المشردون يستولون على بنايتين في أغلى مناطق وسط لندن

ينظمون الحفلات الموسيقية الكلاسيكية والعروض الفنية في بنايتين قدر سعرهما بـ 75 مليون دولار

حركة «السكواترز»، التي تحتل البيوت الخالية لإيواء من لا بيت لهم، اشتهرت في أوروبا في السبعينات من القرن الماضي، وتقوم فلسفتها على مبدأ «بيوت بلا ناس لصالح ناس بلا بيوت» (أ.ب)
TT

بيت آخر من بيوت لندن الفاخرة وقع في فخ «نخبة» مشردي لندن. إذ قامت مجموعة من هؤلاء الفنانين بالاستيلاء، لكن دون خرق القوانين، على بنايتين في أفخر مناطق وسط لندن «ماي فير»، واحدة كانت مقرا للسفارة المكسيكية والأخرى كانت للسفارة التنزانية، ويقدر سعر البنايتين بأكثر من 75 مليون دولار. المجموعة التي استولت على المكان أول من أمس تنتمي إلى حركة «سكواترز» التي لم تعد رائجة هذه الأيام كما كانت سابقا قبل عقود. حركة «السكواترز»، التي تحتل البيوت الخالية لإيواء من لا بيت لهم، اشتهرت في أوروبا في السبعينات من القرن الماضي، وتقوم فلسفتها على مبدأ «بيوت بلا ناس لصالح ناس بلا بيوت». وتمكنت الحركة ومن خلال العديد من الحالات التي انتهت أمام القضاة من فرض أفكارها على النظام القانوني الذي أخذ بها وحكم لصالح هؤلاء الأشخاص الذين ينتمون بمجملهم للحركة الهيبية. وانتشرت هذه الأفكار في معظم العواصم الأوروبية المكتظة بالسكان مثل لندن وباريس وبون وأمستردام. واشتهرت بعض مناطق لندن الفاخرة بالمباني التي سيطر عليها هؤلاء المشردون. وفي بعض الحالات، وفي أفخر مناطق لندن، مثل البيوت الواقعة على الشريط الدائري «لريجنت بارك» وفي شارع «درامون ستريت» بوسط لندن (خلف محطة يوستن)، تمكنت مجموعات من المشردين من احتلال البيوت والمكوث فيها لفترة طويلة خولتها من تحويل الملكية لصالحها قانونيا، وأصبح هؤلاء بعد ذلك «أصحاب البيت».

إلا أن الكثير من القوانين قد تغيرت وبدأ الملاك وبلديات لندن المختلفة التقدم حالا للمحاكم من أجل طرد المحتلين، مستندين إلى دخول هؤلاء إلى المكان بغير سند قانوني من خلال كسر الأقفال أو الأبواب والشبابيك، وهذا ما يعطي الشرطة الحق بالتدخل حالا لفرض القانون. وفي أحدث حالات هذا النوع من الاحتلالات قامت مجموعة من هؤلاء المشردين الفنانين تطلق على نفسها اسم «اوبليت» بالاستيلاء على هاتين البنايتين في قلب أفخر مناطق وسط العاصمة البريطانية، التي ترجع ملكيتهما لعائلة ابيل سميث، التي ينحدر نسبها إلى الملكة فيكتوريا، التي تربعت على العرش البريطاني خلال القرن التاسع عشر. وتقوم هذه المجموعة بالبحث عن مساحات كبيرة في بنايات خالية في لندن تتيح لها إيجاد أماكن لفنانين مغمورين غير قادرين على دفع الإيجارات العالية مقابل الحصول على مراسم وقاعات عزف لمزاولة أعمالهم الفنية. الحادث يذكر بحالة مشابهة حدثت قبل عدة شهور حين احتلت مجموعة من فنانين تشكيليين وممثلين وموسيقيين بناية كانت خالية لعدة سنوات في نفس منطقة ماي فير أيضا. ولم تتدخل الشرطة في بادئ الأمر لاعتبارات قانونية، إذ لم يقم هؤلاء بالدخول إلى البناية عن طريق كسر الأبواب أو النوافذ. كما أن أصحابها لم يتقدموا للمحكمة للحصول على أمر للطرد، إلا بعد أشهر من وجودهم في المكان. وقد لاقى هؤلاء الترحيب من بعض الجيران الذين يسكنون في بنايات مشابهة ويقدر سعرها بملايين الدولارات، وقد تتأثر أسعارها بسبب نوعية الجيران. إلا أن هؤلاء وجدوا أن جيرانهم الجدد قد اعتنوا بشكل غير عادي بالبناية، إضافة إلى ذلك نظم هؤلاء خلال وجودهم في المكان المعارض والحفلات الموسيقية الكلاسيكية كونهم ينتمون ويعملون في هذا المجال. وبعد صدور قرار المحكمة الذي يجبرهم على إخلاء المكان نظموا حفلة كبيرة دعوا إليها الجيران الذي قدموا بالمقابل المأكولات للحاضرين. وأكد دان سايمون المتحدث باسم المجموعة لصحيفة «ديلي تلغراف» أمس أنهم دخلوا إلى البناية قبل ستة أسابيع، بعد أن كانوا قد احتلوا بناية قريبا من شارع أكسفورد. وقال إن كلتا البنايتين تحتويان على 25 غرفة. وأعلنت المجموعة عن استعدادها لتنظيم نشاطات ثقافية من قبل مجموعات فنية لا تجد أمكنة لأعمالها، مثل المعارض الفنية وفنون المسرح والحفلات الموسيقية وعروض الأفلام وعروض الأزياء، إضافة إلى ورشات العمل الثقافية وندوات الحوار. وأضاف «أن أي مجموعة تعمل في هذا المجال هي مدعوة للتقدم من أجل الحصول على مكان لتقدم ما عندها، ما دام المتقدم لا ينوي القيام بأي عمل تخريبي للبناية». وقال سايمون (31 عاما)، ويعمل في تصميم الغرافيك إن البنايتين يسكنهما حاليا ستة أشخاص. ودافع عن احتلال المكان قائلا «لقد حاولنا الدخول بمفاوضات مع وكلاء البناية من أجل استخدامها إذ إنها خالية منذ 2004». وما زال العلم المكسيكي يرفرف داخل إحدى غرفها. ووصفت بعض التقارير الصحافية الكتب المبعثرة هنا وهناك، بعضها يتكلم عن الثورات في العالم مثل الثورة الجزائرية. وقال سايمون إن أصحاب البناية اتخذوا بعض الخطوات من أجل إخراج المجموعة من البناية، إلا أنه لا يعتقد أن ذلك سيتم قريبا، وأن مجموعته ستناضل من أجل البقاء، وأن فرصها في ذلك جيدة. وأضاف أنه لم يخرق القانون في الدخول إلى البناية، لأن الباب كان مفتوحا والمفاتيح كانت ملقاة على الأرض عند المدخل. ورغم عدد الغرف التي تصل بمجملها إلى 50 غرفة، فإن سايمون يعتقد أن المكان ليس مناسبا من ناحية المساحة للنشاطات التي ينوي القيام بها. وقررت المجموعة تحويل ثلاثة أدوار من البناية مؤقتا إلى مسرح ابتداء من يوم غد الجمعة ويستمر النشاط حتى يوم 20 سبتمبر (أيلول) المقبل.