إعادة تأهيل متحف دير الزور على ضفاف الفرات

تعرف بأنها مدينة المقاهي الشعبية وتتفوق في عددها على جميع المدن السورية

قاعة المقهى الشعبي مجسمة في المتحف («الشرق الأوسط»)
TT

تتميز محافظة دير الزور السورية، على ضفاف الفرات شرق العاصمة دمشق بـ350 كلم، بغناها بالمواقع الأثرية، وتأتي في مقدمتها مملكة ماري، التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وموقع دورا أوروبوس (الصالحية) الذي افتتح فيه قبل سنوات البيت الروماني، وهناك أيضا مواقع مهمة مثل حلبية وزلبية والبصيرة قرقيسياء والعشارة ترقا وتل الشيخ حمد والحبة وغيرها.

ولأهمية هذه المواقع والآثار المكتشفة فيها فقد افتتح قبل عدة سنوات متحف ضخم في مدخل مدينة دير الزور الغربي، نفذت أقسامه من قبل خبراء ألمان كان على رأسهم المهندس المعماري أوليك فري والرسام توماس ديلي, حيث نفذ المتحف بطريقة فنية مبتكرة تم من خلالها بناء نماذج للمواقع الأثرية المهمة في المحافظة مع المقتنيات التي اكتشفت بها. ويشعر الزائر للمتحف وكأنه يتجول في ماري ودورا أوروبوس وقصور تل عجاجة وتل البديري وبقرص الذي يعود إلى العصر الحجري.

كما يتميز المتحف بوجود حديقة ضخمة ضمت الكثير من التماثيل واللقى المكتشفة، بحيث تحولت هي الأخرى إلى متحف ثانٍ ولكن في الهواء الطلق. وبعد 13 عاما من افتتاح متحف دير الزور تستعد حاليا إدارة المتحف للبدء في مشروع واسع لإعادة تأهيل المتحف بتكلفة مالية تصل إلى حدود مليون دولار أميركي، وتتضمن عمليات التأهيل إعادة تشكيل إنارة المتحف على أحدث الطرق، وإضافة أسقف مستعارة إلى صالات العرض، وتزويد العرض الدائم للقطع الأثرية بالتكييف بحيث يخدم طبيعة الآثار، وإعادة دراسة مخازن المتحف التي تضم القطع الأثرية قبل دراستها أو بعدها. كما يتضمن المشروع تأهيل حديقة المتحف بما يناسب الطابع المعماري للمتحف واستقبال الزوار مع إنارة كاملة للحديقة.

وفي جولة بأقسام متحف دير الزور ومقتنياته وقاعاته نشاهد أن المتحف الذي يمتد على مساحة نحو 9000 متر مربع، ويضم أبنية بمساحة نحو 2000 متر مربع، تنقسم قاعاته حسب الفترة الزمنية لمعروضاتها إلى أربع وهي:

«قاعة الشرق القديم»، التي تضم الآثار المكتشفة في دير الزور بدءا من العصر الحجري وانتهاء بالقرن الثالث قبل الميلاد.

وقد بني في هذا القسم هياكل ومجسمات لمواقع بقرص من العصر الحجري المتأخر، حيث عرض فيها الأدوات المستعملة في تلك الفترة، ومنها قطع حجرية وصوانية وعظام وحلي وأسلحة وأدوات منزلية وهياكل للإنسان القديم. وفي القسم الأول أيضا مواقع تعود إلى العصر البرونزي القديم، حيث تم تشييد بناء بالمقياس والشكل الطبيعي لمعلم أثري اكتشف في منطقة الجزيرة السورية بموقع تل البديري، وهو عبارة عن بناء يمثل واجهة سور ومدخل مدينة مدعم ببرجين على الجانبين، حيث يعود الموقع إلى الألف الخامس قبل الميلاد. وفي القسم الأول أيضا عروض لفترة البرونز الوسيط حيث يشاهد الزائر واجهة قصر مملكة ماري الذي بناه الملك زمرليم قبل 3500 عام. وهناك رسم جداري يمثل تنصيب ملك ماري. وفي القسم أيضا هيكل وقصر يقدم فكرة عن آثار القرن التاسع قبل الميلاد، يزين مدخل القصر التماثيل المجنحة والجانبية.

القاعة الثانية هي «قاعة الآثار الكلاسيكية»، وضمت مقتنيات ومجسمات تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد وحتى نهاية العصر البيزنطي. ومن عروضها قسم من واجهة معبد بعل التدمري في آثار دورا أوروبوس، وزين المعبد بالرسوم الجدارية التي اكتشفت سابقا فيه، وكان اكتشف المعبد في موقع الصالحية.

أما القاعة الثالثة فخصصت للآثار العربية الإسلامية المكتشفة في دير الزور، وتميز هذا القسم بعرض نموذج لقصر الحير الشرقي الذي بني في البادية السورية قرب تدمر في العصر الأموي. والقاعة الأخيرة الرابعة من المتحف تخصصت بالتقاليد الشعبية لدير الزور والموروثات والحرف اليدوية التي اشتهرت بها المدينة. ولعل الأبرز في معروضات هذا القسم هو نموذج المقهى الشعبي الديري بروّاده، حيث عرضت فيه نماذج بشرية لرجال يجلسون في المقهى, حيث تشتهر مدينة دير الزور بأنها مدينة المقاهي لما تضم من مقاهٍ شعبية تتفوق في عددها على جميع المدن السورية.

كما ضم القسم الرابع والأخير لقى وأدوات تمثل الحياة الريفية والبدوية وعلاقة المزارع الديري بنهر الفرات، شريان الحياة في دير الزور وريفها.

ومن المعروضات المهمة في المتحف نماذج لوثائق كتابية بالخط المسماري تعود إلى تاريخ تشكل الكتابة، وإلى فترات لاحقة تقدم فكرة تاريخية عن تطور الكتابة عبر التاريخ.

ومن أقسام مباني المتحف الأخرى هناك قاعات للمحاضرات واستقبال الخبراء الآثاريين، ومكتبة تضم مئات الكتب التاريخية والأثرية، وهناك الحديقة في الخارج والمسطحات الخضراء التي نسقت بشكل فني جميل.