الممثل الأميركي فيغو مورتنسن لـ «الشرق الأوسط» : أنا منهك لكنني لن أترك التمثيل

على هامش مشاركته في مهرجان البندقية السينمائي

فيغو مورتنسن أثناء حضوره العرض الأول لفيلم «تاريخ العنف»
TT

حين ظهر الممثل فيغو مورتنسن لاعبا دورا رئيسيا في ملحمة «سيد الخواتم» سنة 2001 اعتبره كثيرون وجها جديدا واعدا، والبعض ذهب للتنبؤ بأن هذا الوجه الجديد سيحقق نجاحا كبيرا في المستقبل.

ليس أنهم كانوا على خطأ حيال المستقبل، لكنهم كانوا على خطأ حيال الماضي. فإلى أن ظهر مورتنسن في دور المحارب آراغورن في الجزء الأول من «سيد الخواتم» سنة 2001 كان أنجز 32 فيلما من تمثيله بدأت بفيلم بيتر واير «شاهد» سنة 1985 (الفيلم الذي يجد هاريسون فيه نفسه في خطر حين حمايته طفلا شهد واقعة قتل) وانتهت بفيلم الرعب «28 يوما» في العام ذاته. خلال تلك الفترة لعب مورتنسن عشرات الأدوار المختلفة في أفلام متباينة: وسترن (أفلام الغرب الأميركي) ورعب، ودراما، وأكشن ولا ننسى دوره المحدود في فيلم برايان دي بالما «طريق كارليتو» مع آل باتشينو في البطولة ولا دوره أمام غوينيث بولترو ومايكل دوغلاس في الفيلم البوليسي «جريمة كاملة» للمخرج أندرو دايفيز. بعد «سيد الخواتم» بات مورتنسن أكثر شهرة بلا ريب وشاهدناه يحاول النزوح من قبول شتّى الأدوار إلى مرحلة أدق. عاد إلى الوسترن في فيلم «أبالوزا» مع إد هاريس وفيلمين من إخراج الكندي ديفيد كروننبيرغ هما «تاريخ العنف» و«وعود شرقية» والآن في بطولة «الطريق» الذي عرض يوم أول من أمس في مطلع مهرجان فينسيا.

يوم وصوله إلى حاضرة مهرجان فنيسيا وجد نفسه مرتبطا بمواعيد صحافية متواصلة. ليس أن هذا شيئا غريبا عليه، بل ـ بالتأكيد ـ شيئا رتيبا بالنسبة لممثل بات يشكو من كثرة المقابلات التي تشغله عن العائلة والحياة الخاصّة بقدر ما تشغله المهنة نفسها? لكن مقابلتنا كان لها طعم مفرح. دعوة لهذا الناقد، كونه عضوا في The Hollywood Foreign Press Association مانحة جوائز الغولدن غلوب، لحضور عشاء على ظهر سفينة اسمها «فورس بلو» ترسو بعيدا عن جزيرة ليدو حيث المهرجان. يأخذك تاكسي بحري من المرفأ ويشق بك ظلام مطلع الليل لنحو ربع الساعة قبل الوصول إلى الباخرة. تتحسس طريقك إلى متنها لأن آخر ما تريده هو أن تسقط في مياه البحر وتغرق، ليس قبل أن تنجز ما جئت إلى فينسيا لإنجازه.

ـ ـ لكن ماذا عن ذلك الانشغال المتواصل لفيغو مورتنسن الذي جلست وإياه لربع الساعة قبل أن ينتقل إلى طاولة أخرى كما تقتضي الأعراف؟

يجيب: «صحيح. أنا منهك من كثرة المقابلات ليس لأني أكره المقابلة الصحافية، بل لأن عملية الترويج للفيلم الواحد تأخذ من حياة الممثل ثلاثة أشهر أخرى فوق ما سبق وأمضاه من زمن قبل وخلال التصوير».

ـ ـ هل صحيح إذن أنك تفكر بالاستقالة كما ورد في بعض الأنباء؟

يفكر قليلا كما لو أنه يبحث إذا ما كان يريد أن ينفي أو يؤكد ثم يُجيب «نعم. ذكرت ذلك في حديث ما وفوجئت بانتشاره. لكني لم أذكره على النحو المؤكد كما اعتقد البعض. لم أقل قررت أن أترك التمثيل، بل قلت أفكر في أن أترك التمثيل وهناك فرق. ربما كنت منهكا أكثر من الآن وربما كنت أفكر بصوت عال أو أتحدّث عن أمنية مستقبلية. لكنني الآن باق».

ـ ـ لا أريد أن أبقى في النقطة ذاتها، لكن يبدو لي أنك لم تعلن موافقتك على مشاريع جديدة؟

«بعد هذا الفيلم أريد قدرا من الراحة لذلك لست مرتبطا».

الفيلم الذي يقصده بالطبع هو «الطريق» الذي شوهد في الليلة السابقة وفيه يؤدي دور رجل يسعى وابنه للنجاة من آثار كارثة دمّرت الأرض ومعظم من عليها. فيلم وجدناه لافتا لكنه أقل من مرضٍ أو متكامل.

ـ ـ كيف ترى الفيلم الذي شاهدناه لك في فينسيا؟ هل تعتقد أنه فانتازيا أم أنه نبوءة واقعية لما قد يحدث للإنسان على الأرض؟

«أعتقد أن الكثير مما تم تصويره لهذا الفيلم واقعي. اليوم تسأل العلماء والمفكّرين والفنانين والكثير من الناس العاديين وتجد أن غالبيّة هؤلاء قلقون على مستقبل الأرض. لكني لا أعتقد أن هذا الفيلم يبحث في هذا المضمار. أقصد أنه ليس فيلم دراسة عن مستقبل الأرض ولا يحاول أن يقرأ ذلك المستقبل ويقول: هذا ما سيحدث بعد حين قريب أو حين بعيد. بل هو حالة. وضع يجد الأب نفسه مضطر لأن يعلّم ابنه كيف ينتحر إذا ما مات الأب قبله ووجد الصبي نفسه أمام أشرار يريدون قتله لأن الطعام انتهى من على الأرض.

ـ ـ لكن الفكرة كما وضعها المؤلّف كورماك مكارثي تنطلق من نبوءة، ألا تعتقد؟

«صحيح، لكني لا أرى الفيلم يعزز هذه النبوءة. همّه هو البحث في علاقة أب بابنه وسط ظروف غير معهودة. قسوة في الطبيعة وقسوة في البشر. الابن لبعض الوقت يستاء من تصرّفات أبيه الخائف على ابنه وعلى نفسه لدرجة القتل إذا ما اضطر إلى ذلك. أعتقد أنه تصوير واقعي تماما».

ـ ـ في الآونة الأخيرة شاهدناك في أدوار رئيسية عديدة. أحببت منها فيلمك للمخرج إد هاريس «أبالوزا».

«نعم. إد فنان جميل وإنسان أجمل».

ـ ـ حين كنت صغيرا، هل كان الوسترن يعني لك ذلك الحلم الرومانسي بسينما من البطولة التي لا تخضع لقوانين اليوم؟

«أنت اخترت الكلمات الصحيحة لوصف ذلك الشعور. لقد أحببت التمثيل والسينما معا. أقصد أن هناك من الممثلين من يحب التمثيل على المسرح، أو لا يحدد إذا ما كان يريد أن يمثّل على المسرح أو في السينما أو في التلفزيون. لكني أحببت التمثيل في السينما وهذا ما قمت به. الدافع لحب السينما كان ما شاهدته من أفلام وسترن. لا أقول إني كنت مدمنا بل ما شاهدته من أفلام الخمسينات جعلني أتخيّل نفسي على صهوة حصان في يوم ما».

ـ ـ أمام المرآة وأمام الواقع هل كنت تقوم بالتمثيل أمام المرآة أو مع أصدقائك حاملا مسدّسا من خشب، كما كنت أفعل أنا؟

«كنا نفعل ذلك ونصفنا يلعب عن مضض أدوار الهنود الحمر ولم يكن لدينا قصّة بل مشاهد علقت في البال حين شاهدنا آخر فيلم أو حلقة تلفزيون».

ـ ـ هل كان من بين أفلامك المفضّلة في هذا النطاق ـ Shane? High Noon, The Wild Bunch, Jesse James ـ ـ «نعم وهذا ثاني فيلم تقوم بتمثيله يتحدّث عن نهاية الأرض...

يُقاطع: «نعم. «28 يوما» كان أيضا عن نهاية العالم وسقوطه تحت براثن الموتى الأحياء (يضحك) لكن الفوارق كثيرة وفي أساسها أن الفيلم الحالي فيلم يدعو للتأمل وهو ليس فيلم رعب، في حين أن الفيلم السابق.. متى حدث؟ قبل سبع سنوات؟

ـ ـ أعتقد أنه عرض في عام 2000 ـ «نعم. كان فيلم رعب على أي حال».

ـ ـ سيكون لنا لقاء آخر في لوس أنجليس حين يتم عرض الفيلم على الصحافة هناك.. يضحك وقد أدرك المغزى: «لن أكون متواجدا. سأهرب. الذين شاهدوا الفيلم في فينسيا، عليهم أن لا يكترثوا لمقابلة أخرى في لوس أنجليس».