الحمامات التاريخية في تركيا تعود للحياة

يعكس إحياؤها عودة الاهتمام بالحقبة العثمانية

حمامات اسطنبول القديمة ما زالت تجذب السائحين (رويترز)
TT

بعد أن شهدت تراجعا أمام الحمامات الحديثة، عادت الحمامات التركية لتشهد إقبالا متزايدا سواء كان ذلك من السائحين الذين يزورون تركيا أو من تلك الحمامات التي تنشأ في دول أوروبية بهدف جذب كل من تستهويه الفكرة.

وفي إسطنبول، ينفق رجال أعمال ملايين الدولارات على شراء وتجديد أرقى الحمامات في إسطنبول بعد عقود من الإهمال، ويبنون آمالهم على زيادة عدد السائحين واهتمام أكبر بالتقاليد العثمانية، وذلك حسب تقرير أعدته وكالة «رويترز». وتنقل الوكالة عن إيدين بولوت، مدير حمام السليماني، قوله إن «مستقبل الحمامات طيب. أدرك الناس أنه عمل مربح، وثمة اهتمام كبير بشراء الحمامات وإدارتها». وشيد المعماري الشهير ميمار سنان الحمام الذي يديره بولوت في عام 1557 خلف أشهر المباني في اسطنبول.

أما بالنسبة للأسعار فهي تعتبر باهظة بالنسبة للكثيرين، فقد ذكرت شركة «ريماكس تركيا» للوكلاء العقاريين أن حمام «جاغال أوغلو» الذي شيد في عام 1741 ويفاخر بأن من بين زواره القيصر الألماني فيلهلم الثاني وفلورانس نايتنجيل، معروض للبيع مقابل 16 مليون دولار. وتضيف الشركة أن حمام إياكابي الأصغر الذي شيده سنان، ولكنه لم يعد يستخدم للغرض الذي شيد من أجله، معروض للبيع مقابل ثلاثة ملايين دولار.

وأقنع نجاح حفنة من الحمامات التاريخية التي تركز على السائحين ومن بينها جاغال أوغلو رجال الأعمال بالجدوى الاقتصادية لعشرات من الحمامات الأخرى في اسطنبول التي قد تصل تكلفة الخدمات فيها مثل تنظيف البشرة والتدليك إلى 55 دولارا.

وزار تركيا 26.3 مليون سائح في عام 2008، وتهدف الدولة لجذب 63 مليون سائح بحلول عام 2023 من خلال برنامج لتحسين البنية التحتية وتسويق أماكن جديدة وأغراض أخرى لتمضية العطلات تشمل الصحة. وتعتمد أيضا على أن السائحين يحرصون على تجربة الحمامات وفي مخيلتهم ما يتردد من قصص عن سحر الشرق.

وتقول نورهان اتاسوي، الباحثة في المؤسسة الثقافية التركية، لـ«رويترز» إن حرص الأجانب على زيارة الحمامات الجديدة ساعد على إحياء اهتمام الأتراك الذي تراجع على مر العقود مع توافر الماء الساخن في المنازل. وتضيف نورهان (75 عاما) التي زارت هذه الحمامات وهي طفلة مع والدتها «حين أستمع لأصدقائي الأجانب يتحدثون عن رغبتهم في الذهاب للحمامات وتجربتهم فيها أحسدهم. أعتقد أن عليّ زيارتها مرة أخرى».

ويعكس إحياء الحمامات نمطا أوسع لعودة الاهتمام بالحقبة العثمانية في تركيا التي تأسست في عام 1923 بعد الانهيار الفوضوي للإمبراطورية العثمانية.

وتقول نينا أرغين خبيرة الحقبة العثمانية في اسطنبول «أصبح كل ما هو عثماني رائجا منذ الثمانينات». وتابعت «في البداية كان إحياء الماضي موجها للسائحين، ولكن بدأ المواطنون يدركون قيمة الأعمال الفنية والتقاليد العثمانية ويريدون التعرف أكثر على ماضيهم».

فعلى سبيل المثال يدخن عشرات من الأتراك والأجانب على حد سواء النرجيلة التي كان ينظر إليها في السابق على أنها عادة بالية بعد ظهور السجائر.

وتقول أرغين إن «الاهتمام بالحمامات يتماشى مع تنامي المنتجعات الصحية والاهتمام بالصحة في تركيا». وتضيف «يدرك كثيرون أنه مع وجود الحمامات تكون لديهم في بلدهم بالفعل مراكز صحية قديمة وبديعة ويفكرون: لماذا لا نذهب إليها». ولا توجد أرقام رسمية عن حجم صناعة المنتجعات السياحية والحمامات، ولكن ذكي كاراغول مدير اتحاد المنتجعات الصحية في تركيا يقول إن العدد يتزايد.

وتعرف الحمامات بجدرانها المشيدة من حجارة سميكة وأسطح على شكل قباب. وحين يدخل الزائر يسترخي داخل حجرات ساخنة ورطبة مكسوة بالرخام وتنيرها أشعة ضوء من أعلى في أجواء تسمح بتخلل البخار الجلد. ويقوم مدلكون باستخدام مناشف في حك الجسم بقوة بنوع من القماش الخشن لإزالة الجلد الميت لتبدو الطبقة السفلى ناعمة لدرجة اللمعان. وبعد حمام مائي يجلس الزائر على الرخام الدافئ بوسط الغرفة، ويجري تسخين الرخام بهواء ينبعث من فرن يحمى بالخشب.

ويقول الممول أرغين أرين «أعتقد أن الحمامات ستشهد رواجا مرة أخرى في فترة قصيرة جدا إذا أحسنت إدارتها. سيأتي السائحون أولا ثم سيأتي الأتراك أيضا».

ولم يسبق لأرين دخول حمام تقليدي، حتى زار مع صديقه حمام غير مستخدم معروض للبيع في اسطنبول القديمة كان (صاحبه) يفكر في تحويله لصالة رقص، ويقول «شعرت بحزن عميق لدرجة دفعتني للتفكير في الحمامات القديمة. بدأت أقرأ التاريخ لأعرف كيف كانت تعمل، ثم تمنيت أن اشتري واحدا».

في عام 2005 جاءته الفرصة واشترى حمام كيليج علي باشا الذي بناه سنان في الثمانينات من القرن السادس عشر، ويأمل أرين في افتتاحه العام المقبل.

وظهرت الحمامات في الدول الإسلامية مع تأكيد الإسلام على النظافة والاستحمام، غير أنها كانت تقوم بدور اجتماعي، حيث يمضي النساء والرجال ساعات بداخلها للاسترخاء وتجاذب أطراف الحديث. وفي بعض الأحيان كما في حالة كيليج علي باشا يكون الحمام ملحقا بمسجد، ومن ثم يتمتع بطراز معماري رائع، ويكون الهدف منه توفير مصدر دخل للمؤسسة الدينية. وتقول أرغين «بالنسبة للنساء بصفة خاصة كان مكانا للهروب من عائلاتهن، وإذا عجز الزوج عن دفع تكلفة زيارة للحمام مرة على الأقل كل أسبوعين يصبح ذلك سببا لطلب الطلاق. كان مكانا مهما للغاية مثل صالونات التجميل والمنتجعات الصحية في الوقت الحالي». وتقابل العرائس صديقاتهن في الحمامات قبل العرس، أما بالنسبة للرجال فإنه مكان للتعارف والراحة.