع (نافتا) (اتفاقية التجارة لأميركا الشمالية)، ومشروع هيلاري للتأمين الصحي (مثل مشروع الرئيس أوباما الحالي، لكنه فشل)، بالإضافة إلى اتفاقية أوسلو». وكان يقصد متابعته لاتفاقية أوسلو بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي وقعت بعد أيام قليلة من إجازته. وهكذا شغلته القضية الفلسطينية في أول إجازة له في البيت الأبيض في مصيف «مارثا فينيارد» الخاص. وشغلته في آخر إجازة له في مصيف «كامب ديفيد» الحكومي.

والآن تستعد «مارثاس فينيارد»، التي اعتادت قدوم الأغنياء والمشاهير، لأول إجازة رئاسية رسمية خلال ثمانية أعوام. ويضع مطعم «شاركز كانتينا» على قائمة طعامه «آيس كريم أوباما» و«ساندويتش باراك»، ومن المقرر أن تعلن «ماد مارثا للآيس كريم» عن نكهة جديدة احتفاء بهذه المناسبة.

* الأماكن التي كان يقضي فيها رؤساء أميركيون عطلهم الصيفية:

* الرئيس روزفلت ـ هايد بارك (ولاية نيويورك)، وهي مسقط رأسه، وفيها مدفون.

الرئيس ترومان ـ كي ويست (ولاية فلوريدا)، رغم أنه ولد ومدفون في ولاية ميسوري.

الرئيس أيزنهاور ـ أبلين (ولاية كنساس)، مدفون فيها، رغم أنه ولد في ولاية تكساس.

الرئيس كنيدي ـ هاينزبورت (ولاية ماساتشوستس)، ولا يزال فيها منزل ضخم لآل كنيدي.

الرئيس جونسون ـ ستونويل (ولاية تكساس)، وفيها ولد وفيها مدفون.

الرئيس نيكسون ـ سان كليمنتي ويوربا لندا (ولاية كاليفورنيا)، وفيها ولد وفيها مدفون.

الرئيس فورد ـ (ولاية ميشيغان)، وفيها ولد وفيها مدفون.

الرئيس كارتر ـ مزرعة بلين (ولاية جورجيا).

الرئيس ريغان ـ رانشو ديل شيلو (ولاية كاليفورنيا)، رغم أنه ولد في ولاية إلينوي، لكنه مدفون في مكان قريب من المزرعة.

الرئيس بوش الأب ـ كينيبانكبورت (ولاية مين)، ولا يزال فيها منزل لعائلة بوش. الرئيس بوش الابن أيضا كان يذهب إليها، رغم أنه قضى معظم إجازاته في مزرعته في كروفورد (ولاية تكساس).