«ويكيبيديا» تحد من تحرير السير الذاتية للأشخاص

بموجب النظام الحالي ليس من الصعب إدخال معلومات كاذبة على الموقع لفترة قصيرة على الأقل

في مارس على سبيل المثال، أدخل طالب أيرلندي اقتباسا مغلوطا ونسبه إلى الملحن الفرنسي موريس غاري بعد وفاته مباشرة. وقد تمت إضافة ذلك الاقتباس إلى النعي الخاص به في عدة صحف بما فيها «الغارديان» و«الإندبندنت» في بريطانيا (نيويورك تايمز)
TT

أُسس موقع ويكيبيديا ـ واحد من أكثر المواقع الإلكترونية العشر انتشارا على شبكة الإنترنت ـ قبل ثمانية أعوام في تجربة بعيدة المدى؛ لتأسيس موسوعة حرة تعتمد على مساهمات المتطوعين مع القدرة على التحرير وتعديل المحتوى.

والآن وبعدما تجاوز عدد الموضوعات المنشورة في النسخة الإنجليزية ثلاثة ملايين موضوع، فإن قيم الحرية تلك على وشك أن تتغير؛ وذلك حيث قال المسؤولون في مؤسسة «ويكيميديا» وهي المؤسسة غير الربحية في سان فرانسيسكو التي تدير موقع ويكيبيديا، إنه خلال أسابيع ستبدأ النسخة الإنجليزية من الموقع في وضع مراجعة تحريرية على الموضوعات المتعلقة بالأشخاص الأحياء.

وتقتضي تلك الخاصية الجديدة التي أطلق عليها «المراجعات المعلمة» أن يقوم شخص ذو خبرة بالموضوع بالتطوع لمراجعة أي تغيير يرغب أحد من العامة في إجرائه على المحتوى قبل نشره على الشبكة. وما لم يوافق الخبير على ذلك التغيير فسوف يظل ذلك التغيير مختفيا في خوادم الموسوعة ويتم توجيه متصفحي البرنامج إلى النسخ السابقة.

ويأتي ذلك التغير في إطار وعي قيادات ويكيبيديا المتنامي بأنه كلما ازداد تأثير الموقع، يجب عليهم تحويل ثقافة الغوغاء إلى شيء أكثر نضجا واستقلالية.

ويقدر عدد متصفحي موقع «ويكيبيديا» كل شهر بحوالي 60 مليون أميركي، بالإضافة إلى أنه أول المواقع التي تظهر في نتائج العديد من عمليات البحث، وذلك حيث تتصدر عادة صفحات «ويكيبيديا» نتائج البحث على محركات بحث «غوغل»، و«ياهو» و«بينغ». ومنذ وفاة مايكل جاكسون في 25 يونيو (حزيران) على سبيل المثال، حصلت صفحته على ويكيبيديا على مرات تصفح وصلت إلى 30 مليون متصفح، دخل نحو 6 ملايين منهم على الصفحة خلال الـ24 ساعة الأولى من وفاته.

يقول مايكل سنو المحامي بسياتل ورئيس مجلس إدارة «ويكيميديا»: «نحن لم نعد في مرحلة إلقاء الأشياء باتجاه الحائط وانتظار أن نري ما الذي سيلتصق بها، ربما كان المجتمع قبل ذلك أكثر تسامحا مع الأشياء غير الدقيقة أو المحورة، سواء لسوء الفهم أو لأن المؤلف لديه غرض شخصي. ولكن لم يعد المجتمع يحتمل ذلك النوع من المشكلات الآن».

ومما لا شك فيه، أن إجراءات التحرير التي اتخذتها الإدارة مؤخرا التي طبقت على النسخة الألمانية من الموقع خلال العام الماضي ستكون هي القضية المحورية للمناقشة خلال الأسبوع الحالي؛ حيث يجتمع محررو «ويكيبيديا» المتطوعون في بيونس أيريس خلال مؤتمر «ويكيمانيا» السنوي، وتتركز معظم أجندة المؤتمر على تداعيات ذلك على حجم الموسوعة وتأثيرها.

وعلى الرغم من أن «ويكيبيديا» قد منعت المستخدمين المجهولين من إنشاء موضوعات جديدة منذ عدة سنوات، فإن النظام الجديد سيتجاوز الحدود؛ فسوف يقسم المساهمون في موضوعات «ويكيبيديا» إلى فئتين، خبراء، ومستخدمين موثوق بهم، وعدا ذلك، وهو ما يغير المفهوم الشائع عن ويكيبيديا من أنها تساوي بين الجميع فيما يتعلق بالتحرير.

ولكن ذلك الحق لم يكن قبل ذلك مطلقا، كما أن تغيير السياسة يأتي كامتداد للصراع بين السيطرة والحرية؛ فعلى سبيل المثال، تخضع بعض الصفحات الخاصة بالمشاهير أو الأشخاص المثيرين للجدل مثل صفحة «بريتني سبيرز» أو «صفحة الرئيس أوباما» للحماية أو لما يشبه الحماية؛ حيث تم الحد من الأشخاص الذين يستطيعون تحرير تلك المقالات إن كان هناك من يستطيع تحريرها.

ولمدة سبعة أشهر بدأت من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عملت صحيفة «نيويورك تايمز» مع مديري «ويكيبيديا» على حجب المعلومات المتعلقة باختطاف ديفيد رودي المراسل بأفغانستان من الصفحة المتعلقة به. وذلك حيث قالت الصحيفة إن فرض نوع من الرقابة ربما يعزز من فرص نجاته. وقد هرب السيد رودي من مختطفيه في طالبان في يونيو (حزيران) ولكن القصة أفزعت المساهمين في الموقع.

ويأتي النظام الجديد في ظل دراسة جديدة اكتشفت أن «ويكيبيديا» فقدت جزءا من جاذبيتها بالنسبة للمستخدمين الجدد أو المساهمين غير الدائمين.

وقد أنهى إيد إتش تشي من مركز «بالو ألتو» للأبحاث في كاليفورنيا والمتخصص في الأبحاث التي تتم لأغراض تجارية دراسة على المليون عملية تغيير (تحرير) التي أجرتها «ويكيبيديا» خلال شهر. وقد استنتج أن معدل النمو المتوقع (سواء في إنتاج دراسات جديدة، أو في الإضافات على الموضوعات، أو المساهمين الجدد) كان مستقرا في 2007 ـ 2008. كما اكتشف السيد تشي كذلك أن تلك التغيرات التي يجريها محررون خبراء تبقى على الأرجح على الموقع لفترات أطول، بينما تكون فرصة المحررين للمرة الأولى في مناقضة أقوالهم أعلى. وأضاف أنه كانت هناك «مقاومة متصاعدة من مجتمع ويكيبيديا ضد المحتوى الجديد».

وبالنسبة لمراقبين آخرين فإن ذلك النظام الجديد يعكس قبول «ويكيبيديا» الضروري للمسؤولية التي تصاحب ازدياد نفوذها.

يقول جوزيف ريغل الأستاذ المساعد بالاتصالات بجامعة نيويورك الذي حصل على درجة الدكتوراه حول تاريخ «ويكيبيديا»: «لـ(ويكيبيديا) الآن القدرة على تغيير العالم الذي كانت تحاول توثيقه». وبموجب النظام الحالي، فليس من الصعب إدخال معلومات كاذبة في موقع «ويكيبيديا» على الأقل لفترة قصيرة؛ ففي مارس (آذار) على سبيل المثال، أدخل طالب أيرلندي (22 عاما)، اقتباسا مغلوطا ونسبه إلى الملحن الفرنسي موريس جاري بعد وفاته مباشرة. وقد تمت إضافة ذلك الاقتباس إلى النعي الخاص به في عدة صحف بما فيها «الغارديان» و«الإندبندنت» في بريطانيا. وفي 20 يناير (كانون الثاني) قام المخربون بإدخال معلومات على صفحات السناتور إدوارد كيندي والسناتور روبرت بيرد لكي يعلنا معلومات خاطئة تفيد أنهما ماتا.

ويؤكد المدافعون أن تلك المراجعات ربما توفر فرصة أكبر لكي يتم اكتشاف التزييف ولرفع مستوى الدقة بشكل عام في المواد المنشورة على موقع «ويكيبيديا».

ويعتزم المسؤولون بالمؤسسة القيام بتفعيل ذلك النظام أولا على الموضوعات التي تتعلق بالأشخاص الأحياء؛ نظرا لأن هذه المقالات أكثر عرضة للتخريب ولأن المعلومات المزيفة المتعلقة بأشخاص أحياء يكون لها تأثير سيئ عليهم.

ولم يتم حتى الآن تحديد نوعية الأشخاص الذين سيسمح لهم بمراجعة تلك الموضوعات ولكن عدد المحررين سوف يصل إلى الآلاف، وفقا لما قاله مسؤولون بالموقع. وفي نسخة «ويكيبيديا» الألمانية يوجد نحو 7500 شخص لهم الحق في إجراء التعديلات. وربما تحتاج النسخة الإنجليزية التي يفترض أنها تحتوي على ثلاثة أضعاف عدد المقالات في النسخة الألمانية، إلى المزيد من المحررين لكي يستطيعوا إجراء هذه التعديلات قبل الموافقة عليها.

ويقول جيمي ويلز مؤسس موقع «ويكيبيديا»: «إنه اختبار، وسوف نكون مهتمين بأن نصغي إلى كل الأسئلة المثارة. ما هي المدة التي تستغرقها الموافقة على الموضوعات؟ هل يستغرق الأمر دقيقتين، أياما، أم أسابيع؟».

لقد بدأ السيد ويلز في الدفع بتلك السياسة بعد عمليات التزييف التي تعرضت لها صفحتا كل من كيندي وبيرد ولكن تاريخ مناقشة نظام المراجعة يعود إلى فترة حالكة من تاريخ «ويكيبيديا» والمعروفة بحادثة سينثيلر.

ففي عام 2005، اكتشف الصحافي والمؤلف المرموق جون سينثيلر أن المقال الذي يتعلق بسيرته الذاتية على الموقع يربط بينه وبين اغتيال جون كيندي وروبرت إف كيندي وكان ذلك مهينا على نحو خاص نظرا لأنه كان مقربا من أسرة كيندي.

ومنذ ذلك الوقت، أصبح أعضاء «ويكيبيديا» متشددين فيما يتعلق بذكر مصادر أو حقائق، وكان فريق التحرير يحرص دائما على إضافة عبارة «يحتاج للتحرير» لأي عبارة من دون مصدر.

فيقول السيد ويلز: «لقد أصبحنا بالفعل جزءا من البنية التحتية للطريقة التي يحصل بها الناس على المعلومات. نحن نتحمل مسؤولية فعلية».

* خدمة «نيويورك تايمز»