أنجيلا ميركل تهوى الطبخ.. وعشاء غيرهارد شرودر يكلف 700 يورو يوميا

الصحافة الألمانية افتتحت الحملة الانتخابية

ميركل قدمت نفسها كربّة بيت تتولى بنفسها أعمال البيت والطبخ للزوار (رويترز)
TT

لا يمكن فصل حرب «الفضائح» الصغيرة بين الأحزاب الألمانية الكبيرة عن الحملات الانتخابية واقتراب مواعيد الانتخابات، لكن هذه الفضائح تكشف كل مرة عن «هوايات» غريبة و«أهواء» أغرب لكبار السياسيين الألمان.

ولهذا فقد كانت وزيرة الصحة أورسولا شميدت، من الحزب الاشتراكي، طوال الأشهر الماضية موضوع الصحافة الألمانية بسبب استخدامها سيارة الوزارة في رحلاتها الشخصية وتنقلاتها. ووصلت الحملة إلى حد أن بعض المراقبين السياسيين اعتبروا فضيحة سيارات أورسولا القشة التي ستقصم ظهر البعير الاشتراكي في الانتخابات العامة يوم 27 سبتمبر (أيلول) القادم. وما إن هدأت الحملة حول فضيحة السيارة حتى انطلقت حملة جديدة حول الوزيرة الاشتراكية تتعلق باستخدامها طائرة الحكومة في مسافات لا تستحق الطيران مثل السفر بين كولون وآخن (65 كيلومترا).

وكان من المتوقع بالطبع أن ينطلق رد الاشتراكيين حاسما وموجها إلى قمة الهرم في الحزب الديمقراطي المسيحي، رغم أن الرد لا يأتي مباشرا بالطبع. فنشرت صحيفة «بيلد» قبل أسبوع خبر دعوة أجرتها المستشارة أنجيلا ميركل في دائرتها لاستضافة رئيس «الدويشتة بانك» وأعضاء هيئته الإدارية. وسرعان ما شاركت معظم الصحف في البحث والتنقيب في ملابسات الدعوة واعتبرتها دعوة أغنياء على حساب دافعي الضرائب.

وذكرت القناة الأولى في التلفزيون الألماني أن ميركل دعت رئيس «الدويتشه بانك» يوزيف أكرمان و30 من ضيوفه في الطابق الثاني من مكتبها بمناسبة الذكرى الـ60 لميلاد أكرمان. وأكد رئيس «الدويتشه بانك» (مرتبه 12 مليون يورو سنويا)، أنه تمتع بالطعام والحفلة كثيرا. وفسرت ميركل الماء بعد جهد جهيد بالماء فقالت إن الحفلة لم تكن مخصصة لميلاد أكرمان وإنما لتكريم رؤساء الشركات الكبرى.

ويستفسر الكثيرون عن سبب قيام ميركل بدعوة رئيس «الدويتشه بانك» في دائرتها، حيث نالت المطاعم الفاخرة أكثر من 3000 يورو عن كل شخص، بدلا من أن تطبخ لهم بنفسها وفي بيتها. خصوصا أن ميركل، ومثل المستشارين المحافظين السابقين، قدمت نفسها كربة بيت صالحة تتولى بنفسها أعمال البيت والطبخ للزوار.

وعلى أي حال، لا يقل أنف ميركل، كطباخة، حساسية عن أنوف من سبقوها، وتعرف المستشارة جيدا أن المستشار العجوز كول أصبح بعد تقاعده عضوا في المجلس الإداري لكارتيل البنوك السويسرية ويتلقى الملايين منهم كمستشار اقتصادي. وتحول غيرهارد شرودر من سياسي إلى اقتصادي، بعد خسارته الانتخابات ضد ميركل، وأصبح مستشارا لعملاق النفط الروسي «غاز بروم» بمساعدة صديقه فلاديمير بوتين.

ولم تنتهِ مباراة ليّ الأذرع عند هذا الحد، لأن صحيفة «بيلد»، وفي هذا الوقت الحرج، نبشت ملفات المستشار السابق غيرهارد شرودر، بتكليف من مجهولين، وتوصلت إلى أن دعوة رجال الاقتصاد وغيرهم في دائرة المستشار كان تقليدا ساريا.

وتكشف الملفات أن هذه الظاهرة تفاقمت في السنتين الأخيرتين من حكم شرودر، حيث تكلفت الدائرة مبلغا يصل إلى 533 ألف يورو، أي بمعدل 700 يورو لليوم الواحد. وسجلت كل هذه القوائم تحت عنوان «استضافة الزوار المهمين من قبل المستشار»، أو تزويد مطابخ الدائرة بما تحتاجه من طعام وشراب. وكانت أعلى قائمة عشاء لشرودر في إثيوبيا حيث دعا 19 شخصا لعشاء تكلف 6150 يورو في ذلك البلد الرخيص والفقير. وكان معدل العشاء لكل شخص يبلغ 324 يورو، وهو مبلغ لا يقارن بحفل استضافة ميركل لرئيس «الدويتشه بانك».

وواقع الحال أن شرودر، الذي يهوى النساء وكرة القدم، بز كل الذين سبقوه من مستشارين حينما حوّل حبه لكرة القدم إلى مال يسيل من «غاز بروم» إلى خزنة ناديه المفضل ف.س. شالكه لكرة القدم. وأصبح شرودر، بعد انسحابه من السياسة، حامل رقمين قياسيين بين المستشارين الذين سبقوه بين 1948 و2005، فهو أكبر «مزواج» بينهم، وتزوج 4 مرات حتى الآن، كما أنه صاحب الرقم القياسي في عدد المهن التي نالها بعد تقاعده.

وشرودر اليوم مستشار لشركة «غاز بروم»، وكاتب مقالات سياسية لصالح مجموعة «رينجير» الصحافية النمساوية الكبيرة، و«خطيب» لمصلحة وكالة «هاري وولكر» الإعلانية على الإنترنت.

وبكل روح رياضية، في الوقت الضائع من مباراته الخاسرة ضد ميركل، وقع شرودر عقد مد خطوط الغاز من روسيا وألمانيا تحت بحر البلطيق بقيمة 4 مليارات يورو. وهي الصفقة التي اعترضت عليها فرنسا وبريطانيا ووصفتها الصحافة البولندية بأنها صفقة مالية بين شرودر وبوتين أسوأ من اتفاق هتلر مع ستالين.

وعلى أي حال تبقى ميركل تلميذة وفية لعرابها المستشار العجوز هيلموت كول الذي قاد خطاها من الشبيبة الشيوعية الألمانية (ألمانيا الديمقراطية)، إلى قمة الحزب الديمقراطي المسيحي، فهي تهوى الطبخ مثل كول، وتنتهز الفرص لمشاهدة نزالات الملاكمة على التلفزيون. وحسنا تفعل لأنها قد تحتاج يوم ما إلى كل قواها لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي أطاحت بالـ«كوميرس بانك» وشركة «أوبل».

سبقها كول مطلع التسعينات حينما وجّه لكمات ساحقة في دريسدن (شرق) إلى الشرقيين الذين رجموه بالبيض الفاسد حسابا له على وعوده الاقتصادية التي لم تتحقق. وكان كول (طوله 193 سم ووزنه 153 كغم) آنذاك قد خرج فائزا في نزاله غير المتكافئ ضد الاشتراكي أوسكار لافونتين (175 سم و80 كغم) في المعركة الانتخابية التي أعقبت الوحدة الألمانية عام 1990.

وكانت هواية الطبخ كارثة صحية على المستشار كول لأنه لم يكن يجد من يأكل وجباته غير نفسه، وهكذا ارتفع وزن المستشار «الثقيل» كثيرا في الفترة الأخيرة، ولا يستطيع اليوم الحراك دون مساعدة الكرسي السيار. كان بوسعه الجلوس باطمئنان على كرسي خاص، أهداه إليه أصدقاؤه بعد الفوز على لافونتين، ويتحمل 300 كغم، لكن وزنه أصبح عبئا عليه في أثناء السفر إلى الخارج، إذ انكسر السرير تحته مرة في أثناء زيارة إلى فيتنام، وأضرب المصعد عن الحركة في الصين بعد أن استقله مع حراسه، وفشل حزام الأمان في الالتفاف حول كرشه وهو يستقل طائرة هليكوبتر في إيطاليا.

كان المستشار الثاني، وصاحب المعجزة الاقتصادية، لودفيغ ايرهارد يهوى السيارات، وخصوصا سيارة مرسيدس 300 دي. ويمكن للمرء اليوم شراء نموذج تلك السيارة مع دمية صغيرة تقودها تمثل ايرهارد. وهذا طبيعي، فقد أمر ايرهارد المحافظ بتزويد الوزارة بسيارات من صناعة مرسيدس واستمرت الحالة كما هي إلى أن جاء الاشتراكي شرودر الذي فضل أسطولا من سيارة أودي (وهي ابنة فولكسفاغن)، لأن الولاية التي حكمها طويلا (سكسونيا السفلى) تستضيف مصانع فولكسفاغن. ثم جاءت ميركل أخيرا لتستعيد مجد السيارة ذات النجمة (مرسيدس) في عوالم برلين السياسية الرسمية.

ويقول المستشار الاشتراكي الأسبق فيلي براندت (1969-1974) في مذكراته إنه كان يهوى الطبخ وصيد السمك، وهي فرصته الوحيدة للهروب من أجواء السياسة المعقدة. مقابله كان هيلموت شميدت (مستشار ألمانيا 1974-1982)، يحب البحر ويهرب إليه بواسطة زورق صغير. وحينما سئل في ميلاده التسعين قبل أشهر عن سبب حيويته حتى اليوم قال: «العمل والتدخين».

توفى براندت بعد أن قاد الاشتراكية الدولية طويلا وقضى حياته مهتما بالمسرح والفنون الأخرى، ولا يزال شميدت عضوا في هيئة تحرير أهم الصحف الأسبوعية «دي تزايت».