جماعة تحاول جعل العالم مكتبة كبيرة

توزع الكتب في الأماكن العامة وشعارها «امنح الكتب حياة»

TT

كانت كريستال غروفز تسير في ممر آسيا في حديقة الحيوان الوطنية في ظهيرة أحد أيام هذا الصيف الحار، تسحب عربة صفراء تحمل طفلها البالغ من العمر عامين، ليل غروفرز، و23 كتابا كانت ترغب في توزيعها. كانت الكتب في حقائب بلاستيكية، وعلى كل منها ملصق أصفر مكتوب عليه «كتاب مجاني! خذني إلى المنزل».

وضعت غروفز كتابا أسفل تمثال، وألقت بآخر بعنوان «القطة التي جاءت من أجل الكريسماس» تحت معرض القطط الصيادة، وقصة هزلية بعنوان «العروس الخارجة على القانون» على طاولة في الطريق إلى بيت الطيور. واستمرت في تعقب موقع كل كتاب على جدول موضوع على لوحة خضراء زاهية.

وقالت غروفز، عضو في جماعة «بوك كروسنغ»، موقع تتبع كتب مجانية: «لقد تعلمت أنك إذا ما تركتهم بصورة متعمدة فإن أحدا لن يسأل».

وبمقدور أي فرد، كما يوضح المنشور، مشاركة كتبه مع العالم واتباع مساراتها إلى ما لا نهاية. وبإمكان عشاق الفكرة تسجيل كتاب أو إضافة مدخل صحافي مختصر، ثم وضعه في مكان عام، كي يحصل عليه شخص آخر ويتحدث عن المكان الذي وجده فيه على الإنترنت، ليصبح حلقة في سلسلة طويلة من الاكتشافات الأدبية التي تمت عن طريق الصدفة.

تعيش غروفز، أم وربة منزل تبلغ من العمر 32 عاما، في قاعدة بولنغ الجوية مع زوجها كريغ، أحد أهم المتحمسين لأعضاء منطقة واشنطن، هم مجموعة كهربية من محبي الكتب، ممن يميلون إلى الجانب المراوغ من الطبيعي (كلمة مجنون عادة ما يظهرونها عندما يسألون عن آراء أزواجهم وأصدقائهم تجاه هواياتهم).

ومنذ الانضمام إلى الجماعة عام 2003 سجلت 8212 كتابا على الموقع (حيث يحصل كل كتاب «بوك كروسنغ» على رقم هوية لأغراض التعقب) تركت بعضا منها في معارض الكتب، و5320 في الأماكن المفتوحة مصحوبة على الدوام بملاحظة تفسيرية تشجع القارئ التالي على الإضافة إلى قصة الكتاب على الموقع الإلكتروني.

مناطق وضع الكتب المفضلة بالنسبة لها هي الأماكن التي تتوافد إليها أعداد كبيرة من الأفراد مثل الأماكن المحيطة بالأسواق التجارية أو محطات مترو القطارات. وعادة ما تتركهم في القطارات من دون حقائب بلاستيكية، حيث لا توجد حاجة للوقاية من الطقس، والحقائب البلاستيكية تبدو مثيرة للشكوك الإرهابية».

المتابعة اليومية على الإنترنت التي تعرف بـ«الحصول على صيد» تحدث بنسبة 10% من الكتب التي تطلق في «بوك كروسنغ».

وبعد أسبوع من زيارة غروفز لحديقة الحيوانات لم تتسلم رسالة سوى عن كتاب «هدايا عيد الميلاد» من بين 30 كتابا وضعتها داخل الحديقة لشخص من لاغريزس بفرنسا، الذي كتب: «رأيت الكتاب على مقعد المترو وسوف أطلقه ما إن أنتهي من قراءته». وقالت غروفز: «تعلمت أن أكون صبورة».

وفي نزهة أخرى جلست غروفز في مقهى «ستاربكس» في شارع إتش بنيويورك، قبالة كتاب «جسور مقاطعة ماديسون»، يحمل ملصق «بوك كروسنغ»، وضعته على صندوق الصحف، وبعد دقائق قدم شاب يرتدي قبعة بيسبول، ويزين ذراعه بوشم، ونظر إليه ووضعه في حقيبة الظهر الخاصة به ثم انطلق.

ويقوم أندرو، الذي يبلغ من العمر 41 عاما، ويعمل فاحص رخص في مكتب الرخص والعلامات التجارية الأميركي في الإسكندرية، بإطلاق الكتب منذ ست سنوات، ووصل مجموع ما وزعه حتى الآن 3500، وهو عادة ما يقوم بذلك خلال ساعة الظهيرة.

ويصف هذه الطريقة بأنها كالرسالة داخل الزجاجة، وأن عشوائية ما ستحدث للكتاب، ورد فعل الشخص الذي سيأخذه لقراءته سيصل إليك. وفي بعض الأحيان تظل هذه الكتب بمفردها من دون قراءة من أحد.

وأوضح أنه ترك ذات مرة كتابا عن بطاقات «إيه تي إم» في الإسكندرية، وبعد شهور وصلته رسالة من شخص قرأ الكتاب قال فيها: «وجدت هذا الكتاب على مقعد محطة القطار في بكين».

وقد تأسس الموقع في عام 2001 من قبل رون هورن بيكر، الذي يبلغ من العمر 43 عاما، والذي وصف نفسه بأنه «مقاول وتكنولوجي متسلسل» في سان ماتيو بولاية كاليفورنيا.

وقال في مقابلة أجريت معه عبر الهاتف إن فكرة «بوك كروسنغ» لقيت انتشارا بسرعة كبيرة، وأنه أعجب أيما إعجاب بفكرة تعقب الأشياء على الإنترنت، وخلال استعراضه للأفكار في إحدى الليالي نظر إلى الرف المليء بالكتب التي علتها الأتربة، وانطلقت الفكرة في رأسه، ولم يكن يتوقع أن تكون بهذه الضخامة.

ويوجد بالنادي الآن ما يقرب من 800000 مشترك كونوا ما يشبه مكتبة عالمية تدار من مقاطعة ساندبوينت، بولاية إيداهو. ويقول بروس بيدرسون، زميل هورنبيكر في العمل، إن «بوك كروسنغ» اليوم أشبه ما يكون بمنطقة وسط بين المؤسسات غير الربحية والشركات التي تقوم بكل أعمالها على الإنترنت».

أحيانا ما يطلق على أعضاء جماعة «بوك كروسنغ» (BCers)، وغالبا ما يميزون كتبهم بملصقات يشترونها عبر الموقع تحمل الشعار المميز لهم الذي يأتي على شكل ماسة صفراء بداخلها صورة كرتونية بسيطة لكتاب بأذرع وأرجل يسير على الطريق. ويعرف ذلك الملصق في أوساط «بوك كروسنغ» باسم «باليكومب»، في إشارة إلى مصطلح استخدمه الكاتب دوغلاس آدامز.

يقوم الموقع بنشر تحديثات حول العضو الذي يحظى بأضخم مجموعة من الكتب المسجلة (34346 كتابا يملكها أمين مكتبة في مينيسوتا)، وكانت أكثر الكتب تسجيلا «ذا دافنشي كود» حيث تدور 3479 نسخة حول العالم.

أفضل رحلات لكتاب في «بوك كروسنغ» كانت لنسخة من كتاب نيك هورنبي «هاي فيديليتي»، الذي وضعه عضو اسكوتلندي على قمة تل «وي بيتي هل» في أعلى قرية في اسكوتلندا منذ ست سنوات، وبحسب مرات الدخول على الإنترنت، وقد كتب شخص أطلق على نفسه «إكسبلورر 21»: «من الجيد بالنسبة لي أن أشارك في رحلة الكتاب، ربما إلى تلك أكبر حجما». وبعد أسبوع كتب «إكسبلورر 21» أنه ترك الكتاب على قمة جبل كليمنغارو في تنزانيا، فيما سجل آخر دخول للكتاب من طبيب ألماني تحدث عن تلقيه إياه هدية من مريض خلال عمله في مستشفى في تنزانيا، وكتب الطبيب: «شكرا للكتاب، إنه يبدو معيبا بعض الشيء لكنه لا يزال بحالة جيدة».

وقال جونز بعد أن سرد القصة: «إن هذا مثال، وآمل في أن أحصل على مثال آخر جيد في يوم من الأيام».

أما مادلين غوزمان، التي تبلغ من العمر 61 عاما، وتعمل كمدققة جودة لوكالة صحة منزلية، وتعيش في روكفيل، فتقول إنها أصحبت «بوك كروسنغ» لأنها تحب الكتب، وتقول: «كم مرة ستعيد قراءة القصة أو الرواية؟ امنح الكتاب حياة جديدة».

تأتي غوزمان كواحدة من بين 50 عضوا في مجموعة «ياهو» «BC in DC» ونحو 12، من بينهم غروفز وجونز، يحضرون اجتماعات شهرية في مقاهي أو حملات البحث عن الكتب، وكما يقومون بجولات ميدانية دورية إلى مخزن الكتب في بالتيمور، الذي يعتبر أكبر مخزن للكتب المجانية، حيث يملأون صناديق سياراتهم لتحريرها مستقبلا. وفي أبريل (نيسان) 2011 سيعقد الموقع مؤتمره الأول الذي يواكب عيده العاشر في واشنطن. وتقوم مجموعة «BC in DC» بالتخطيط بالفعل لنشاطات المؤتمر.

ابتكر أعضاء الجماعة فكرة «ترك الكتب الموضوعية»، التي غالبا ما يكون فيها رابط بين عنوان الكتاب والمكان الذي أطلق فيه. وقد حصل جونز على دفعة كبيرة من هذا، فقد كان أفضل ما صادفه هو كتاب مارغريت ترومان «جريمة في البيت الأبيض»، في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، عندما كان يحضر احتفال عيد الفصح «في إيستر إغ رول» مع ابنتيه منذ بضع سنوات.

وخلال رحلة له مع عائلته الشهر الماضي توقف في روسل لوضع كتاب «المواجهات الوشيكة مع النوع الثالث» على مقعد في متحف ومركز أبحاث «يوفو» الدولي.

وقد وجدت غروفز وبعض من أصدقائها مؤخرا هواية أخرى جديدة تتمثل في البحث عن الأماكن التاريخية وتسجيل زياراتها على موقع «ماركيروني دوت كوم». وتقول غروفز: «سنقوم برحلات ونرسم خرائط للأماكن التاريخية التي نزورها وسنترك الكتب على طول الطريق».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»