المصريون يؤدون صلاة العيد بالكمامة

لونوها فاستحقت صفة «كمامات العيد»

TT

الحواري المسقوفة لا تزال تتلألأ ببهجة فضية، تعكس مع أول أيام عيد الفطر ألوان فرحة يرتديها الأطفال في عموم مصر. ملابس جديدة قضت ليلتها محاطة برعاية قدسية حتى تطل الشمس برأسها فينطلقوا بعدها غير عابئين بالحفاظ عليها، فقد ذاقوا رحيقها الأول وكفى.

لكن ملابس العيد قد زادت هذا العام قطعة غير مؤلفة ومزعجة، كادت تهدد سعادة المصريين، وتفسد رحيقا اعتادوه مع ترديد تكبيرات العيد في الميادين والساحات.

الكمامة، ذلك الضيف الثقيل الذي فرض نفسه هذا العام عليهم جميعا مصلين وخطباء، أطفالا وأولياء أمر، بعد المخاوف من انتشار وباء إنفلونزا الخنازير.

وعلى الرغم من تلك المخاوف التي أجلت الدراسة في مصر، وأفسدت رحلة العمرة على كثيرين، فضلا عن المظاهر الرمضانية التي تراجعت إلى حد ما، خاصة بعد سقوط «شهداء» لهذا الوباء، وباتت تهدد الحج، تجاهل الأمر كثير من المصريين، رافضين أن تعكر هذه الكمامة صفو عيدهم، متكئين على سلوك ضارب بجذوره في الثقافة المصرية مفاده «خليها على الله». المدهش أن عددا ليس قليلا منهم التزم بوضعها، بعد حملات التوعية الصحية التي شددت على ضرورة ارتداء الكمامة، خاصة في حالات التجمعات الكبرى، وما أكثرها في أول أيام العيد، من فجره مع آلاف المصلين وحتى ليله مع آلاف المحتفلين في الشوارع والحدائق والمقاهي ودور السينما والمسرح. آخرون ابتدعوا فكرة براقة فقرروا أن يضفوا على الكمامة مسحة إنسانية خليقة بالذهنية المصرية فلونوها مثلما يلونون البيض في عيد «شم النسيم». بانسيه راغب التي لم ترغب في إفساد فرحة أبنائها وهم في طريقهم إلى ميدان مصطفي محمود الذي صار واحدا من أشهر الميادين التي يؤمها المصريون بالقاهرة، قررت أن تلون الكمامات لأبنائها الثلاثة كل حسب لون زيه الجديد.. «فكرت الأول أن أمنعهم من الذهاب لكن صِعْبوا عليّ، ففكرت في تلوينها لكي يبقوها في مكانها أطول فترة ممكنة». المفاجأة التي اكتشفتها بانسيه أنها لم تكن الأم الوحيدة التي فكرت على هذا النحو، فوجدت آخرين قد زركشوا هذا الضيف الثقيل، بشعارات دينية، تناسب إيقاع العيد، فروضوه، وانتصرت البهجة على الحذر. المهندس عصام محمد، وهو واحد ممن التزموا بوضع «كمامة سادة بلا ألوان»، أبدى انزعاجه من المسؤولين ورجال الدين الذين لم يلتزموا بوضعها، معتبرا أن سلوكهم يؤثر كثيرا على مصداقية التصريحات التي «ظلوا يزعجوننا بها خلال الفترة الماضية» بحسب وصفه، قائلا: «كيف نصدق حملات التوعية والتصريحات وهم أول من يتجاهلها.. لم أشاهد أحدا منهم سواء مسؤولا أو رجل دين يلتزم بوضع الكمامة سواء في صلاة الجمعة في رمضان (وهي تزدحم بالمصلين دائما) أو في صلاة العيد، وأعتقد أن كل المسؤولين في كل المحافظات لم يلتزموا بالأمر».

يضيف عصام: «شعرت بالحرج بعض الشيء، خاصة في البداية، لكن حين رأيت البعض يضعها زال الحرج تماما وأحسست أن هذه الكمامة مظهر حضاري يعكس مستوى الوعي الذي وصلنا إليه.. ثم إن ديننا حثنا على الحذر «لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وأظن أن علينا أن نتخلص من ثقافة التواكل». لم يغب الوباء عن خطبة العيد، بعض الخطباء حذروا من خطورة الوباء وطالبوا المصلين بضرورة الالتزام بالنصائح الطبية للوقاية من المرض، وعدد منهم دعا الله أن يجنب العباد هذا الشر المستطير الذي يعكر صفو المصريين في أيامهم الأكثر جلالا، وقدسية.

رحاب السيد، واحدة من كثيرين لم يلتزموا ولم تخطر الفكرة على ذهنهم من الأساس تقول: «استغربت لما لقيت ناس حطين الكمامة.. بصراحة أنا ما اقدرش أخرج بيها».

فهكذا.. بين الخجل والحذر، عبر المصريون أول أيام عيد الفطر المبارك وقد رفعوا شعار البهجة في وجه الوباء، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتزاحم المواسم الذي يثقل كاهلهم، «رمضان والعيد والصيف ودخول المدارس». وقد لون بعضهم الكمامة فاستحقت صفة «كمامة العيد»، التي ستظل على الرغم من ذلك ضيفا ثقيلا يتمنون أن لا يطيل البقاء، وعلى حد قول المصرين «يا بخت من زار وخفف».