مسحراتي نيويورك يظهر مرة واحدة كل 3 أيام

يعزف بصوت منخفض عن المعتاد ولمدة 15 ـ 20 ثانية في كل موقع

في البداية، لم يرُق عمله بجميع الناس فبعض المواطنين كانوا يفتحون شبابيك شققهم ويصرخون فيه (نيويورك تايمز)
TT

قبل بزوغ ضوء الفجر بساعات قليلة وفي الوقت الذي كان فيه معظم المقيمين داخل مدينة نيويورك يغطون في نوم عميق، انساب رجل في منتصف العمر من على سريره داخل شقته في منطقة بروكلين وارتدى ثيابا فضفاضة ذات لون أحمر وعدّل عمامته ودخل إلى سيارته وقادها 15 دقيقة ثم أخرج طبلة كبيرة، وبدأ يعزف في طريق جانبي داخل إحدى المناطق السكنية. يعمل محمد بوتا مسحراتي خلال شهر رمضان، ففي كل صباح يجوب المسحراتية خلال أيام هذا الشهر الفضيل شوارع الأماكن التي يعيش فيها المسلمون بمختلف أنحاء العالم ويوقظون الناس لتناول وجبة السحور قبل أن يبدأ صيام يوم جديد. وعلى الرغم من أن مدينة نيويورك معروفة بأنها ترحب بالأنماط المختلفة للتقاليد الثقافية فإنها توجد قيود على ما يقوم به بوتا. وأمضى المهاجر الباكستاني أعواما عديدة يتعلم دروسا غير مريحة عن الخطوط الساخنة للشكوى من الضوضاء والقلق الذي يشعر به غير المسلمين عندما يستيقظون في الساعة الثالثة والنصف. ويقول بوتا: «يشتكون في كل مكان. ويبدو الناس وكأنهم يتساءلون: ما الذي تقوم به يا رجل؟، إنهم لا يعرفون أننا في شهر رمضان».

ويبلغ السيد بوتا من العمر 53 عاما وهاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1992 ويكسب قوت يومه من العمل كسائق لسيارة ليموزين، وقد بدأ يوقظ سكان منطقة بروكلين لتناول وجبة السحور في عام 2002. وفي البداية، كان يتحرك بحرية داخل المدينة ليختار منطقة يعمل داخلها كل رمضان. ويقول إن ذلك لم يرُق لدى الجميع، فبعض المواطنين كانوا يفتحون شبابيك شققهم ويصرخون فيه أو كانوا يتصلون بالشرطة، التي نصحته بلطف وطلبت منه أن يترك هذه المنطقة. وبمرور الأعوام، كان يتم منعه من استخدام طبلته في منطقة بعد أخرى، ولم يعد متاحا أمامه حاليا سوي شريط صغير في كوني آيلاند أفينيو حيث يعيش الكثير من الباكستانيين. وخوفا من أن يتم منعه من العمل داخل هذه المنطقة المحدودة أيضا، قام بوتا بتعديل أسلوبه في العمل، حيث أصبح يعزف بصوت منخفض عن المعتاد ولمدة 15 ـ 20 ثانية في كل موقع ومرة واحدة كل ثلاثة أو أربعة أيام. ويقول إن الشكاوى قد توقفت، متذكرا أعوامه الأولى في العمل كمسحراتي داخل شوارع مدينة نيويورك، وذكر سريعا الأماكن التي اعتاد العمل بها «أفينيو سي ونيوكيرك أفينيو وديتماس وفوستر وأفينيو أتش وأي وجاي ونابتون أفينيو». وقال بتردد «كما تعلم، فإنه لا يمكنك القيام بكل شيء داخل الولايات المتحدة دون تصريح».

ويأمل بوتا أن يكون مواطنا أميركيا صالحا ومسلما قويما، ويقول «لا أريد أن أضايق المواطنين الآخرين». «المواطنين الباكستانيين وحسب».

وتقول العديد من المؤسسات الإسلامية البارزة في نيويورك إنها لا علم لديها عن وجود أية مسحراتية آخرين. وعلى الرغم من أن الفائدة المرجوة من هذا العمل تراجعت بدرجة كبيرة بعد صنع المنبه، ما زال هذا التقليد متبعا داخل العديد من الأماكن. وفي الواقع، يقول بوتا إنه مستمر في هذا العمل على الرغم من التحديات والمعارضة للمحافظة على بقاء تقليد يجعل مواطنيه يشعرون بالشوق إلى تقاليدهم. ويؤكد «إنهم ينتظرون قدومي».

ترك بوتا زوجته، ممتاز، عندما جاوزت الساعة الثالثة بوقت قصير لتعد وجبة السحور في شقتهما بكوني آيلاند. وبعد 15 دقيقة أخذ سيارته ووقف أمام محل البقالة «بسم الله»، وهو محل بقالة باكستاني صغير في كوني آيلاند أفينيو، بالقرب من فوستر أفينيو. وكان هناك رجال كثر داخله، ووقفت التاكسيات في الخارج. وبرشاقة، فتح بوتا حقيبة السيارة وأوقف المحرك وعلق الطبلة من شريطها على كتفه وقام بتحية صاحب المحل قائلا: «السلام عليكم». ثم وقف في ظل المصابيح الفلوريسنت، وبدأ يعزف على طبلته. وجاء الرجال إلى الباب. وقال أحدهم: «إنه محبوب بدرجة كبيرة هنا»، وأشار إلى بوتا، الذي كان يرتدي ثياب العمل المعتادة، وهي عبارة عن ثوب تقليدي فضفاض مطرز وبه الكثير من شرائط الذهب. وطرق بوتا على الطبلة بالعصي ليعلو الصوت ويتردد صداه وسط الأبنية المظلمة. وبعد مرور 20 ثانية، أنهى بوتا عزفه بطرقة شديدة أخيرة على الطبلة. وتبادل مع الرجال عبارات مزاح باللغة العربية وبعد ذلك عاد الرجال إلى داخل المتجر. وسرعان ما كان بوتا خلف عجلة القيادة وأخذ سيارته من جديد جنوبا حيث يوجد نشاط تجاري يملكه باكستاني آخر. وقال وهو يطفئ محرك السيارة من جديد: «ثوان قليلة... عشر ثوان أو 15 ثانية وبعد ذلك وداعا». وعلى مدار عشرين دقيقة، كرر نفس الأمر خارج ثلاثة مطاعم باكستانية وأربعة محال بقالة ومحطة خدمات. ولم يشتك أحد بصوت عال على الأقل. وبنظرة من قرب على النوافذ القريبة بامتداد الشارع لم يظهر أن هناك أي ضيق ولم يظهر أي سكان عندهم فضول. وقال بوتا بسرور: «كما ترى، لا يوجد من يصرخ في وجهك، فالجميع سعيد برؤيتك». وأضاف «لا أريد أن يشعر الناس بالحزن».

وذكر بوتا أن العزف على الطبلة تقليد اشتهرت به عائلته، وهو طبال من الجيل السابع ويقوم حاليا بتدريب ابنه الذي يبلغ من العمر 20 عاما، ويدعى شعر، وهو واحد من ثمانية أبناء. وبالإضافة إلى العمل كمسحراتي خلال شهر رمضان، يعزف بوتا في حفلات الزفاف الباكستانية وحفلات أعياد الميلاد والتخرج وغيرها من الفعاليات. وقال فرحا: «الكثير من لحظات السعادة».

وخلال جولاته في ليلة تالية، وقف في محطة خدمات يديرها باكستاني وتجول بطبلته داخل منطقة الخدمة. فقد كان يريد التأكيد على قدرة أداته بالكامل. وقام أحد الميكانيكية بسحب الأبواب الثقيلة وإغلاقها ثم بدأ بوتا في العزف بكامل طاقته. وعلى مدى ثلاث دقائق، قام بالعزف بصورة متواصلة ليملأ قرع الطبلة المكان. وبدا من الواضح أن بوتا يجد متعة في قوة طبلته. ومع تلاشي صوت الطبلة في أذن السامعين، عاد إلى سيارته. وقال: «إنها ضوضاء رائعة!»

* خدمة «نيويورك تايمز»

** ساهم في التقرير ماجد بابر