في مسرح شكسبير بلندن تشعر بالمتعة..وبأوجاع الظهر أيضا

يخلو من أي مؤثرات.. وصمم لمحاكاة العصر الإليزابيثي

جمهور غفير يتابع عرضا مسرحيا في مسرح شكسبير وسط لندن («الشرق الأوسط»)
TT

قد تعتقد أن الزمن عاد بك إلى الوراء وتحديدا إلى القرن السادس عشر، فكل شيء من حولك يوحي بذلك، لكنك مخطئ، فأنت ما زلت في القرن الحادي والعشرين، إلا أن مسرح شكسبير (الغلوب) في لندن صمم خصيصا لينقل إليك روح عصر شاعر الإنسانية ويليام شكسبير (1564 ـ 1616).

كل شيء في المبنى، الذي يطل على نهر التايمز، وضع ليحاكي المسرح في العصر الإليزابيثي (1558 ـ 1603)، الذي ينظر إليه الإنجليز على أنه العصر الذهبي في تاريخ إنجلترا إبان حكم الملكة إليزابيث الأولى، ابتداء من طراز المبنى ذاته الذي صمم على شكل دائري مفتوح السقف وبثلاثة طوابق، إلى الديكورات البسيطة وخشبة المسرح المتواضعة.

ويقول ريتشارد سيمور، الذي حضر مع زوجته لمشاهدة عرض مسرحي «إنها ليست المرة الأولى التي أذهب فيها لمسرح شكسبير، وإن الأمر غاية في الإثارة»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» قائلا «إنه يختلف بكل شيء عن المسارح التقليدية، فهنا بإمكانك أن تشعر بحرارة الجو أو برودته، بسبب السقف المفتوح، كما أن الممثلين يختلطون بالمتفرجين».

لكن الأمر الأكثر إثارة في هذا المسرح هو طريقة جلوس المشاهدين، الذين لم يستثنهم التصميم من معايشة المسرح قبل نحو خمسة قرون. فالمتفرجون يجلسون على مصاطب خشبية طويلة جنبا إلى جنب في مساحة ضيقة تكاد تسمع فيها أنفاس جارك، وإذا كنت محظوظا فقد تحصل على مكان مجاور لجدار بحيث يمكنك الاتكاء عليه، وإلا فعليك أن تتحلى بالصبر وتتحمل أوجاع الظهر التي ستتسلل إليك تدريجيا جراء جلوسك طوال الوقت من دون أي مسند لظهرك أو يديك، أما إذا كنت قد اشتريت تذكرة دخول رخيصة فهذا يعني أنك ستقضي ثلاث ساعات واقفا على قدميك.

لكن الأمر لا يخلو من الإثارة، كما تقول غوين، سائحة أسترالية، التي كانت تتململ في جلستها وهي تتابع مسرحية «العالم الجديد ـ حياة توماس باين»، وتضيف «هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها مسرح شكسبير، وأشعر بالتعب الآن لكنني سعيدة، فهذه تجربة جديدة بالنسبة لي». ويقول جيمس ليفر، المسؤول الإعلامي في مسرح عالم شكسبير لـ«الشرق الأوسط» إن «المسرح الحالي هو أفضل تخمين لما كان عليه المسرح في العصر الإليزابيثي، أي في أيام شكسبير، من خلال الاعتماد على رسومات ومذكرات ذلك العصر وكذلك من خلال التنقيبات».

ويروي ليفر حكاية إنشاء المسرح قائلا إن «المشروع بدأ منذ عام 1949 عندما زار الممثل والمخرج الأميركي سام واناميكر المملكة المتحدة وأراد أن يشاهد الموقع الأصلي لمسرح شكسبير في لندن، وهو حاليا موقع مسرح الغلوب، وعندما عثر على المكان وجده مخيبا للآمال، فقد اقتصر على عقد احتفالات مسرحية بسيطة، واعتقد أنه يجب أن يكون هناك موقع تذكاري لشكسبير فشرع بحملة لبنائه».

وعلى الرغم من أن المسرح سمي باسم شكسبير، فإنه لا يقتصر على عرض مسرحياته، ويقول ليفر «منذ أن أصبح دومينيك درومغول مديرا فنيا لمسرح عالم شكسبير عام 2006 بدأ بإنتاج وعرض مسرحيات حديثة إلى جانب مسرحيات شكسبير وذلك لإعطاء فرصة لكتاب اليوم عرض إنتاجهم وللمشاهدين متابعة فن المسرح المعاصر».

وحضرت «الشرق الأوسط» العرض الأول لمسرحية «العالم الجديد ـ حياة توماس باين»، من تأليف الكاتب المسرحي تريفور غريفيتس، والتي تتناول قصة حياة أحد دعاة استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا نهاية القرن الثامن عشر.

وبدأت المسرحية، كما في عصر شكسبير، بقرع طبل، وظهر الممثلون على خشبة المسرح التي كانت تخلو من الستارة التقليدية. ولم يسبق العرض أي تنبيه للجمهور بعدم التقاط الصور وإغلاق هواتفهم الجوالة كما في دور المسرح والسينما الآن. وعندما بدأت المسرحية في الساعة السابعة والنصف مساء بتوقيت لندن كان المسرح مضاء تماما، إلا أن العتمة سرعان ما غزت المكان مع حلول الظلام، ما خلا إضاءة خافتة وزعت في أرجاء المكان لتشمل خشبة المسرح والجمهور على حد سواء من دون التركيز على مواضع الممثلين كما في المسارح المعاصرة. وبذل الممثلون جهدا إضافيا في الأداء، لا سيما في مجال الإلقاء، فقد كان عليهم الحفاظ على طبقات صوتية مرتفعة، إذ إن مسرح شكسبير لا يستعين بمكبرات الصوت أو أي مؤثرات صوتية. غير أن غوين، السائحة الأسترالية، شكت قائلة «أنا نصف طرشاء وبالكاد أسمع أصوات الممثلين».

وقد يجد المشاهد نفسه مشتتا بادئ الأمر، فظهور الممثلين كان بشكل جماعي، فيما اختلط بعضهم بالجمهور من الواقفين قبالة خشبة المسرح الذي يسع 1500 متفرج، وكان يظهر بين الحين والآخر مؤدون من بوابات مختلفة وبصورة مفاجئة، الأمر الذي قد يثير الفزع في بعض الأحيان، وما عكر صفاء الأجواء أيضا أصوات أزيز الطائرات المحلقة في أجواء لندن والتي حجبت أصوات المؤدين بسبب السقف المفتوح. وربما يتسلل الملل إليك وأنت تتابع عرضا في مسرح الغلوب لبداءة الأساليب التقنية، ولخلوه من الموسيقى وبقية المؤثرات، غير أن سحر المكان ومتعة الإحساس بأنك تعيش في الماضي البعيد سيشدانك طوال الوقت، ولا شيء يدل على أنك ما زلت في عام 2009 إلا ملابس الجمهور.