تكنولوجيا الاتصالات تساعد على المزج بين الحياة المنزلية والعمل

خطوط الفصل تتلاشى.. وتأثير فارق الوقت بين الدول يقل تدريجيا

نرى العديد من الأشخاص يتابعون بريدهم الإلكتروني والصوتي وهم ينتظرون في صالات الوصول في المطارات (أ.ب)
TT

التقسيمات السابقة التي فصلت بوضوح بين المكتب والبيت بدأت تضمحل بفضل تكنولوجيا الاتصالات الحديثة التي قدمت فرصا لم تكن متاحة سابقا يتمكن الشخص من خلالها من مزاولة عمله المكتبي من البيت. كان الاعتقاد بأن المكاتب وأماكن العمل ستختفي تدريجيا وستبدأ الناس بتأدية وظائفهم من بيوتهم بالكامل، إلا أن الإنترنت والعنوان الإلكتروني والجوال والبلاكبيري وغيرها من الآلات هي سلاح ذو حدين، وبدلا من أن تلغي المكتب ومكان العمل فقد نقلت البيت إلى المكتب والمكتب إلى البيت، أي أنها خلقت ثقافة جديدة تقوم على التوازن في العلاقة بين الاثنين.

وحتى المسافة بين البيت والمكتب أصبحت هي الأخرى جزءا من البيت والمكتب ومكانا لمزاولة المهام الوظيفية والبيتية، اللابتوب والبلاكبيري تساعدك على القيام بعملك خلال رحلتك بين البيت والمكتب والعكس بالعكس.

حتى فارق الوقت بين الدول وعطلات نهاية الأسبوع بدأ تأثيرها على مزاولة النشاطات التجارية يقل تدريجيا.

ويوضح بيرنارد سولت، وهو خبير سكاني لدى شركة دولية للاستشارات التجارية والأعمال، أنه كان من المعتاد أن تمتد فترة العمل من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة من كل أسبوع، ومن الساعة التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء، كما كان من المعتاد أن يستمر العمل طوال 11 شهرا في العام مع تخصيص شهر عطلة، غير أن كل هذه القواعد الصارمة في طريقها إلى الانهيار.

ويشير سولت إلى أنه أصبح في الإمكان الآن عن طريق التكنولوجيا المزج بين العمل والأنشطة الحياتية الأخرى، مما يعني استكمال أجزاء من العمل في المنزل، واستكمال أجزاء من الحياة المنزلية في مكان العمل.

ويقول سولت إنه جرت العادة خلال الوقت الحالي أن يفحص الأشخاص بريدهم الإلكتروني أو جهاز البلاكبيري في عطلة نهاية الأسبوع، وحتى ولو لم يرد الشخص على الرسائل الإلكترونية التي تصل إليه، إلا أنه يستمر في التواصل مع جهة عمله، ويصف هذا الوضع بأنه حالة من الاستنفار الدائم مع مكان العمل.

وثمة أمثلة كثيرة على هذا القول فيمكننا أن نرى الكثير من الأشخاص وهم جالسون أمام أجهزة اللابتوب في المقاهي، أو يتابعون بريدهم الإلكتروني والصوتي وهم ينتظرون في صالات الوصول في المطارات، أو يدونون على هذه الأجهزة عروضا وتقارير أثناء ركوبهم القطار.

«هذا هو مكان العمل الحديث، في أي دولة وفي أي منطقة مهما كان الزمن فيها وفي أي مكان يوجد فيه اتصال بشبكة الإنترنت، فقد قلبت التكنولوجيا رأسا على عقب مفهوم تخصيص وقت محدد للشركة ووقت آخر للحياة الشخصية للعاملين»، يقول جون ستيل رئيس قسم التخطيط في شركة «سير مارتن سوريل» للإعلانات، التي تتخذ من لندن مقرا لها.

يعيش ستيل في مدينة بيرث الأسترالية حاليا التي تقع في النصف الثاني من الكرة الأرضية بعيدا عن رئيسه وعن مكتبه السابق. ويضيف إن كثيرا من العمل الذي كان يقوم به في السابق مع مجموعة العمل في لندن ينفذ في الوقت الحالي بطريقة «الفيديو كونفرانس» والبريد الإلكتروني، كما أنه يستطيع أن يقوم بالمهام نفسها التي كان ينفذها على مستوى العالم وهو جالس في مكانه بهذه المدينة الأسترالية.

ويرى سولت، في مقابلة مع الوكالة الأنباء الألمانية، أن ما يهم في الوقت الراهن ليس هو الالتزام بمواعيد العمل ولكن تلبية المؤشرات الأساسية للأداء عن طريق الإنتاج وتنفيذ المهام الموكل بها الموظف. ويوضح أن نظام العمل الحديث يقوم على معيار ما تم تحقيقه من إنتاج أو أهداف، على عكس النظام السابق الذي يقوم على المحافظة على البروتوكول أو الشكليات والتقاليد الصارمة للعمل، كما أن العمل انطلق من القفص الذي كان حبيسا بداخله وصار يطوف باحثا عن نقاط يضمها إلى جانبه، مستقطعا إياها من وقت العاملين، وذلك طوال الأسبوع.

ولا يمكن القول إن أصحاب العمل يختلسون وقت العاملين لديهم ولكن المسألة عبارة عن طريق له اتجاهين، فالموظفون الذين يسهرون حتى وقت متأخر من الليل لكتابة تقارير لشركاتهم يمكنهم استقطاع نصف ساعة من وقت الشركة لإنهاء أعمالهم المصرفية على الإنترنت، بل وتمضية وقت أطول في الدخول على مواقع الاتصال الاجتماعي الإلكترونية.

وفي بعض أماكن العمل يشعر الرؤساء بالذنب حيال اتجاه ميزان العمل للميل لصالحهم إلى حد كبير على حساب العاملين لديهم ويقومون بتسهيل بعض الخدمات للموظفين المهرة مثل إرسال ملابسهم للتنظيف أو قضاء بعض احتياجاتهم الشخصية.

ويرى سولت أن هناك جوانب سلبية تحيط بالأشخاص الذين يعيشون في ظل حالة الاستنفار الدائم مع مكان العمل، فهؤلاء الأشخاص لا ينقطع الاتصال أبدا بينهم وبين وظائفهم، وهم غير قادرين على الشعور بالحرية الكاملة في حياتهم المنزلية، وبالتالي تتعرض العلاقات للمعاناة مما قد يؤثر سلبا أيضا على دفة العمل.

ويقوم عدد من المديرين الذين يتعرضون لغزو العمل لحياتهم الخاصة في عقر ديارهم بالتوقف ببساطة عن مزاولة العمل، ويعيدون إلى الشركة أجهزة اللابتوب والبلاكبيري والجوال التي تسلموها.

ويقول سولت إن العاملين بحاجة إلى مراقبة ساعات العمل التي يقومون بها، والتأكد من أن التكنولوجيا لم تسمح للعمل بأن يكتسح كل شيء في طريقه.

ويضف أن هناك مزايا وعيوبا، غير أنه مع انطلاق العمل من القفص فينبغي على الموظف أن يحترس من أن تمتد آثاره إلى حياته الخاصة لتسلب بعض أجزائها.