«المد الأحمر» يغزو مياه الخليج العربي الزرقاء

وزير البيئة الإماراتي لـ «الشرق الأوسط»: 1500 طن من الأسماك نفقت في 9 شهور

المد الأحمر حول مياه الخليج العربي من لونها الأزرق إلى اللون الأحمر («الشرق الأوسط»)
TT

هل تخيلت يوما أن تتحول مياه الخليج العربي المعروفة بزرقتها الصافية إلى مياه حمراء؟ نعم أنت في الخليج العربي وليس في البحر الأحمر، وإذا كان هذا قد أخذ اللون الأحمر اسما فقط، فإن الشواطئ الخليجية أضحت في أجزاء منها حمراء مائة في المائة.

أما كيف ولماذا وأين ومتى، فإن القصة لم تبدأ اليوم، لكنها لا تزال مستمرة وبكثافة على السواحل الإماراتية، وخصوصا الشمالية منها، حيث عاودت ظاهرة المد الأحمر انتشارها على هذه السواحل. وسط مخاوف من تأثيراتها السلبية على الثروة السمكية، التي نفقت فعلا على السواحل، كما تصل تأثيراتها على محطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء التي عانت انقطاعات متكررة بسبب ظهور المد الأحمر على مسافة قريبة من الشواطئ في الإمارات.

ولا تقتصر هذه الظاهرة، التي بدأت بشكل كبير العام الماضي، على السواحل الإماراتية فحسب، بل إنها أصابت أيضا سواحل سلطنة عمان الملاصقة للسواحل الإماراتية، كما أنها بلغت أقصى شمال الخليج العربي، عندما ضربت جزءا من السواحل الكويتية، وكذلك كان الحال في شواطئ السعودية والبحرين وقطر.

«الشرق الأوسط» زارت السواحل الشمالية في الإمارات، واطلعت عن قرب على تحول البحر من أزرق إلى أحمر، والسبب هو تراكم مجموعة من الطفيليات التي تحول مياه الخليج العربي الصافية، إلى مياه أشبه ما تكون مختلطة بلون هو أقرب للدم. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» يقول الدكتور راشد بن فهد وزير البيئة والمياه الإماراتي إن ظاهرة المد الأحمر، هي ظاهرة طبيعية وليست محصورة بالسواحل الإماراتية، مشيرا إلى أنها وصلت إلى خليج عمان وبحر العرب بالإضافة إلى سواحل باقي دول الخليج العربي.

ووفقا للوزير بن فهد فإن هناك تنسيقا إقليميا بين الدول المطلة على هذه البحار لمحاصرة الظاهرة ومعرفة أسبابها وكيفية محاصرتها والتعايش معها. وبحسب الوزير الإماراتي فقد استعانت بلاده بمجموعة من الخبراء المتخصصين في كافة المجالات ذات الصلة بهذه الظاهرة، «للقيام بتحليل الظاهرة والوقوف على أسبابها بإجراء سلسلة من التحاليل المخبرية (الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية) لعينات من مواقع المد الأحمر، وتم تحليلها في كل من مختبرات وزارة البيئة والمياه، وجامعة الإمارات وهيئة البيئة في أبوظبي والهيئة العامة للبيئة بدولة الكويت ومختبرات يروفنس الفرنسية ومختبرات في سنغافورا وولد هولز في الولايات المتحدة الأميركية». لكن ماذا عن المخاطر المحتملة لظاهرة المد الأحمر على الأحياء البحرية ومن ثم الحياة البشرية؟ يقول الوزير بن فهد إن المد الأحمر قد يؤدى إلى نفوق بعض الكائنات البحرية مثل الأسماك بسبب قيام الهائمات النباتية باستنزاف الأكسجين المذاب من الماء أو انسداد خياشيم الأسماك الذي يؤدي إلى عدم كفاءة عملها لاستخلاص الأكسجين ومن ثم يؤدى إلى نفوقها.

أما بالنسبة لتأثيره على الإنسان، يقول الوزير راشد بن فهد، «لا داعي للقلق حيث أن النوع المسبب للمد الأحمر غير سام حيث تم إجراء تحاليل للسمية بفرنسا وسنغافورا ومركز أبحاث البيئة البحرية وقد أثبتت أنها غير سامة».

وبحسب وزير البيئة والمياه الإماراتي فقد أدى المد الأحمر خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) 2008 إلى مايو (أيار) 2009، إلى نفوق الأسماك على امتداد الساحل الشرقي في الإمارات، وفي إمارة رأس الخيمة وأم القيوين وعجمان والشارقة حيث بلغت كمية الأسماك النافقة نحو 1500 طن. «مع العلم بأن نسبة نفوق الأسماك بسبب المد الأحمر قد بلغ 1.5 % من مجموع كمية الأسماك المصطادة بالإمارات».

المد الأحمر، يقول الوزير راشد بن فهد، يعرف محلياً باسم (حيض البحر)، هي ظاهرة تحدث لأسباب طبيعية وبصورة مستمرة في مختلف أنحاء العالم، وتشكل جزءاً من الدورة الطبيعية للبيئة البحرية، وهي ظاهرة مؤقتة تزول بزوال الأسباب المؤدية لها وتعود البيئة البحرية إلى طبيعتها بعد ذلك. وقد حدثت هذه الظاهرة في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من مرة، كما حدثت في الكثير من دول العالم، مثل: اليابان وكوريا والولايات المتحدة الأميركية والنرويج والسويد وهونغ كونغ وتسببت بخسائر.

ويحدث المد الأحمر نتيجة للتكاثر السريع لبعض أنواع الطحالب النباتية أو الهوائم البحرية وحيدة الخلية، ثنائية الأسواط (Dinoflagellates)، الموجودة أصلاً في البيئة البحرية ضمن مجموعة هائلة من الهوائم التي تشكل مصدرا رئيسياً في السلسلة الغذائية للأحياء المائية. ويصل عدد أنواع هذه الهوائم إلى نحو 300 نوع، من بينها نحو 40 نوعاً قادرة على إنتاج مواد سامة.

ويعود سبب ازدهار هذه الهوائم إلى توفر الظروف البيئية المناسبة مثل ارتفاع درجة حرارة الماء وتوفر الإضاءة المناسبة وحركة التيارات البحرية وكثرة المغذيات الذائبة في مياه البحر خلال فترة حدوث الظاهرة، حيث تعتبر هذه الأملاح مواد أولية وأساسية لنمو الهوائم النباتية. والمعروف أن منطقة بحر العرب تعتبر من المناطق الغنية بالأملاح الأولية (عالية الإنتاج).

ويقول المسؤولون في وزارة البيئة والمياه إن ظاهرة المد الأحمر هي من الظواهر الطبيعية كظاهرة تغير المناخ أو ثوران البراكين على سبيل المثال، وهي تحدث بين آن وآخر في البيئة البحرية، «وحيث أن مثل هذه الظواهر الطبيعية تصعب مواجهتها، فإن الاهتمام ينبغي أن ينصب على التخفيف منها قدر الإمكان والتكيف مع آثارها».

غير أن الدكتور سلطان المؤذن النائب في المجلس الوطني الإماراتي (البرلمان) عن إمارة الفجيرة، والتي تعرضت هي الأخرى لظاهرة المد الأحمر، يعتبر أن الجهات المسؤولة عن مكافحة هذه الظاهرة «لم تقم بالعمل الكافي لإيقاف نزيف الثروة السمكية في المنطقة».

واعتبر الدكتور المؤذن أن هناك «تخبطا في تعاطي وزارة البيئة والمياه مع هذه الظاهرة» مضيفا «كانت الظاهرة تمر على السواحل في السنين السابقة لمدة أسبوع أو عشرة أيام، أما الآن فإننا نجدها تستمر لشهور طويلة دون أي حلول عملية من قبل الوزارة».

ويحذر النائب المؤذن من أن تبقى ظاهرة المد الأحمر كظاهرة مستوطنة في مياه الخليج «بعد أن كانت ظاهرة عابرة لا تستمر طويلا».

ويعتقد النائب في المجلس الوطني الإماراتي أن خطر هذه الظاهرة لا يتوقف على السواحل الإماراتية، مضيفا «يجب أن يكون هناك تنسيق على مستوى عال بين دول مجلس التعاون، فالبحار مفتوحة وانتشار ظاهرة المد الأحمر ربما يواصل إلى باقي السواحل الخليجية وبصورة أخطر».

ويقول المؤذن أن كب المخلفات في البحر، وعدم التزام عدد من المشاريع العملاقة بالمحافظة على البيئة البحرية، بالإضافة إلى عدم مراقبة سفن النفط التي ترمي مياه التوازن في عرض الخليج العربي، «كل هذا ساهم بصورة رئيسية في ارتفاع نسبة الفوسفات الذي قضى على الثروة البحرية بشكل كبير».

من جهته يقول مبارك بن سيف، أحد قدامى الصيادين في إمارة عجمان، «عندما تزداد الظاهرة ويتحول البحر إلى ما يعرف بالمد الأحمر، فإننا نبقى على الشاطئ ولا ننزل البحر، فالأسماك نفقت بسبب هذه الظاهرة ولا نستطيع ممارسة عملنا اليومي».

ولا ينصح الخبراء بصيد الأسماك على الشواطئ عند ظهور المد الأحمر، بالرغم من أن دراسات أجريت على طحالب المد الأحمر الأخير في الإمارات ولم يتضح في نتائج هذه الدراسة وجود أي تأثير ضار على صحة الإنسان. لكن حدثت حالات عديدة تسببت في نفوق الأسماك وتراكمها على الشواطئ بكميات هائلة. ويرجع الخبراء حدوث عمليات نفوق الكائنات البحرية والأسماك إلى أنها تأثرت نتيجة استنزاف الأكسجين وليس لأنها تغذت على هذه الطحالب.

ولا تتوقف سلبيات هذه الظاهرة على نفوق الأسماك فحسب، حيث يتضرر الصيد والصيادون، حيث أن الروائح الكريهة تهاجم المناطق القريبة من البحر.

حتى على المستوى الاقتصادي فإن ظاهرة المد الأحمر لها تأثيراتها السلبية، التي لا تتوقف، حيث تقول وزارة البيئة والمياه الإماراتية أنه من بين المخاطر التي تنطوي عليها ظاهرة المد الأحمر تردي نوعية مياه البحر في مناطق حدوث الظاهرة. وذلك نتيجة لزيادة كثافة المد الأحمر في المناطق القريبة من مآخذ المياه التي تستخدم من قبل محطات تحلية مياه البحر، وهو ما تسبب في وقف العمل في عدة محطات في الإمارات الشمالية على فترات متقطعة، حيث توقفت كل من محطة تحلية كلباء ومحطة تحلية ميناء الفجيرة ومحطة خورفكان بالإضافة إلى محطة تحلية غليلة برأس الخيمة. علما بأن جميع المحطات عادت لمباشرة عملها (على فترات متقطعة).

وبين اعتبار الجهات الرسمية أن الظاهرة طبيعية ولا سبيل للبشر بإيقافها أو منعها، وبين تخوف المتضررين من استمرارها بهذا الشكل الذي لم يسبق له مثيل، يستمر المد الأحمر في زحفه على مياه الخليج العربي الزرقاء شيئا فشيئا. فهل تضمحل هذه الظاهرة وترحل عن السواحل الخليجية بلا رجعة، أما تزداد انتشارا حتى تفرض نفسها ويتغلب اللون الأحمر على اللون الأزرق؟