آثار مصر الغارقة تتجمل في متحف تحت الماء

انتهى من تصميمه الفرنسي جاك روجيريه

تمتلئ شواطئ الإسكندرية بكنوز من الآثار الغارقة بسبب الظواهر الطبيعية على مدى 15 قرنا («الشرق الأوسط»)
TT

استعدادات مكثفة يجريها المجلس الأعلى للآثار بالتعاون مع محافظة الإسكندرية لإنشاء أول متحف تحت الماء للآثار المصرية الغارقة، وذلك بعد اختيار التصميم الذي تقدم به المهندس الفرنسي جاك روجيريه خلال المسابقة المعمارية العالمية التي تم طرحها بإشراف منظمة «اليونسكو»، واشترك فيها أربعة من أشهر وأكفأ المصممين المعماريين في العالم.

وسيتم تنفيذ هذه الدراسات تحت إشراف المنظمة الدولية، ويُنتظر الانتهاء منها خلال الأشهر المقبلة، ليتم بعدها بدء أعمال بناء المتحف الذي سيصبح، حسب المسؤولين، بمثابة منارة جديدة لمدينة الإسكندرية، ليكون عبارة عن رحلة عبر الزمن لاكتشاف أسرار المدينة القديمة الغارقة، من خلال السير داخل ممرات زجاجية.

ويتكون المتحف المزمع إنشاؤه من جزأين، الأول مبنيّ فوق سطح الأرض عبارة عن نافذة مفتوحة لبانوراما الميناء الشرقي يؤدي إلى المبنى الرئيسي المغمور كليا تحت الماء، والثاني سيكون عبارة عن أربعة أشرعة تمثل الاتجاهات الأربعة، وينقسم هذا المبنى إلى جزء فوق سطح البحر بنحو 20 مترا، يؤدي إلى جزء آخر بعمق 7 أمتار تحت سطح الماء.

وسيعرض الجزء الموجود فوق سطح الماء، مجموعة القطع التي انتشلتها البعثة المصرية الفرنسية برئاسة الأثري فرانك جوديو خلال الأعوام الماضية، والموجودة الآن ضمن معرض دولي يطوف بعض المدن الأوربية.

وستساعد ممرات زجاجية فوق الأرض الزائرين لنقلهم إلى الجزء الآخر الموجود تحت الماء ليكتشف الزائرون من خلالها المدينة الغارقة ومعبد آمون والميناء القديم وقصر الأحلام الذي بناه مارك أنطونيو للملكة كليوباترا.

وتمتلئ شواطئ الإسكندرية وخصوصا منطقة خليج أبى قير ومنطقة الميناء الشرقي بكنوز من الآثار الغارقة التي غرقت بسبب الظواهر الطبيعية على مدى 15 قرنا، وعلى وجه الخصوص الزلازل التي ألقت بكثير من مباني وقصور وقلاع الإسكندرية في مياه البحر. ومن أشهر هذه المباني التي أطاحت بها الزلازل منارة الإسكندرية القديمة إحدى عجائب الدنيا السبع. وترجع أهمية الآثار الغارقة إلى الميناء الهائل الغارق الموجود أسفل صخرة جزيرة فاروس بالجنوب الغربي منها، ويضاف إلى ذلك أن مستوى البحر قد ارتفع مترين منذ العصر الروماني. وقد استلزم انتشال هذه الآثار مشاركة فرق من الغواصين والاستعانة بأساليب كشف إلكترونية وتقنيات جيوفيزيقية حديثة، حرصوا على استخدام أجهزة قياس بالرنين المغناطيسي النووي والسونار لتنفيذ أعمال الكشف بعد دراسات طبوغرافية وفيزيقية.

ومن جهتها، بدأت البعثة الإيطالية للآثار الغارقة أعمال المسح الأثري بجزيرة نيلسون في منطقة خليج أبى قير على ساحل البحر المتوسط بشرق الإسكندرية، للكشف عن الكنوز الغارقة، التي لا تزال تحتفظ بها مياه الثغر.

وتقوم بعثة جامعة «تورينو» الإيطالية للآثار الغارقة بأعمال المسح تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار، وتضم ستة من الأثريين الأجانب، وعددا من الأثريين المصريين، وتستمر أعمالها حتى أواخر العام الجاري، وتركز أعمالها في ثلاثة من أهم مواقع الآثار الغارقة، وتشمل الحامية العسكرية التي ترجع للعصر الهلينستي والجبانة التي تعود إلى العصر الفرعوني، بالإضافة إلى مقابر جنود الحملة الفرنسية.

وقال الأثري علاء محروس مدير الإدارة العامة للآثار الغارقة بالإسكندرية، إن أعمال البعثة الحالية تأتي استكمالا لأعملاها التي بدأتها عام 1999 ويرأسها الأثري باولو جاوللو ونفذت العديد من أعمال المسح الأثري، لافتا إلى أن الحفائر شملت الآثار التي تجسد العصور المختلفة التي شهدتها مصر خلال العصر القديم والحديث.

وتاريخيا بدأ الاهتمام الحقيقي بالآثار الغارقة في مصر عام 1866، عندما وضع محمود باشا الفلكي أول خريطة للإسكندرية القديمة وضواحيها الأثرية أسفل مباني الإسكندرية الحديثة.

وبعدها قام الفلكي بتحديد مواقع المدن والقنوات القديمة، وأهم أماكن الآثار الغارقة بالميناء الشرقي بناء على أعمال الحفائر والجس الأثري الواسعة التي قام بها، ووقتهـــا نشر الفلكي أبحاثه أولا بالفرنسية، ثم تلاه «جاستون جون داي»، مدير عــــــــام الموانئ المصرية، ما بين عامي 1910 و1914. إلا أن الأخير عوقب على اكتشافه الآثار الغارقة بتهمة الإهمال بــــــــاعتبار الاكتشافات «خروجا على مقتضيات واجبه الوظيفي» كمدير للموانئ! ويرى مؤرخون أن البدايات الحقيقية للتنقيب الأثري عن الكنوز الغارقة، ترجع إلى عام 1933، عندما شاهد الأمير عمر طوسون مدينة «مينوتس» الأثرية الغارقة أمام سواحل أبو قير التي تعرف باسم «كانوب القديمة»، وقام بالتعاون مع طيار إنجليزي بتحديد أطلال المدينة الغارقة من الجو، وتمكن من اكتشاف رأس رخامي للإسكندر الأكبر.