سفيرة أثارت الاهتمام في العاصمة المغربية لإتقانها لغة الضاد.. وبطلاقة

الممثل المصري محمد متولي كان المدرس الذي تعلمت منه فرونيسكا العربية

جوانا فرونيسكا، سفيرة جمهورية بولندا في الرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

اسمها جوانا فرونيسكا، ومنصبها سفيرة لجمهورية بولندا لدى المغرب، لفتت الانتباه إليها من بين جميع الدبلوماسيين في الرباط بلسانها العربي الفصيح. إذ تجيد فرونيسكا اللغة العربية الفصحى إجادة تامة، وتتكلمها بطلاقة، وبذلك فهي تشكل ظاهرة في الوسط الدبلوماسي الأجنبي المعتمد في الرباط، ولم يكن ينافسها سوى جوان فرانسوا ثيبو، سفير فرنسا السابق، الذي كثيرا ما فاجأ المسؤولين المغاربة بامتلاكه لناصية لغة الضاد في الكثير من المناسبات، بينما السائد في المغرب أن كبار المسؤولين يتحدثون الفرنسية. تقول فرونيسكا إن تاريخ بلدها مع العرب، يعود إلى سنوات طويلة وإلى القرون الوسطى على وجه التحديد، مشيرة إلى أن بولندا كانت، وما زالت، تولي أهمية خاصة للحضارة العربية والإسلامية، ولذلك أنشأت علاقات منذ ذلك التاريخ مع العالم العربي، على أساس من الاحترام المتبادل، وظلت الوشائج مع العرب خالية من أي شائبة، أو مشكلة يمكن أن تسيء إليها.

وتعتقد فرونيسكا أن بلادها منفتحة على العرب، واستقبلت على مدى تاريخها تجارا وسفراء عربا وطلبة علم، واستدلت على ذلك بكون جامعاتها في مختلف مدنها، تضم سبعة مراكز ومعاهد خاصة بتعليم اللغة العربية على مستوى التعليم العالي. ويحظى المفكرون والكتاب العرب هناك بشهرة واسعة من خلال ترجمة أعمالهم إلى اللغة البولندية.

وتوجد جالية عربية ومسلمة في بولونيا، يمارس أفرادها أنشطة تجارية، أو أعمالا حرة، ضمن شركات، وقدرت السفيرة البولندية عدد العرب هناك من مختلف الجنسيات بحوالي 140 ألف شخص، وضمنهم أيضا عرب متزوجون من بولنديات. وتقول إنها ظلت منجذبة منذ صباها لسحر الشرق العربي، وحضارة وتاريخ وجغرافية العرب عموما، «شيء ما، لم أكن أفهمه، وربما يشبه الإلهام، كان يدفعني لاختيار اللغة العربية كدراسة، بدلا من العلوم السياسية، أو لغات أخرى، وبعد حصولي على الثانوية العامة، ودخولي الجامعة في وارسو، التحقت بمعهد اللغات الشرقية، وهناك أمضيت 5 سنوات إلى حين تخرجي بعد تقديمي لبحث حول محيي الدين بن عربي، وكان تخصصي هو الفلسفة العربية والتصوف في الإسلام». ومن الطرائف التي تحكيها فرونيسكا عن تلك الفترة من دراستها أن الطلاب العرب، كانوا يتلقون العلم في جامعات بولندا في مختلف التخصصات، وفي نفس الوقت يقومون بتدريس اللغة العربية في المعاهد، وقالت: «إنني فخورة بأن مدرسي المصري، وكنت يومئذ متعلمة مبتدئة، واسمه محمد متولي، نال الدكتوراه في المسرح، وهو اليوم ممثل مشهور في القاهرة، وسعيدة بكوني أتابعه كل ليلة على التلفزيون في مسلسل بعنوان «خاص جدا» يتقاسم بطولته مع الممثلة يسرا».

ورغم أن إجادة فرونيسكا للعربية قادتها إلى تمثيل بلدها كسفيرة في القاهرة والخرطوم ونواكشوط، قبل الرباط، فإنها لا تعتبر ذلك وحده سببا كافيا للقيام بهذه المهمة، إذ لا بد أن تتوفر في الدبلوماسي مجموعة من الشروط الأخرى، تؤهله فعلا للقيام بمأموريته خير قيام. وترى فرونيسكا أن امتلاك السفير للغة البلد الذي يوجد فيه، «شرط إضافي» يعينه على النجاح في مهمته، «وأنا لا أتصور نفسي سفيرة في بلد لا أفهم لغته وحضارته وثقافته، لأن اللغة هي الأداة التي من خلالها أستطيع بناء جسور من التفاهم والتعاون بين بلدي والبلدان الأخرى الناطقة بلغة الضاد». يحلو لفرونيسكا أن تلقي خطبها بالعربية الفصحى في مختلف اللقاءات الرسمية، دون الاستعانة بورقة مكتوبة، «يكفيني التركيز فقط على الموضوع الذي أود الحديث عنه». وهي قارئة مواظبة للصحف المغربية، الصادرة بالعربية، وكذا الفرنسية التي تجيدها أيضا، مثل الإنجليزية، ولا تكتفي فقط بالملخصات التي قد يقدمها لها مستشار السفارة المكلف بالصحافة، «غير أن مسؤوليتي لا تسمح لي بالقراءة فقط، ولو كنت باحثة متفرغة لكرست وقتي كله لها، ولكن أنا دبلوماسية، ويتعين علي متابعة كل المجالات، وليس الصحافة وحدها». ولاحظت السفيرة البولندية أن هناك مستوى مهنيا في الممارسة الإعلامية المغربية، يقوم على التنوع واختيار «الموضوعات الصعبة» وفتح الملفات الشائكة، خاصة في السياسة، بجرأة وحرية، وكذا في مجال الشباب. وأعربت فرونيسكا عن اعتقادها بأن الدبلوماسية ليست هي المجاملة فقط، بل ترى أن العمل الدبلوماسي يتطلب أيضا الإفصاح عن الحقيقة بالصراحة، في إطار من المكاشفة والشفافية، وفي جو من الاحترام اللائق الذي يجب أن يطبع كل المحادثات.