رغم مضي 70 عاما.. شبح الحرب العالمية الثانية ما زال مخيما على لندن

متاحف الحروب تغصّ بالزوار.. وتشرشل الأكثر إثارة للاهتمام

جزء من المعرض الذي يقام في متحف «تشرشل» بعنوان «اكتشف الحياة في غرفة عمليات تشرشل» («الشرق الأوسط»)
TT

من منا يريد أن يعيش أيام الحرب وآلامها؟ ومن منا يريد أن يستمع إلى صفارة الإنذار وأصوات الانفجارات المرعبة، أو رؤية جثث القتلى وأشلائهم المقطعة؟ ومن منا تستهويه معاناة الأسرى والمفقودين؟ ومن منا يريد أن يكابد الأزمات التي ترافق الحروب كنقص المواد الغذائية والوقود؟ ربما الجواب لا أحد.

لكن متحفي «أمبريال وور ميوزيام» أو «المتحف الحربي الإمبراطوري»، كما تصح ترجمته، ومتحف «تشرشل»، نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، سير وينستون تشرشل، يعجان هذه الأيام بالزوار لا سيما من الطلاب والسائحين، الذين يقتطعون ساعات طوال من أوقاتهم، للعودة إلى الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، والحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) لمعايشة أحداثهما المروعة التي وقعت في أوروبا، مرجعين ذلك إلى التعلم من دروس الماضي.

وما زال شبح الحرب العالمية الثانية التي نشبت في الأول من سبتمبر (أيلول) 1939 مخيما على بريطانيا رغم مرور سبعين عاما على اندلاعها، فالبريطانيون يحيون كل عام ذكرى تلك الحرب التي اندلعت بين الدول الأوروبية وانقسمت فيها إلى دول الحلفاء التي ضمت بريطانيا وفرنسا ولاحقا روسيا والولايات المتحدة، وبين دول المحور التي قادتها ألمانيا وشاركتها اليابان، وانتهت بانتصار الفريق الأول.

وتتردد ناتاشا برتس (32 سنة) وهي مواطنة من جنوب أفريقيا وتقيم في بريطانيا، بين الحين والآخر على متحف «آمبريال وور ميوزيام» مصطحبة في كل مرة أحد أصدقائها الذين يزورون لندن، وتقول: «نحن نتعلم من أخطاء الماضي، ونأمل أن يتعلم الصغار ما الذي تعنيه الحرب، وأن يفكروا مرتين قبل أن يقرروا الانضمام إليها في المستقبل». وتضيف أن «من المهم معرفة تاريخ الحرب العالمية الثانية وكيف أسست للحروب في يومنا هذا، إنه متحف عظيم وأحب المجيء إلى هنا».

وتستطرد ناتاشا متحدثة عن بلدها لـ«الشرق الأوسط» أنه «في جنوب أفريقيا كنا بعيدين جدا عن تلك الحروب العالمية التي نشبت في أوروبا أو بقية الحروب الكبرى التي وقعت خلال المائة عام الماضية، إن أخي يعمل الآن في الجيش البريطاني، وبالنسبة لي فإن زيارة المتحف تعد شيئا من التثقيف، فمن المهم أن أعلم تاريخ هذا الجيش وطريقة تشكيلته والمعارك التي خاضها».

وخصصت الباحة الأمامية للمتحف لعرض دبابات بريطانية وأميركية وروسية وحتى ألمانية الصنع، وطائرات عسكرية ومدافع، يعود تاريخ صنع بعضها إلى بداية القرن العشرين وأخرى أنتجت على عجالة إبان الحرب العالمية الثانية لسد النقص الحاصل في الأسلحة والعتاد. ومن أكثر ما عرض إثارة للاهتمام باص مدني مصنوع على الطراز الإنجليزي، بالطابقين، ومطلي بالدهان الأحمر، غير أنه استخدم لأغراض عسكرية بحتة إذ تم من خلاله نقل عشرات الجنود إلى فرنسا حيث الجبهة الغربية من المعارك خلال الحرب العالمية الأولى، غير أنه طلي بلون رمادي آنذاك، احترازا من تعرضه للهجوم. وزينت الباص لوحة معدنية خط عليها «كي لا ننسى».

ويقول السائح الأميركي دايل فندورف (42 عاما) إنه «متحف مدهش بكل ما يحويه من طائرات حربية تاريخية مثل (بي ـ 51) أو عربات الجيب العسكرية. أحب المتاحف وأحب زيارتها، والدي كان ضابطا وقد شارك في الحرب الكورية، ولهذا أنا مهتم بكل ما يتعلق بالتاريخ».

ويضم المتحف ثلاثة أقسام رئيسية، الأول متخصص في تغطية الحرب العالمية الأولى، والثاني للحرب العالمية الثانية، أما القسم الثالث فهو لضحايا النازية من اليهود، في ما يعرف بـ«الهولوكوست». وفي القسمين الأولين قد يقضي الزائر ساعات طوال دون أن يشعر بالوقت، ففيهما كل ما يخطر على البال، وما لا يخطر، حول الحرب وتفاصيلها من أنواع الأسلحة ووسائل الاتصالات وملابس الجنود والعدد التي يحملونها والأطعمة والسجائر إلى صور من المعارك ونماذج مصنوعة لخطط القادة حول الهجمات، ناهيك عن حياة المدنيين أنفسهم وتعرضهم إلى القصف الجوي في المدن البريطانية، خصوصا تلك التي تقع على الساحل الشرقي من الجزيرة، والحصة التموينية الأسبوعية التي كانت تمنح لهم وملصقات جدارية تحذرهم من الجواسيس إلى آخره. لكن ما أضفى الإثارة على ذلك كله هو المؤثرات الصوتية التي وزعت في كل مكان، الأمر الذي يشعر الزائر معه بأنه يعيش حقا أيام الحرب وأهوالها، وقد تسري قشعريرة في الجسد لدى سماع صوت صفارة الإنذار ودوي الانفجارات وإيقاع مشية الجنود العسكرية المنتظمة وهم يتوجهون للقتال، ناهيك عن هدير محركات الطائرات وهي تلقي بحمولتها مخلفة انفجارات هائلة.

وتعرض القناة الأولى في تلفزيون «بي بي سي» هذه الأيام تقارير شبه يومية حول الحرب العالمية الثانية وتداعياتها على حياة المدنيين وكأنها حصلت في الأمس فقط. وتناول آخرها تجربة إخلاء مدرسة نفذها تلاميذ بمساعدة معلميهم، في محاكاة لما حصل بالضبط لمدرستهم ذاتها، لكن قبل 70 عاما عندما تم إخلاؤها خشية تعرضها إلى القصف من الطائرات الحربية الألمانية، في مسعى إلى أن يتعلم التلاميذ مما عاشه آباؤهم وأجدادهم. ويحظى السير وينستون تشرشل (1874 ـ 1965)، الذي انتخب رئيسا لوزراء بريطانيا، عندما كانت الحرب العالمية الثانية ما زالت مشتعلة، بحصة الأسد من الاهتمام، ليس لكونه قد قاد بلاده إلى النصر في تلك الحرب فحسب، بل لأنه أيضا القائد العسكري السابق والأديب الحاصل على جائزة نوبل.

ويقيم متحف «تشرشل» معرضا خاصا هذه الأيام يحمل عنوان «اكتشف الحياة في غرفة عمليات تشرشل»، الذي يعرض فيه الغرف التي قضى فيها تشرشل وبقية القادة ساعات خلال الأسبوع الذي سبق الإعلان عن الحرب وكذلك خلالها. ويقدم المعرض صورا ووثائق وأفلاما تسجيلية عن تلك الأيام العصيبة التي مرت بها المملكة المتحدة في قتالها ضد النازيين.

وتقول كرسيدا فنغ، مديرة المعرض، لـ«الشرق الأوسط» إن «تشرشل شخصية مهمة جدا لأنه من جاء بمبادرة عدم استسلام بريطانيا في الحرب، فقد أصبح رئيسا للوزراء، بينما كان عدد من أعضاء الوزارة يناقشون الاستسلام، ناهيك عن الكاريزما التي يتمتع بها، فقد حرص الشعب على الإصغاء لخطاباته الحماسية التي كانت ترمي إلى رفع معنوياتهم، لقد كان سياسيا وخطيبا بارعا».