رسامو شوارع باريس في أزمة

277 يورو في السنة مقابل مترين في الحي السياحي الباريسي الشهير

رسامو مونمارتر يعانون من آثار الأزمة الاقتصادية حيث لم يعد السياح ينفقون كالسابق (أ.ف.ب)
TT

إنه واحد من أجمل المواقع السياحية في باريس، يقصده السياح، مرتقين الأدراج الصاعدة إلى حي «مونمارتر»، لكي يتنزهوا في ساحة الرسامين ويقفوا أمام أحدهم فيرسم له «بورتريه» يبقى تذكارا جميلا من الرحلة الفرنسية. لكن رسامي الساحة غاضبون منذ يومين، وأوراقهم وأقلامهم تنزوي في حزن. والسبب هو أن المجلس البلدي صوت على قرار يرفع من أُجرة البقعة التي يقف فيها كل واحد منهم بنسبة تزيد على 300 في المائة.

كيف يقبل الفنانون المحكومون بالرسم على قارعة الطريق بإجحاف مثل هذا؟ حتى الأمس القريب كان الرسام يدفع 80 يورو في العام كرسم للبلدية، مقابل مترين في متر واحد، ينصب عليها حمالة اللوحة وكرسيا سفريا لجلوس الزبون. لكنه اليوم مطالب، حسب القرار الجديد، بدفع 277 يورو في العام. هل هو مبلغ باهظ لا يقدرون عليه؟ أم أن الزيادة، رغم ارتفاع نسبتها، تبقى تافهة إزاء ما يكسبه الواحد منهم في اليوم؟ وما صحة ما يقال عن «ثروات صغيرة» يجمعها رسامو «مونمارتر» من المهنة التي تبدو للبعض أشبه بالتسول الأنيق وليس كعمل إبداعي يشترط موهبة فائقة؟ هل في مقدور أي كان أن يرسم لك صورة طبق الأصل، مع بعض التحسينات، في غضون نصف ساعة أو أقل؟

في بلدية الدائرة الثامنة عشرة من باريس، علقت عفاف جبلوتو، نائبة الرئيس للشؤون التجارية، في حديث لصحيفة «20 دقيقة» بالقول إن رسامي الحي كانوا دائما من أصحاب الامتياز وهم سيبقون كذلك. وأضافت أنها تعتبر الزيادة في الرسم المطلوب منهم هو أقل بكثير مما يدفعه تاجر صغير ممن يبيعون بضاعتهم على الرصيف. وقالت «إن أمكنتهم تساوي وزنها ذهبا».

لعل ما لا يعرفه السياح أن نسبة كبيرة من رسامي «مونمارتر» هم من العرب. فقد مرت على أرصفة ساحة «تيرتر» التي ينتشرون في أرجائها جحافل من المغاربة والعراقيين وبعض المصريين والسوريين، على مدى العقود الأربعة الأخيرة، قبل أن تأتي الهجمة الصينية في السنوات الأخيرة. وما زال هناك فنانون قديرون ومعروفون يواصلون الرسم على الرصيف لأنه يضمن لهم موردا يصعب توفيره من إقامة المعارض الخاصة أو المشتركة، نظرا لصعوبة العثور على صالة للعرض والنسبة العالية من أرباح البيع التي يستوفيها أصحاب الصالات من الفنانين.

وهناك رسامون عرب كانوا من خريجي المعاهد الفنية في بلادهم وجاءوا طلابا للدراسة في مدرسة الفنون الجميلة في باريس. وهم قد مروا بمرحلة الرسم في الساحة ثم عادوا إلى بلادهم يحملون شهادات عليا وصاروا أساتذة في الجامعات. لكن يبقى السؤال عن المبالغ التي يكسبها رسامو ساحة «تيرتر» سرا يحفظونه جيدا فيما بينهم ويرفضون التطرق إليه، تفاديا للضرائب، خصوصا أن السياح يدفعون لهم مبالغ نقدية تصعب الإحاطة بها، لا صكوكا. ويكفي أن نعرف أن ثمن «البورتريه» غير الملون الواحد يتراوح بين 60 و100 يورو، وأن الرسام ينجز ما لا يقل عن 3 رسوم في اليوم. وهناك من يبيعون لوحات زيتية ملونة مستوحاة من أجواء الحي وكنيسة «القلب الأقدس» القريبة منه والمقاهي التاريخية المنتشرة فيه، ويصل الثمن إلى أضعاف الأرقام المذكورة.

ردا على مزاعم الثروة، قال الرسام الميداني مباركي، رئيس جمعية «باريس مونمارتر»، إن الأجرة الجديدة ستثقل على كاهل بعض الرسامين، لكن المشكلة لا تكمن فيها بل في الظروف الصعبة التي يعملون فيها، فهم أشبه بالاستعراض الحي الذي يأتي السياح من العالم كله للفرجة عليهم. وبدون وجود الرسامين في الحي، ستتعطل كل المرافق السياحية الأُخرى الموجودة في الساحة والأزقة المتفرعة عنها. وختم مباركي كلامه بالقول «إن لاسم مونمارتر وقع السحر، وهذا ليس بفضل العمدة الاشتراكي، فهم في البلدية يعاملوننا مثل الكلاب». وبسبب أهمية الرسامين الذين يشكلون عصب المنطقة، تضامن معهم أصحاب المقاهي المجاورة، ومنهم «توتو» الذي يعمل في الحي منذ 40 سنة. ويقول هذا الأخير إن على البلدية أن تلاحق الرسامين الجوالين الذين يتنقلون مع أوراقهم ولا يدفعون الرسوم. وينوي الفنانون الثابتون التقدم بشكوى ضد زيادة الرسوم السنوية وقد حرروا عريضة وقع عليها 659 ساكنا من أهل الحي، حتى الآن.

يشكو الرسامون أيضا من أنهم مطالبون بإنتاج مادة ثقافية تحت نظر السياح، أي مثل فناني المسارح الذين يقدمون عروضا حية للجمهور، بينما يبيع أصحاب الدكاكين القريبة لوحات تجارية مكررة مصنوعة في مطابع شرق آسيا وبلا حساب. ولهذا فإنهم يطالبون برد الاعتبار لمهنتهم. ثم إنهم يشتغلون في البرد وتحت المطر، وقد انسحبت عليهم أعراض الأزمة الاقتصادية العالمية ولم يعد السياح يدفعون بسخاء كالسابق.