«الجلوة» ظاهرة عشائرية أردنية أصبحت عبئا على آلاف العائلات

تجد «غطاء رسميا وقانونيا» من قبل الدولة والأجهزة الرسمية

قضاة أردنيون لدى حضورهم احتفالا بالمولد النبوي في جامع الملك عبد الله في عمان (رويترز)
TT

رغم تشديد المدافعين في الشارع الأردني عن بقاء العمل بظاهرة «الجلوة» على أهميتها وضرورتها لحقن الدماء في النزاعات العشائرية وعند حدوث بعض الجرائم، فإن الانتقادات الشعبية والرسمية تتزايد للتوسع في أحكام الجلوة العشائرية وتوسيع دائرة المشمولين بها من أقارب الجاني أو المتهم في قضايا القتل أو الشرف. و«الجلوة» تعني، إجلاء عشيرة وأقارب الجاني في قضايا القتل وهتك العرض وغيرها من أماكن سكنهم إلى أخرى تجنبا للانتقام ونزعا لفتيل «العداوة» مع أقارب المجني عليه.

وفرض الحديث عن الجلوة في أعقاب المشاجرات التي شهدها الأردن خلال الأسابيع الماضية بين عشائر من عدة محافظات كان أبرزها المشاجرة التي انتهت فصولها ليلة الاثنين الماضي بين عشيرتي المومنية والصمادية في محافظة «عجلون» على خلفية مقتل أحد أفراد عشيرة المومنية من قبل أنسبائه خلال زيارتهم لمشاهدة ابنه الذي يعيش في حضانة مطلقته. وقد اشترطت عشيرة المومنية على عشيرة القاتل للتوقيع على العطوة العشائرية أن تسلم الطفل عبد المجيد «5 سنوات» ابن المقتول أشرف المومني لتربيته من خلال تنازل شرعي واستنكار لهذه الحادثة والجريمة في الصحف المحلية على مدى ثلاثة أيام.

كما اشترطت عشيرة المومنية لقبول «العطوة» العشائرية إعدام القاتل ومعاقبة المشاركين والمحرضين على الجريمة، والجلوة العشائرية للقاتل وأهله، وأن تلتزم عشيرة القاتل بعدم التدخل بمساعدة الجاني بأي شكل من الأشكال، وطالبوا أن يكون الوفد الذي سيزورهم لأخذ العطوة العشائرية بحضور جميع وجهاء وشيوخ العشائر من مختلف مناطق المملكة.

وحول مطالب عشيرة «المومنية» أكد رئيس الوزراء الأردني الأسبق النائب عبد الرؤوف الروابدة الذي تدخل للصلح بين عشيرتي «المومنية» و«الصمادية» أن هناك بعض المطالب العادلة التي تتفق مع القضاء والأعراف العشائرية التي عرضها ذوو المغدور كشرط أساسي لقبول العطوة، بينما هناك بعض المطالب يكون البت بها للقضاء الأردني الذي يحافظ على العدالة والنزاهة.

ويرى خبراء وقانونيون أن العمل بالقضاء العشائري، رغم إلغاء المحاكم العشائرية رسميا في المملكة، «سيستمر واقعا»، وسيبقى «ملجأ» للمواطنين وبعض العشائر لغايات حل النزاعات وتحصيل الحقوق.

لكن هذا الاعتراف بالواقع، لا يمنع قانونيين من تأكيد ضرورة وقف العمل بالقضاء العشائري، والاحتكام فقط للقضاء المدني، رغم أن البعض منهم يرى أن للقضاء العشائري «إيجابيات» في بعض أنواع القضايا ويعد مكملا لدور القضاء المدني، من حيث إشاعته للصلح بين العشائر بعد وقوع قضايا القتل وغيرها.

ويعرف الخبراء القضاء العشائري بـ«قانون له بنوده وفصوله، باتفاق العشائر لحل النزاعات، التي تنشب بينها، ولحماية الحقوق من الضياع وتصفية النفوس بعد عمليات التقاضي وإجراء الصلح بينها».

وينقسم قضاة العشائر، الذين لا يزال بعضهم يحمل هذا اللقب والصفة بين العشائر الأردنية، إلى عدة تخصصات، فهناك قضاة الدم وقضاة النساء والخيل، وثمة قضاة يختصون بالسرقة أو الأمور المالية.

ويبدو لافتا انه، وعلى الرغم من إلغاء الحكومة الأردنية للقانون العشائري منذ عام 1976، فإن الأجهزة الرسمية لا تزال ترعى بشكل أو بآخر تطبيق التقاضي العشائري، في سبيل إيجاد حلول للنزاعات بين المواطنين، خاصة في المناطق التي تحتل فيها العادات والقيم العشائرية حيزا واسعا في حياة سكانها.

ويقر وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الدكتور نبيل الشريف «الجلوة»، ويقول إن «الحكومة استندت على محضر اجتماع شيوخ الأردن عام 1987، وصدر محضر اجتماع الجلوة، وقعه آنذاك الراحل الملك حسين بن طلال»، وأضاف «منذ ذلك التاريخ أصبح اتفاق بين العشائر بمباركة من الملك على أن تحصر الجلوة على القاتل ووالده وأقاربه من الدرجة الأولى، وقد صدر للحكام الإداريين بالتشدد في تطبيق الجلوة واقتصارها على درجة القرابة الأولى، وألا تتعدى ذلك، فقد كانت في السابق تشمل حتى الجد الخامس». وتجد قضية الجلوة العشائرية «غطاء رسميا وقانونيا» من قبل الدولة والأجهزة الرسمية، حيث تنفذ بقوة القانون وعبر الحكام الإداريين والأجهزة الأمنية.

وقال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر الأحزاب الأردنية المعارضة، الدكتور إسحاق الفرحان، إن «الجلوة قضية شائكة، تحتاج إلى عناية واتفاق، مشيرا إلى أن هناك إيجابيات في العادات العشائرية، فهناك الكثير من القضايا تحل عشائريا». وأردف الفرحان «بعض القضايا الصعبة لا بد من تدخل القضاء المدني، فالمطلوب ليس إلغاء العادات العشائرية برمتها، فيجب تطبيق القوانين المدنية بهدف الإصلاح». وأكد الفرحان «القاتل هو الذي يحاسب، وأن تتم المحاسبة وفق القوانين، فقد آن الأوان بألا يأخذوا بها»، في إشارة منه إلى موضوع «الجلوة». وينبه متخصصون ومواطنون إلى أن «الجلوة» تتسبب في مشاكل اجتماعية ومعيشية كبيرة لآلاف الأسر، خاصة في القرى والمحافظات، التي تضطر إلى ترك بيوتها وأحيائها وقراها واللجوء إلى قرى ومناطق أخرى لشهور وأحيانا لسنوات، فضلا عن تسببها في ترك المئات لوظائفهم أو مصدر رزقهم هربا من الانتقام والتزاما بتقاليد «الجلوة». وأكد مختصون أهمية القضاء العشائري في تثبيت الاستقرار الاجتماعي في المجتمعات المحلية، مشيرين إلى دور القضاء العشائري في مساندة القضاء المدني بحل النزاعات بين الناس وخصوصا في مراحلها الأولية قبل الوصول للقضاء.

ويشير قضاة عشائريون إلى أن القضاء العشائري يشكل الضمانة الرئيسية بالتعاون مع الأجهزة الرسمية في تلافي وقوع نزاعات اجتماعية وعشائرية كبيرة، خاصة في اللحظات الأولى لارتكاب جرائم القتل أو هتك العرض أو الاغتصاب أو الخطف بالإكراه، وذلك من خلال ممارسة أولى حالات القضاء العشائري لدوره وهي تطبيق «الجلوة» العشائرية على أقارب الجاني في الجرائم المذكورة.

ويدعو قانونيون إلى ضرورة معالجة «السلبيات» في واقع القضاء العشائري والتقاليد العشائرية «بما يتلاءم مع التطور والتحديث» الذي يشهده الأردن، وبما يصب في «التيسير على الناس».

وأكد أستاذ القانون الدستوري في جامعة مؤتة بالمملكة الأردنية الدكتور أمين العضايلة أن القضاء العشائري، حتى وإن قامت الحكومات بإلغاء القانون العشائري، «أصبح عرفا له نفس قوة القانون المكتوب». ويعتبر أن القضاء العشائري «يشكل عامل استقرار ومساندة للقضاء المدني ويلاقي الرضا والقبول من المواطنين».

وأضاف العضايلة أن «الجلوة» العشائرية «تمارس بشكل واسع، لكنها ليست عرفا، لأنها تواجه بالاستنكار من قبل العديد من الناس، على العكس من العطوة العشائرية التي تجد رضا لدى الناس».

وعلى الرغم من إلغاء الحكومات الأردنية للقانون العشائري منذ سنوات طويلة، فإن الأجهزة الرسمية لا تزال ترعى بشكل أو بآخر تطبيق التقاضي العشائري، في سبيل إيجاد حلول للنزاعات بين المواطنين، خاصة في المناطق التي تحتل فيها العادات والقيم العشائرية حيزا واسعا في حياة سكانها.

ويعتبر قرار القضاء العشائري نافذا بفعل شروط مسبقة يضعها القضاة، ضمانا لالتزام المتخاصمين بقرار القاضي العشائري، من قبيل وجود كفلاء من وجهاء وشيوخ عشائر يقومون بدفع كفالة مالية عالية لتنفيذ القرار.