لغة «ساتر فريزيان» الأوروبية معرضة للانقراض

يتحدث بها 2500 شخص وتنتعش من جديد مع رواية «الأمير الصغير»

TT

هناك ما يزيد عن 250 لغة محكية في لندن لوحدها، حسب آخر إحصائيات قامت بها بلدية لندن. وهذه اللغات لها أتباعها من الأقليات العرقية. تواصلهم الثقافي يعتبر من العوامل المهمة لإبقاء لغتهم حية، لكن هذا لا يعني أنها محصنة كاملا، إذ أن في التاريخ أمثلة عديدة تبين أحيانا انقراضها وأحيانا أخرى تطورها وإحيائها رغم وجود أتباعها.

بفضل المترجمة غريتشن غروسر أصبحت قصة «الأمير الصغير»، التي تحكي عن طيار يلتقي أميرا صغيرا بعد أن يُضطر إلى الهبوط في الصحراء الإفريقية، متاحة بلغة لقومية الفريزيان التي يعيش جزء من أفرادها في ألمانيا.

وهذه اللغة تُدعى «ساتر فريزيان» أو «ساترلانديك»، وهي محكية محليا في «ساترلاند» التي تعد جزءا من ولاية سكسونيا السفلى الواقعة في الشمال الغربي الألماني ويتحدث بها نحو 2500 شخص فقط، وتتحدث أيضا بلهجات الفريزيان الأخرى مجموعات في الدانمرك وهولندا.

هناك لغات أوروبية قاربت على الانقراض وبدأت تعود إلى الحياة من جديد. منها لغة سكان إقليم ويلز، الذي يشكل جزءا من المملكة المتحدة، وهذه هي الأخرى بدأت خلال العقدين الماضيين تنتعش ويزيد من يجيدونها إلى أن وصلت نسبتهم إلى ما يقارب 20 في المائة من أهل الإقليم، خصوصا بعد سَنّ قانون 1993 في بريطانيا الذي وضعها في نفس مستوى اللغة الإنجليزية في الاستخدام والمعاملات الرسمية. وتنتمي اللغة الويلشية إلى مجموعة لغات الكيلتيك التي كانت مستخدمة في أيرلندا واسكوتلندا، وهذه الأخيرة انقرضت مع الزمن لصالح اللغة الإنجليزية، وهناك محاولات لإعادة إحيائها من جديد. وتقول غروسر التي تبلغ من العمر 74 عاما وهي مؤلفة لمجموعة من الكتب بلغتها المحلية ساترلانديك إن ترجمة قصة الأمير الصغير استغرقت 150 ساعة من العمل، وإنها حاولت أن تحتفظ بسحر النص الأصلي.

تعد قصة «الأمير الصغير» بقلم المؤلف الفرنسي أنطوان دي سانت إكزبوري من بين أكثر الكتب مبيعا على مدى العصور وتم ترجمتها إلى نحو 180 لغة.

ومن المتوقع أن يكون انتشار مثل هذا الكتاب المترجم محدودا، غير أن ترجمة هذا العمل الأدبي توضح أن هذه اللغة الباقية من قومية الفريزيان الشرقية القديمة ما زالت بعيدة عن الانقراض، ويوضح عالم اللغويات مارون فورت أنه بالرجوع إلى زمن العصور الوسطى بدأ أفراد قومية الفريزيان الشرقية في التحول من لغة ساترلانديك إلى اللغة الألمانية البدائية، غير أن استخدام الساترلانديك اقتصر على الجزء الشمالي الغربي من إقليم كلوبنبرغ. وقد حصل العالم فورت الذي وُلد في نيوهامبشاير على الجنسية الألمانية ويتحدث اللغات الألمانية والهولندية والألمانية البدائية وساترلانديك بطلاقة، ونشر عام 1980 قاموسا للغة الساترلانديك كما أنه يشرف على ترجمة للإنجيل إلى هذه اللغة. وفي بداية القرن التاسع عشر كانت ساترلاند جزيرة معزولة عن العالم الخارجي بمستنقعات يتعذر اختراقها، ويعتقد فورت أن ذلك ربما كان أحد الأسباب التي تفسر قدرة هذه اللغة على البقاء على قيد الحياة حتى الآن، كما أنها تعد أكثر اللغات الأوروبية تعرضا لخطر التلاشي.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تزايد عدد سكان المنطقة بسرعة ليصل إلى 13 ألفا حيث استقر فيها العديد من الألمان قادمين من أنحاء أخرى من البلاد، وفي التسعينات من القرن الماضي تم تسجيل 1500 مواطن جديد قدموا إلى المنطقة من كازاخستان وبالطبع لم يكن أحد منهم يستطيع التحدث بلغة ساترلانديك كما يقول رئيس المجلس المحلي هيوبرت فراي، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية.

وتشجع رابطة محلية في ساترلاند استخدام اللغة القديمة عن طريق نشر برامج تعليمية بالإذاعة المحلية، كما تسعى هذه الرابطة إلى الحفاظ على الثقافة المحلية بما فيها طواحين الهواء الرائعة. وتعد المعلمة يوهانا إيفرس حاميا آخر لهذه اللغة النادرة، وحتى الآن يتم تعليم لغة ساترلانديك في إحدى المدارس الابتدائية المحلية فقط، وتقول إيفرس إنه في المدارس الثلاث الأخرى بالمنطقة يعد تدريس هذه اللغة نشاطا إضافيا بمعنى أن التلميذ الراغب في تعلمها عليه البقاء في الفصل بعد انتهاء اليوم الدراسي بينما يعود بقية التلاميذ إلى منازلهم، وفي المدرسة الثانوية التي تعمل إيفرس فيها تدرس هذه اللغة كمنهج اختياري.

ويستطيع الأطفال الصغار في مرحلة ما قبل المدرسة أن يحصلوا على دروس بسيطة في هذه اللغة بفضل المتطوعين الذين يأتون إلى مدارس الحضانة مرة أسبوعيا على الرغم من أنه لا يتم تقدير جهودهم تماما، وتشير إيفرس إلى أنه في كثير من الحالات لا يحرص الآباء على تعليم أطفالهم هذه اللغة.

ويبدو أن بعض الآباء يشعر بالقلق من أن تعليم هذه اللغة الإضافية قد يثقل من الأعباء على أبنائهم، ولا تشاركهم إيفرس في هذه المشاعر وتشير إلى دراسة أجريت توضح أن الأطفال الذين يتعلمون عدة لغات بدلا من واحدة عادة ما يكون أداؤهم الدراسي أفضل.

ويرى كارل بيتر شرام وهو متحدث محلي بلغة ساترلانديك ويشغل منصب رئيس المكتب الأوروبي للأقليات اللغوية في ألمانيا أنه من المهم أن يتم التحدث بهذه اللغة في المنزل، وهو يود أن يتبوأ المتحدثون بهذه اللغة مكانة بارزة على الصعيد المحلي، وتم وضع لافتات بالقرى تحمل اللغتين الألمانية ولغة ساترلانديك منذ عام 2001. ويعد المؤلف فورت مدافعا متحمسا عن اللغة ويأمل أن تبقى على قيد الحياة، وكان قد جاء إلى المنطقة كباحث شاب منذ أعوام عديدة وتعلم مفرداتها من قدامى القرويين مباشرة، ويعرب عن حبه الحقيقي لهذه اللغة.