الـ«فيس بوك» في رمضان: تبادل موائد الإفطار افتراضيا

على الرغم من تأثر حجم المشاركات العربية.. صفحاته تحولت إلى ساحات للإفتاء والدعاية للأعمال الرمضانية

الـ«فيس بوك» اكتسب رداء رمضانيا لدى المشتركين العرب
TT

دعوة شخص يبعد عنك آلاف الأميال إلى مائدة إفطار رمضانية لم تعد شيئا مستحيلا، فآخر تقليعات الموقع الاجتماعي الـ«فيس بوك» كانت عبارة عن تطبيق أنشأه مستخدمون للموقع يسمح لأعضائه باستقبال وإرسال الأطباق الرمضانية من مختلف المطابخ العالمية بشكل افتراضي على صفحات الموقع. إضافة إلى ذلك شكّل الـ«فيس بوك» بيئة افتراضية لمستخدميه لتبادل التهاني بحلول الشهر ومشاركة الأفكار الخاصة برمضان والاحتفال بمظاهره إلكترونيا.

وتماما كما صبغت مظاهر شهر رمضان كافة مناحي الحياة الاجتماعية والعملية، تحولت أنشطة مستخدمي الـ«فيس بوك» إلى دعوات لاستغلال الشهر من أجل التغيير وزيادة التواصل وإطلاق لأفكار تطوعية ومشاريع إبداعية كان قاسمها المشترك هو شهر رمضان.

مستخدمو الموقع استغلوا هذا العالم الافتراضي في تبادل التهاني بمناسبة حلول الشهر، وكذلك النصائح والدعوات لاستثمار هذه المناسبة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعداه إلى إنشاء تطبيق لمشاركة موائد الإفطار افتراضيا عبر الموقع. ويتيح هذا التطبيق لمستخدم الـ«فيس بوك» اختيار أطباق مميزة من مطبخه المفضل ليقوم بإهدائها إلى أصدقائه، حيث تظهر هذه المائدة على صفحته الشخصية. ويشير أحد مشتركي الـ«فيس بوك» إلى أن هذا التطبيق دفعه إلى التعرف على أطباق لم يتذوقها من قبل ومن ثم تذوقها على أرض الواقع.

وقد وجد البعض من خلاله فرصة لا تعوض في سبيل الدعاية للأعمال الرمضانية التلفزيونية التي تعرضها القنوات الفضائية، بل وتعدى الأمر لاستغلال تطبيقات الفيديو التي يوفرها الموقع لمشاركة هذه الأعمال حلقة بحلقة فور عرضها عبر القنوات الفضائية، فلم تعد هناك حاجة إلى التقيد بمواعيد عرض مسلسلاتك وبرامجك المفضلة. وقد عاد هذا الأمر على هذه القنوات بما لم تكن ترجوه من خلال تسويق برامجها عبر هذا الموقع.

المجموعات الرمضانية التي اتخذت الطابع الديني كان لها الحضور الكبير في الـ«فيس بوك»، فهذه مجموعة أنشأها عدد من مستخدمي الموقع من مصر تدعو إلى جمع مائة ألف صوت وذلك لمطالبة إدارة الـ«فيس بوك» بوضع شعار صمم بمناسبة شهر رمضان على واجهة الموقع. ورغم أن عدد المصوتين لهذه الفكرة تجاوز خمسين ألف صوت فإن مطالبات المستخدمين لم تتحقق، وهو ما دفع القائمين على المجموعة إلى تحويل الفكرة إلى أنشطة تختص بالتنمية الذاتية، إضافة إلى مجموعة أخرى تهدف إلى الترويج لمشروع أطلقته إحدى القنوات الدينية، وذلك لدعوة الشباب لإتمام عشرة ملايين ختمة للقرآن الكريم خلال هذا الشهر. ومجموعة ثالثة أطلق عليها صاحبها اسم «دعاء الإفطار»، يقوم من خلالها بإرسال أدعية يومية لتذكير الصائمين بقراءة دعاء الإفطار مع غروب شمس كل يوم.

أما محمد المطيري، وهو مستخدم للـ«فيس بوك» من مدينة الرياض، فقد فضل استثمار طاقات أصدقائه في الموقع للدعوة إلى تنظيم عمل خيري يختص بتوزيع المواد الغذائية على الفقراء. ويقول محمد إنه أطلق الفكرة من خلال مجموعة أنشأها على الـ«فيس بوك» يدعو فيها أصدقاءه إلى التعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية بمدينة الرياض، من خلال التبرع المادي أو الحضور الشخصي للمساعدة في توزيع السلال الغذائية على المحتاجين. ويقول محمد: «خلال خمسة أيام فقط تمكنا من جمع مبلغ عشرين ألف ريال، قمنا من خلاله بتجهيز 165 سلة تموينية تحتوي الواحدة منها على ثمانية أصناف غذائية، وذلك بالتعاون مع جمعية البر بحي الروضة بالرياض».

أما عبد الرحمن صندقجي فقد اختار أن يستغل اهتمامه الكبير بموقع الـ«فيس بوك» في سبيل إنتاج برنامج يومي يقوم من خلاله بتسجيل أهم تجاربه الرمضانية، داعيا أصدقاءه إلى الاستفادة منها. ويقول صندقجي: «مع بداية الشهر بدأت في تصوير خواطري اليومية في برنامج أطلقت عليه اسم (كشكول)، أضعه في صفحتي الشخصية للمشاركة مع أصدقائي». ويضيف صندقجي قائلا: «فوجئت بالقبول الكبير الذي حققته الفكرة، وهو ما دفعني إلى إنتاج المزيد من حلقات البرنامج يوميا». وتدور خواطر صندقجي حول بث أفكار مبسطة يمكن تطبيقها بشكل يومي وتختص هذه الأفكار التي يطرحها في قالب عفوي بكيفية تنمية المجتمع والذات والتواصل الأسري خلال رمضان.

صفحات الدعاة والمشايخ هي الأخرى تحولت إلى ساحات للإفتاء، حيث يطرح المستخدمون فتاواهم على مشتركي الـ«فيس بوك» من المشايخ، الذين يتولون الرد عليها بطريقة تفاعلية. وإلى جانب ذلك مثلت صفحات نجوم الشاشة في رمضان مجالا للدعاية لأعمالهم وتلقي انطباعات الجمهور حولها.

ومن ناحية أخرى أجرت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) استطلاعا لآراء عينة من المشتركين العرب في الموقع، أظهر تأثر مشاركاتهم بنسب متفاوتة، نظرا لطبيعة المواقيت المختلفة في شهر رمضان والصيام والانشغال بالعبادة والتزاور، إضافة إلى الوجبة الإعلامية الدسمة التي تقدمها قنوات التليفزيون العربية من البرامج والمسلسلات الجديدة.

واعتبرت عينة البحث التي بلغ عددها 1325 مشتركا في الـ«فيس بوك»، معظمهم من الإناث، أن نشاطهم المعتاد في التعليقات والمحادثة والرسائل عبر الموقع أصبح أقل بنسب تتجاوز 60% خلال الأيام الأولى تحديدا، والتي تشهد زيارات عائلية كثيرة، إضافة إلى عدم قدرتهم خلال تلك الأيام على تحديد أوقات النوم والاستيقاظ ومواعيد الذهاب إلى العمل.

وأكدت نسبة كبيرة من العينة أن مشاركي الـ«فيس بوك» العرب منحوه خلال الأيام الماضية صبغة رمضانية واضحة من خلال الصور والفيديو والآيات القرآنية والأناشيد الدينية، إضافة إلى تحوله إلى المكان الأبرز لتبادل التهاني بين الأهل والأصدقاء، بدلا من البريد الإلكتروني والهواتف.

حنان كمال ضمن من استُطلعت آراؤهم، قالت إن مشاركاتها تضاءلت بنسبة تصل أحيانا إلى 90% لأنها لا تجد أصدقاءها عادة ليشجعوها على البقاء في الموقع، على غير العادة، حيث كانت في أوقات سابقة تقضي معهم ساعات متواصلة دون ملل.

وقالت لامار كرم (لبنانية) إنها لم تفتح صفحتها على الـ«فيس بوك» خلال اليومين الأول والثاني من رمضان لانشغالها بالتزاور وترتيب مواعيد عملها الجديدة خلال الشهر، في حين قال أبو أحمد المصري إن تراجع الإقبال أمر طبيعي جدا لأن شهر رمضان له طبيعة خاصة بسبب تزايد إقبال المسلمين على العبادات.

وقالت «بنت ناس»، وهي «مصرية مقيمة في السعودية»، إن معظم الأصدقاء لا يظهرون كثيرا، حتى أقرب الأصدقاء باتت نسبة تواصلهم أقل من المعهود لانشغالهم بأمور أهمّ، مؤكدة أن جانبا ممن وصفتهم بـ«مدمني فيس بوك» ما زالوا موجودين ويحاولون تحفيز أصدقائهم بنشر موضوعات دينية، سواء آيات قرآنية أو أحاديث، وأحيانا أغنيات رمضانية وأناشيد دينية شهيرة.

ولفتت حبيبة حلمي (مصرية) إلى أن البعض حاول ترويج أن الـ«فيس بوك» حرام في رمضان لأنه يتسبب في ضياع الوقت المفترض استغلاله في العبادة، مشيرة إلى أنها ترفض تلك الأفكار لأن الـ«فيس بوك» وغيره من مواقع الاتصال الاجتماعي، يمكنها أن تكون حافزا للكثيرين على الصيام والعبادة عن طريق تحفيز الأصدقاء بعضهم لبعض على قراءة القران والسيرة، بدليل وجود مسابقات دينية كثيرة بالفعل.

واتفقت معها سارة نور الدين (مصرية) أن الـ«فيس بوك» يقدم طريقة حديثة للتواصل بين البشر، خصوصا في المناسبات المهمة مثل شهر رمضان الذي شهدت صفحاته معايدات بين المشاركين فيه، فاقت بعدة أضعاف ما كان يحدث في السنوات السابقة باستخدام البريد الإلكتروني أو الهواتف.

وقال ياسر خليل (مصري) إنه يمكن رصد ما سماه «رمضان الفيسبوكي» الذي شهد تهاني الأجانب لأصدقائهم المسلمين ومشاركة القصص والفيديوهات الإخبارية المتعلقة بالشأن الإسلامي بشكل مكثف، كما حضرت مظاهر الاحتفال بشهر رمضان إلى الموقع بقوة عبر صور الياميش والتمر وأشهى الأكلات والأدعية والتواشيح التي كانت نادرة الظهور، والتي أعادها الـ«فيس بوك» إلى الواجهة من جديد في رمضان.

ووافقته الرأي مروة عبد الفضيل (مصرية) حيث قالت إن الحنين إلى الماضي كان أبرز السمات على الـ«فيس بوك»، حيث فقد نشر المشاركون كثيرا من التواشيح والأدعية والبرامج والأغنيات القديمة، وأنها شخصيا وضعت لقطات من «فوازير نيللي» وحلقات برامج قديمة، منها «بوجي وطمطم» و«فطوطة»، مضيفة أن التأثير امتد أيضا إلى الصور الخاصة بالحسابات الشخصية للأعضاء التي تحول معظمها إلى صور دينية أو فوانيس.