فرص ضئيلة أمام أبناء المهاجرين في أوروبا للوصول إلى الجامعات

يفقد الطفل مستقبله في الإعدادية في حالة إرساله إلى الابتدائية قبل 6 سنوات

رئيس وزراء بريطانيا غوردن براون في زيارة إلى احدى مدارس شرق لندن التي تحتوي على نسبة عالية من المهاجرين (أ.ب)
TT

بدأت الشوارع تزهو بمنظر الأطفال الصغار، بملابسهم الملونة، وزهورهم وحقائبهم المزينة بالرسوم. إذ بدأ العام الدراسي الجديد في معظم المدارس الألمانية وفي مختلف دول العالم.

وكانت وزيرة التربية والبحث العلمي الألمانية أنيتا شافان، قد أثارت الكثير من الجدل، من خلال مقترحها الداعي لإرسال الأطفال إلى المدارس قبل سن 6 سنوات، بين المؤسسات التربوية والمدارس والمعاهد العلمية. لكن دراسة أعدها المركز الأوروبي للدراسات الاقتصادية تشير الآن إلى أن الوزيرة، من حزب المحافظين على خطأ.

وتقول الدراسة التي نشرت مؤخرا، إن إرسال الأطفال إلى المدارس قبل 6 سنوات يحرمهم مستقبلا من دخول الإعدادية أو إكمال الدراسة. فالبدء المبكر في التعليم يضعف استعدادات الطفل بعد سنوات ويجعله يتخلف مقارنة بالأطفال الذين بلغوا 6 سنوات.

وذكرت أندريا ميوهلنفيغ، من المركز الأوروبي الذي يتخذ مدينة مانهايم الألمانية مقرا له، أن الدراسة تثبت أن حظوظ الأطفال، الذين يرسلون إلى المدارس قبل سن 6 سنوات، ينخفض 33 في المائة بعد أربع سنوات عند الانتقال إلى المدارس الإعدادية. ومعروف أن النظام الألماني يفرز التلاميذ بين المؤهلين للإعدادية (ومنها إلى الجامعة) وبين المدارس المهنية والمتوسطة التي تؤهل التلاميذ لاحقا للمعاهد المهنية ومدارس التأهيل.

ونصحت ميوهلنفيغ، المتخصصة بعلم تربية الطفل، الأهالي بعدم إرسال أطفالهم إلى المدارس قبل بلوغهم سن 6 سنوات.

وذكرت الباحثة أن على المعلمين والأهالي أن يعرفوا أن الذهاب إلى المدرسة لا يتعلق بذكاء الطفل وقدراته فقط، وإنما بسنه أيضا. وفضلت ميوهلنفيغ تأخير الطفل لمدة سنة بدلا من إرساله إلى المدرسة قبل شهرين أو أربعة من بلوغه 6 سنوات. وأشارت إلى أن مقارنة النتائج اللاحقة اختلفت كثيرا بين الأطفال بسبب السن وليس بسبب الذكاء فقط.

ويظهر من الدراسة أن البنات والأولاد الذي دخلوا المدرسة قبل 6 سنوات غالبا ما ينتهون، وهم في الصف العاشر، في المدارس المهنية، في حين أن نظراءهم التلاميذ، ممن بلغوا السادسة ومن نفس مستوى الذكاء، يذهبون إلى المدارس الإعدادية ومن ثم للجامعات. والمثير في الدراسة أنها تظهر بأن ذهاب الطفل متأخرا، أي أكثر من 7 سنوات، لا يجعله متفوقا على الآخرين، بل إنه يعاني من مشاكل وصعوبات تشبه المصاعب التي يتعرض لها الطفل المبكر في الذهاب إلى المدرسة. والمشكلة هي اختلاف الأنظمة التعليمية في المدارس بين مختلف الولايات الألمانية. وتضع كل ولاية يوما معينا لولادة الطفل بغية قبوله في التعليم قبل بلوغه 6 سنوات. وهكذا فهناك الكثير من الأطفال المبكرين في التعليم في بافاريا، لأنها تقبل الأطفال قبل بلوغم 6 سنوات بثلاثة أشهر أو أكثر. وتتعامل بافاريا مع الأطفال من مواليد ديسمبر (كانون الأول) كأطفال جاهزين للدراسة رغم أن الموسم الدراسي يبدأ في سبتمبر (أيلول) من كل عام، ويكونون في هذه الحالة أقل بنصف عام من السن المطلوبة. وهذه الحال دفعت وزير التعليم في بافاريا، لودفيج سبينلة، إلى الإعلان عن عدم قبول الأطفال من مواليد ديسمبر هذا العام في المدارس، لأن سنهم تنقص كثيرا عن الست سنوات.

وكانت الوزيرة الاتحادية قد دعت أيضا إلى إزالة الفوارق بالتدريج بين رياض الأطفال والمدارس الابتدائية. ومولت الوزارة العديد من هذه الرياض ـ المدارس بغية تجربة الطريقة في تحسين إعداد الأطفال الصغار للمدارس الابتدائية. وترمي الوزيرة من خلال هذه التجارب إلى خفض سن القبول في التعليم إلى 5 أو 4 سنوات.

وتعرضت مقترحات الوزيرة إلى نقد الأحزاب السياسية التي اعتبرت التجاوز على السن الدنيا للقبول في المدارس يلحق ضررا بالتعليم، خصوصا أن الدراسات الدولية الأخرى وضعت مستوى التلاميذ الألمان، وخصوصا في الرياضيات، في مرتبة تقع في الوسط.

وأجرى معهد «فورسا» المعروف استطلاعا بين القراء يشير إلى انخفاض شعبية الوزيرة ووقوف أهالي الأطفال ضد مقترحاتها. ورفضت غالبية 66 في المائة من أهالي الأطفال مقترح إرسال الأطفال قبل 6 سنوات إلى المدارس. كما رفضت غالبية 91 في المائة مقترح توحيد الأنظمة التعليمية في الولايات، ورفضوا فرض الرسوم على التعليم. وطالبت نسبة 81 في المائة من الألمان بتحسين التعليم وشروط التعليم في المدارس وتحسين المباني عموما، وقيمت نسبة 54 في المائة نظام المدارس كـ«سيئ» وقالوا إنهم يفضلون إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة لو أنهم كانوا يملكون ما يكفي من المال لسد كلفة ذلك.

أجريت الدراسة بالتعاون مع جامعة هانوفر، وشملت تلاميذ ولاية هيسن (6 ملايين) وتابعت تطورهم قياسا بأعمارهم طوال الفصول الدراسية الممتدة بين 2002 ـ 2003/2007 ـ 2008. وشملت الدراسة التلاميذ بين الصفوف 5 ـ 13 أيضا بين 1993 ـ 1998 ودققت في مستويات ومصائر أكثر من 10 آلاف تلميذ دخلوا المدارس قبل2 ـ 3 شهور من بلوغهم سن 6 سنوات.

ويتحدث مركز الأبحاث العلمية في العاصمة برلين عن خلل واضح في نظام تصنيف التلاميذ في الصف العاشر، ويقول إن المعلمين مسؤولون عن الخطأ في تصنيف التلاميذ. وأجرى المركز دراسة بعيدة المدى حول تلاميذ مدارس ألمانيا، تقول إن 30 في المائة من التلاميذ يذهبون خطأ إلى مدارس لا تناسب قدراتهم ومؤهلاتهم. فهناك نسبة 17 في المائة من التلاميذ الصغار يجري فرزهم في مدارس أقل من مستواهم مثل المدارس المهنية والتجارية. وهناك في ذات الوقت نسبة 13 في المائة ممن يسيء المعلمون والأهالي تقدير مؤهلاتهم، ويذهبون إلى مدارس تفوق قدراتهم ويفشلون فيها.

ورأت الدراسة، التي نشرت يوم السبت الماضي علاقة وثيقة بين المنحدر الاجتماعي ومؤهلات التلاميذ واستعداداتهم لمواصلة الدراسة. فأولاد الخريجين يذهبون في 80 في المائة من الحالات إلى مدارس إعدادية ويتخرجون بدورهم في الجامعات، هذا في حين تنجح نسبة 30 في المائة فقط من أبناء غير المتعلمين جامعيا في الوصول إلى الجامعات.

والمهم أيضا هو أن الدراسة رصدت «ظلما» ظاهرا في فرز وتصنيف أبناء المهاجرين، ولا تصل إلى الجامعات سوى نسبة ضئيلة من أبناء الأجانب رغم أن الكثيرين منهم ولدوا في ألمانيا وعلى مستوى ذكاء عال. وأطلقت الدراسة على هذه الظاهرة اسم «فضيحة تعليمية» وطالبت برفع الغبن عن أولاد الأجانب وإلغاء نظام الفرز في الصف العاشر السائد في ألمانيا منذ عقود.

المشكلة الثانية التي تقف بالضد من مقترحات وزيرة التعليم الاتحادية هي النقص في الكادر التعليمي الذي تعاني منه المدارس الألمانية. وذكرت إحصائية جمعية اللغويين الألمان أن على المدارس هذا العام التغلب على مشكلة النقص في 40 ألف معلم. ويزيد هذا الرقم بمقدار 15 ألف معلم عن العام الماضي، أي بنسبة 60 في المائة أكثر. وتحاول الوزارة تعويض هذا النقص عن طريق استقدام المعلمين من الدول الناطقة بالألمانية أو من دول الكتلة الشرقية السابقة.

وأشار هاينز بيتر مايدنغر، رئيس جمعية اللغويين الألمان، إلى توفر عدد من المعلمين الشباب إلا أنهم بحاجة إلى ممارسة وإعداد قبل توظيفهم في المدارس. وعبر عن قناعته بإمكانية جذب آلاف المعلمين من بلجيكا والمجر وبولندا. وهناك في ألمانيا حاليا نحو 770 ألف معلم ومدرس، وستتعقد المشكلة أكبر حينما يستحق 300 ألف منهم التقاعد خلال السنوات العشر القادمة.