كتاب جديد يحكي تفاصيل العلاقة المضطربة بين برلسكوني وزوجته

أفعال رئيس الوزراء لا تزعج الإيطاليين الذين ألفوا الفضائح

كتاب «ميول فيرونيكا» سوف يُنشر بعد غد الأربعاء ويبين بوضوح أن فيرونيكا لاريو مصرة على الطلاق، بينما يعتقد زوجها أنه ما زال هناك إمكانية للتصالح (رويترز)
TT

طالبت زوجة رئيس وزراء إيطاليا بالطلاق من سيلفيو برلسكوني لأنها ضاقت ذرعا «بأكاذيبه المتكررة» بخصوص ما يقال عن علاقاته النسائية المتعددة.

وقالت فيرونيكا لاريو في أول مقابلة لها منذ أن أعلنت أنها تريد وضع حد لزواجها بالإمبراطور الإعلامي، الذي دام أكثر من 20 عاما، مضيفة أمس أنها ضجرت من مشاهدة سلوكه الذي يحط من شأنه أمام الناس. «لم يعد عندي مقدرة على وقفه من تسخيف نفسه. لقد بلغ السيل الزبى»، مضيفة أنها حاولت قبل عشر سنوات ذلك لكنها اليوم «أرفع رأسي عاليا وأقول إنني أريد أن انفصل عن هذا الشخص. كان يمكن أن أستمر في ذلك، لكن أصبح الأمر صعب جدا».

ووصفت فيرونيكا لاريو التي أنجبت ثلاثة أبناء من برلسكوني، غضبها عندما عرفت أن زوجها قد ذهب إلى حفلة عيد ميلاد العارضة ناعومي ليتزيا (18 عاما) التي أقيمت في أحد المراقص في مدينة نابولي. واتهمت زوجها بالكذب حول علاقته مع الفتاة التي أهداها عقدا بثمانية ملايين دولار. «قال لي: (عليّ أن أذهب إلى نابولي لحضور اجتماع في غاية الأهمية هناك يخص بلدية المدينة). هذه كانت إحدى أكاذيبه العديدة».

جاءت تصريحات فيرونيكا لاريو أول من أمس خلال مقابلة مع الصحافية ماريا لاتيلا التي تكتب مراجعة جديدة حول سيرتها.

الكتاب يقدم تواريخ مهمة جدا ما بين أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين. ويتناول الكتاب بإسهاب تلك الفترة التي وصفتها فيرونيكا لاريو بأنها كانت مؤلمة جدا في حياتها.

كتاب «ميول فيرونيكا» سوف يُنشر بعد غد الأربعاء يبين بوضوح أن فيرونيكا لاريو مصرة على الطلاق، بينما يعتقد زوجها أنه ما زال هناك إمكانية للتصالح. ويصر برلسكوني أنه لم يقم بأي من الأعمال التي اتُّهم بها. الحفل الذي أقيم في منزل سيلفيو برلسكوني ودُعيت إليه الجميلات للترفيه عن رئيس الوزراء أصبح قصة تلوكها الألسنة طوال هذا الصيف. لكن الواقعة حدثت في عام 1986.

حدث ذلك عشية العام الجديد حين أقام برلسكوني الذي كان حتى ذلك الحين مجرد قطب إعلامي وأقام حفلا على شرف صديقه رئيس الوزراء بتينو كراكسي الذي أضفى قبل عام واحد الشرعية على عمل الشبكات التلفزيونية لمضيفه بإلغاء احتكار الدولة للبث الوطني في خطوة وُصفت بأنها «مرسوم برلسكوني».

وقال برلسكوني في محادثة هاتفية سجلتها الشرطة وأذيعت فحواها خلال محاكمات المافيا بعد سنوات من الواقعة: «دعوت فتاتين من البرنامج التلفزيوني (درايف ـ إن) ولكنهما لم تحضرا، وكان كراكسي غاضبا».

لذا فليس ثمة ما يدعو للاستغراب من عدم شعور كثير من الإيطاليين بالدهشة أو الانزعاج حين تم الكشف عن ادعاءات بممارسة رئيس الوزراء برلسكوني (72 عاما) الجنس مع فتاة تعمل لدى وكالات تقدم المرافقات، صحبها رجل أعمال إلى إحدى حفلات برلسكوني في نوفمبر (تشرين الثاني).

وقالت ماريا غراتسيا (معلمة في مدرسة ثانوية) لوكالة «رويترز»: «ما من جديد في ذلك في إيطاليا. هنا في روما عاش نيرون وكاليغولا. ماذا يمكن أن يثير دهشتنا». وأثارت الفضيحة حرجا لدى بعض الإيطاليين. والبعض تغاضى عنها متقبلا اعتراف برلسكوني بأنه ليس قديسا.

ويقول أليكس ستيل مؤلف بعض الكتب الأكثر مبيعا عن المافيا والسياسة الإيطالية: «ثمة أمر لصالح برلسكوني في هذه الفضيحة، السخرية غير المحدودة تقريبا من جانب الشعب الإيطالي تجاه الساسة وطبقتهم».

كما لم تَضِره سيطرته على التلفزيون الإيطالي إذ يمتلك ثلاثا من المحطات الأربع الخاصة في البلاد ويتحكم في المحطات الثلاث المملوكة للدولة مما ضمن تغطية محدودة للفضيحة من جانب أكثر وسائل الإعلام شعبية في البلاد.

الحقيقة أن الإيطاليين اعتادوا تورط زعمائهم في الفضائح.

وفر كراكسي من إيطاليا وسط حملة ضد الفساد في عام 1994 وأطيح بجوليو أندريوني الذي تولي منصب رئيس الوزراء سبع مرات من السلطة إثر نفس الحملة التي عُرفت باسم «طهارة اليد» قبل أن يحاكم بشأن صلاته بالمافيا وبعد محاكمة دامت سنوات برّأت محكمة الاستئناف ساحته في عام 2003.

وواجه برلسكوني شخصيا 12 قضية شملت اتهامات بشهادة زور ورشوة الشرطة وتمويل حزب سياسي لكنه لم يُدَن قط وفي العديد من الحالات بسبب انقضاء أجل الدعوى عند الاستئناف.

وفيما انتقدت الصحافة الأجنبية بعنف إعجاب برلسكوني بشابات صغيرات في السن وصوّرته مثل الإمبراطور نيرون الذي يغازل النساء بينما يحترق الاقتصاد الإيطالي. غير أن برلسكوني يرى أنهم لا يفهمون إيطاليا الحقيقية. ويتفق معه بعض المراقبين المحليين.

وقال جيمس والستون الأستاذ في الجامعة الأميركية في روما: «تشذ إيطاليا عن بقية أوروبا منذ فترة طويلة. ثمة عدم احترام للقانون في قطاعات كبيرة في المجتمع. ما فعله برلسكوني محطّ إعجاب الكثير من الإيطاليين».

ويوصف التهرب من الضرائب بالرياضة الوطنية وتقدر مؤسسة «يوريسيبس» وهي بيت خبرة أن نحو ثلث الاقتصاد الإيطالي الذي يقدر حجمه بنحو 1.5 تريليون يورو لا يسدد ضرائب. وتقدر وكالة الإحصاءات الوطنية النسبة بنحو 16 في المائة.

وبين السياسة وقطاع الأعمال تشابك قوي، غالبا ما يكون للاتصالات الشخصية دور حيوي في المفاوضات بشأن أمور روتينية. ووضعت الشفافية الدولية إيطاليا في المركز الثاني بين الدول الأكثر فسادا في منطقة اليورو بعد اليونان.

وقادت فضيحة النفقات البرلمانية في بريطانيا في العام الحالي إلى استقالات وأسهمت في تواضع أداء حزب العمال الحاكم في الانتخابات الأوروبية والمحلية بينما لم يكن لتحقيق مماثل في إيطاليا قبل عامين تأثير دائم يُذكر.

وكشفت أكثر الكتب مبيعا عن الفضيحة باسم «الطبقة» أن البرلمان الإيطالي ينفق على نفسه أكثر من عشرة أمثال ما ينفقه مثيله في إسبانيا بفضل مزايا لا تحصى مثل دروس فردية لتعليم الأعضاء رياضة التنس.

وقال والستون: «لا يرجع الأمر إلى تحلي البريطانيين بمعايير أخلاقية أعلى ولكن لأن احتمال معاقبتهم أكبر. ثمة عجرفة من جانب طبقة الساسة التي تحكم إيطاليا. لا يعتقدون أن من حق الشعب محاسبتهم».

وذكر فيكتور لابونت الخبير في شؤون الحكومات في جامعة غوتنبرغ في السويد أن رؤساء البلديات الذين يتورطون في قضايا فساد في إيطاليا غالبا ما يعاد انتخابهم، وهو أمر غير وارد في كثير من دول شمال أوروبا.

وثمة عدة عوامل أخرى لصالح برلسكوني من بينها انقسام وتشرذم المعارضة اليسارية التي يعتقد كثير من الإيطاليين أنها غير مؤهلة لحكم البلاد على عكس سمعة برلسكوني بإنجاز العمل الموكل إليه.

بالإضافة إلى ذلك فإن أسلوب حياته الباهر لا يزال محط تطلعات الكثير من الإيطاليين كما أن قوانين الطلاق الصعبة في هذا البلد الكاثوليكي عززت ثقافة شعبية أكثر تسامحا مع الخيانة الزوجية.

وقال والستون إن برلسكوني لن يواجه مشكلات إلا إذا ارتفعت معدلات البطالة بشكل حاد في الأشهر المقبلة أو في حالة فشله في الوفاء بتعهداته الطموح بإعادة البناء عقب زلزال أبريل (نيسان) في وسط إيطاليا.

وتابع: «إذا فشل في هذين الأمرين فسيواجه مشكلات وسيكون الأمر أسوأ بكثير من كذبه بشأن ما فعله أو لم يفعله مع فتاة في الثامنة عشرة من عمرها».