العلماء يوصون بالعلكة.. رغم ما تتركه من آثار مؤذية

يعدّونها أداة لتنشيط الدماغ وتخفيف التوتر النفسي وتنظيف الأسنان

عمال صينيون يقومون بتنظيف ساحة تيانانمين الشهيرة في وسط العاصمة بكين من بقايا العلكة (رويترز)
TT

تخصص المدن الألمانية ملايين الدولارات سنويا فقط لتنظيف أسواقها من العلكة التي يتركها الشباب ملتصقة على الأرض. وفي حين يوبخ المعلمون ويعاقبون الطلاب الذين يعلكون اللبان في الحصص ينصح الباحثون بترك التلاميذ يمضغون العلكة كما يريدون لأن حركة الفكين تنشط الدماغ وتزيد استيعاب الحصص.

وواقع الحال أن هناك العديد من الدراسات الألمانية والدولية التي تثبت أن العلكة ما عادت تقليدا للأفلام الأميركية أو علامة على الاستخفاف والظهور بمظهر «جيمس دين» وإنما أداة لتنشيط الدماغ وتخفيف التوتر النفسي وتنظيف الأسنان. وهناك اليوم العديد من أنواع العلكة، التي تنتجها الشركات العالمية، الخالية من السكر والتي تتخصص في تنظيف الأسنان وتبييضها وتعمل بمثابة معجون أسنان يلي وجبات الطعام، وخصوصا الغداء.

وتشير دراسة نشرتها مجلة «الحياة الصحية» الألمانية إلى إمكانية مضغ العلكة على تخفيف حدة توتر الإنسان في التعليم أو في موقع العمل. وثبت من خلال فحص دم المتطوعين للدراسة، الذين يهوون مضغ العلكة، انخفاض مستويات هرمون التوتر (أدرينالين) في أجسامهم. والمهم أيضا هو أن المتطوعين تمكنوا من تقليل الخوف من الفشل في المهمات التي أسندوا إليها عن طريق علك العلكة.

وعُني اليابانيون بدراسة تأثير العلكة على الدورة الدموية فتوصلوا إلى أن المضغ المستمر للعلكة يزيد انتشار الدم في الأنسجة بنسبة 25 في المائة. ووجد العلماء أن المضغ، أو بالأحرى تحريك الفكين يزيد من حركة القلب وكفاءته ويرفع بالتالي نسبة الأكسجين في الدم أيضا. وطبيعي أن يعود الفضل في تحسين عمل الدماغ والقلب إلى قرب عضلات المضغ من هذين الجازين المهمين.

ويؤدي العلك اليومي إلى انبساط عضلات الوجه والعنق وبالتالي انفتاح أسارير الإنسان والتحرر من تشنجات الرقبة. وهذا يعني أيضا أن مضغ العلكة يقلل آلام العنق الناجمة عن التوتر والتشنج.

وقاس العلماء الأميركان أن العلكة، حسب أنواعها، تمنح الإنسان2 ـ 22 سعرة حرارية، لكنها تجعل الإنسان يسحق الكثير من السعرات الحرارية. فمضغ العلكة، وما يرافقها من زيادة إفراز العصارات المعدية، والإنزيمات الخاصة في اللعاب، تعمل على حرق الشحوم وبالتالي تقليل وزن الإنسان. عدا عن ذلك فإن مضغ العلكة بين الوجبات يؤدي إلى استهلاك الشحم المخزون تحت الجلد وبين الأعضاء، كما أنه يطرد الشعور بالجوع من الإنسان.

وإذا كان الباحثون في أستراليا قد توصلوا إلى نتائجهم عن طريق علكة العصر الحديث، التي مضى 161 عاما على اكتشافها، فإن علماء جنوب إفريقيا نبشوا تاريخ شعوبهم البدائية وصولا إلى نتائج حديثة تدور حول العلكة. إذ عادت شركات صناعة الأدوية أكثر من 1000 عام إلى الوراء كي تستفيد من خبرة رجال الأدغال في تقليل أوزان بدناء القرن الواحد والعشرين.

ويبدو أن الدواء العجيب، الذي يفترض أن يزيل شهية مدمني اللحم والشحوم، قد استمدته الشركات من نبتة صحراوية يستخدمها رجال الأدغال في جنوب إفريقيا منذ قرون طويلة لكبت مشاعر الجوع في أثناء جولاتهم الطويلة. وذكرت مصادر «مجلس جنوب إفريقيا للأبحاث العلمية والصناعية» أن العلماء نجحوا في استخلاص مادة كابحة للجوع في نبتة صبار اسمها Hoodia وتعيش في صحراء كالاهاري الإفريقية الجنوبية. واعتاد رجال الأدغال في المنطقة منذ عشرة قرون مضغ قطعة من صبار «هوديا» لتسكين جوعهم وعطشهم.

وتنوي شركة «بي فيزر» (Pfizer)، التي عُرفت من خلال دوائها المشهور فياغرا، توظيف خلاصة نبته «هوديا» لإنتاج عقار طبيعي ومناسب لتقليل أوزان البدناء. وتتركز الأبحاث على الخلاصة التي تسمى «P57» منذ سنوات حسب ما ورد في تصريح «مجلس جنوب إفريقيا للأبحاث العلمية والصناعية». وتقدر الشركة أن عقار الرشاقة السريع سيدر عليها أرباحا ترتفع إلى 3 مليارات دولار. وسبق لشركة «بي فيزر» أن عقدت اتفاقيات مع قبائل رجال الأدغال ومع حكومة جنوب إفريقيا بهدف الحصول على حقوق الإنتاج. ويضمن الاتفاق مع قبائل الـ«سان» في كالهاري على إشراك القبيلة كمساهم في الإنتاج. وستتلقى قبائل سان، وعدد أفرادها 100 ألف، مبلغ 1.5 مليون دولار على مدى 4 سنوات. كما ستتولى القبائل زراعة ورعاية صبار «هوديا» لصالح الشركة المنتجة.

ولا تبدد «علكة الترشيق» أوزان البدناء فحسب وإنما ستبدد علامات الاستفهام الكبيرة التي كانت تدور في رؤوس الحكومات العنصرية السابقة. إذ طالما تساءلت القوات العنصرية في حملاتها السابقة على قبائل سان عن سر جَلَد أفراد القبيلة تجاه الجوع والعطش.

ويستشهد موقع «الصحة دي» الألماني بنتائج فحص أجراه الأطباء البريطانيون قبل سنوات، ويقول إن العلكة يمكن أن تخلص الإنسان من الحرقة المعدية وتريحه من الارتجاع المريئي، إضافة إلى وظائفها الأخرى مثل تنظيف الأسنان، تعويضا عن فرشاة الأسنان، وتنشيط الذهن من خلال تنشيط عضلات المضغ وتحسين رائحة الفم.

وكان الباحثون البريطانيون ذكروا أمام «أسبوع أمراض الهضم 2003» في أورلاندو أن العلكة يمكن أن تقلل الحموضة المعدية الناجمة عن الأكل. وشملت الدراسة، التي أجريت في مستشفى «غايز» في لندن، 21 متطوعا ممن يعانون من حالة الارتجاع المعدية ـ المريئية. ودفع الأطباء المتطوعين إلى تناول وجبة دسمة (60 في المائة منها دهن) بعد صيام 4 ساعات، وكرروا ذلك معهم على يومين. وحرص الأطباء على أن يكون الطعام متساويا من ناحية الدهن والسعرات والمكونات التي قد تثير الحموضة المعدية. ومنح الأطباء المتطوعين العلكة ليمضغونها في يوم واحد فقط من أيام التجربة.

وذكرت الدكتورة ريبيكا معزز من قسم الأسنان في مستشفى «غايز هوسبيتال» في لندن أن الكشف عن نسبة القاعدية PH في المعدة كشفت فعالية العلكة ضد الحموضة. وكشفت الفحوصات أن العلكة عملت على زيادة الوقت الذي كان فيه مستوى PH في المعدة يقل عن 4.

وأجرى الأطباء الألمان فحص كفاءة القلب على رياضيين متطوعين على الدراجة الثابتة، مرة دون علكة وأخرى معها، وتوصلوا إلى أن كفاءة القلب والعضلات تحسنت في أثناء المضغ. تحسن عمل القلب، زاد التركيز، ارتفعت القدرة على قيادة الدراجة إلى فترات زمنية أطول وانبسطت عضلات الوجه والعنق.

مع بدء الموسم الدراسي الجديد في ألمانيا سلمت «المبادرة من أجل ديلمنهورست أنظف» 12 ألف علبة علكة إلى بريجت فرانك رئيسة «مؤتمر المدارس» في بلدة ديلمنهورست الألمانية. وقال فولغانغ كولين المتحدث باسم المبادرة، إنهم ينوون معالجة مشكلة العلكة الملتصقة بالشوارع من خلال التثقيف الصحي والاجتماعي. فالعلكة ستزيد من كفاءة واستيعاب التلاميذ في المدارس كما أنها تنبههم إلى ضرورة إلقاء العلكة في سلة المهملات بدلا من بصقها في الشوارع.

تتكون العلكة أساسا من الشمع إضافة إلى صمغ الراتينغ والمواد النباتية الشبيهة بالمطاط والغلسرين والعطور والمواد الملونة، وبالسكر أو دونه.

يقول علماء الآثار إن أقدم علكة عُثر عليها كانت في مستعمرة سكنية بشرية في السويد عمرها 9000 سنة. وكانت العلكة هناك مستمدة من صمغ شجر البتولا. كما عُثر على علكة من الراتينغ عمرها 5000 سنة، وعليها آثار عضات أسنان، في قرية فنلندية قديمة. كما عرف المصريون والعراقيون القدماء أيضا العلكة، وكذلك الرومان والأزتيك.

انتج الأميركي جون كورتس جاكسون أول علكة حديثة عام 1848 وحضرها على الطريقة الهندية من صمغ شجرة الشربين. وبدأ ويليم ريجلي إنتاج علكته عام 1890.

يمتلك الألمانيان فولكر وتوماس مارتن أكبر تشكيلة من العلكة في العالم. ويحتفظ الأخوان من فرايبورغ (جنوب) بنحو 2600 علبة علكة مختلفة من 60 دولة وتتألف من 16 ألف قطعة علكة منفردة.

تقول دائرة الإحصاء المركزية الألمانية، حسب استطلاع لها، إن 7.7 في المائة من الألمان يمضغون العلكة يوميا، و20.6 في المائة يمضغونها مرة في الأسبوع ونسبة 51.6 في المائة لا يستسيغونها أبدا.