أبرز الخطاطين البوسنيين.. عصامي لم يدرس في معهد

الفنان ميرصاد سمايوفيتش لـ «الشرق الأوسط» : أمنيتي أن أقيم معارض في البلاد العربية

الخطاط ميرصاد سمايوفيتش بين بعض لوحاته الرائعة («الشرق الأوسط»)
TT

أسماء كثيرة لامعة في عالم الفكر والثقافة لم يكن لها حظ كبير في التعليم النظامي، لكنها تركت بصماتها على عالم الفكر والأدب والشعر وحتى العلوم. ولم تخل بلاد من هؤلاء العصاميين، بما في ذلك البوسنة والهرسك التي لمع فيها الفنان الرسام والخطاط ميرصاد سمايوفيتش (42 سنة) الذي التقته «الشرق الأوسط» في معرض الخط العربي الذي أقامه أخيرا في العاصمة سراييفو. وكان سمايوفيتش قد حصل على جائزة عالمية للخط في مسابقة الخط العربي التي أقيمت في لاهور بباكستان عام 2004. كما أقام عددا من المعارض في مدن كثيرة أوروبية بينها برلين وأمستردام واستوكهولم وبروكسل وباريس.

سمايوفيتش قال خلال حديثه: «أفضل المعارض التي أقمتها كان معرضي في برلين عام 2006، ففيه بعت الكثير من اللوحات، وأقبل الألمان بشكل مثير للدهشة على شراء لوحاتي على الرغم من أنها كلها كانت تتضمن آيات من القرآن الكريم». وتابع «وحتى في المعرض الذي أقمته بمناسبة شهر رمضان المبارك كانت أول لوحة أبيعها من نصيب شخص غير مسلم». وعما إذا كان قد زار أي بلد عربي، نفى الفنان ذلك، قائلا «لم أتلق أي دعوة بعد لزيارة البلاد العربية، وإن كانت أمنيتي زيارة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولا سيما دبي، وقطر والكويت، وكذلك مصر والمغرب، وغيرها من الدول العربية العريقة في فن الخط العربي.. ولدي رغبة خاصة في رؤية مكة المكرمة والمدينة المنورة وذلك منذ 10 سنوات وأكثر».

من ناحية ثانية، قالت زائرة للمعرض تدعى نادية مهراروفيتش «على الرغم من أنني لا أفهم اللغة العربية، فإنني عزمت على اقتناء إحدى اللوحات التي أعجبتني، وباعتقادي أنها أجمل من أي لوحة زيتية أو طبيعية». وأردفت «نحن نحب العربية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عربي، ولأن القرآن نزل باللغة العربية». وقال زائر آخر يدعى نرمين إسماعيلوفيتش «رأيت لافتة في الخارج تتحدث عن المعرض، فدفعني الفضول إلى الدخول، ولقد بهرت حقا باللوحات المعروضة، لكنني طالب وليس بمقدوري شراء اللوحات التي أعجبتني، وأتمنى لو تقوم المؤسسات التعليمية والثقافية الأخرى بشراء هذه اللوحات وعرضها على جدران مقارها نشرا للمعرفة التي تحتوي عليها الآيات، بعد إضافة الترجمة، ومساهمة في تعميم الفن الجميل المتمثل في هذا الخط الرائع».

الواقع أنه يشهد للخطاط ميرصاد سمايوفيتش كثيرون من أرباب الصنعة بأنه «فلتة» في مجاله. ولقد وصفه مستشار وزير الثقافة البوسني منصور بردار بأنه «مثال حي للفنان العصامي، والمبدع الموهوب، وهو آية من آيات صنائع الحب القرآني في العصر الحديث. فحبه للقرآن صنع منه خطاطا كبيرا يلقى الود والاحترام في أي مكان حل، وأي زمان يحط فيه الرحال، لينشر عبق القرآن من خلال جمال الخط العربي، الذي سحر بدوره ولا يزال الكثير من المهتمين بالفن الجمالي، حتى عده البعض مدرسة خاصة من مدارس الفن التشكيلي، وليس مجرد وجها من وجوه الرسم للخط العربي الخالد».

أما الجانب الذي يدهش الكثير من الخطاطين المحترفين والأكاديميين، فهو أن ميرصاد لم يتعلم فن الخط في مدرسة، ولم يتخرج في معهد مختص، ولم يدرس في أكاديمية فنية، بل علم نفسه بنفسه، وكانت بدايته في الكُتّاب. وهو عن ذلك يقول «لم أتعلم فن الخط من أحد سوى تلك الدروس الأولية التي تلقيتها في كُتّاب القرية، والتي عرفت من خلالها الحروف العربية. وقد ملك الحرف العربي شغاف قلبي، ولا سيما تلك الآيات القرآنية التي يلاحظها رواد المساجد في البلقان، والتي تزدان بها جدران بيوت الله في كل مكان». أيضا تتأكد عصامية هذا الفنان بأنه لم يسبق لأحد من أفراد أسرته أن كان خطاطا. وكان دائما يقول لنفسه «سأكون أول الخطاطين في أسرتي وسأعلم ذلك لأبنائي وأحفادي ليرثوا هذا الفن الزاخر بالغائية والمبهر للأنظار»، وأضاف أن ابنه علي (4 سنوات) بدأ يتعلم منذ الآن فن الخط.

والحقيقة أنه لم يستطع النقاد والخطاطون المحترفون إظهار أي خطأ، سواء في ما يتعلق بفن الخط أو كتابة الآيات القرآنية عند ميرصاد مع أنه لا يجيد اللغة العربية. وبتواضع يقول ميرصاد سمايوفيتش «كثيرون من خبراء المهنة يعترفون لي بالتفوق بشكل يحرجني أحيانا، ويقولون إن هذا مذهل للغاية». ويقول أحد هؤلاء وهو الدكتور حاجي عميروفيتش: «حقا الخطاط ميرصاد من عجائب الدنيا.. فهو لم يتلق هذا الفن على يد أحد سوى تلك البدايات داخل الكُتّاب، ولكنه يتفوق على الكثير من الخطاطين الذين أمضوا وقتا طويلا في تعلم هذا الفن في المعاهد والأكاديميات المختلفة». وحسب الدكتور عميروفيتش فإن لوحات ميرصاد لا تضاهيها حتى الآن أي أعمال مماثلة في منطقة البلقان.

وعن الوقت الذي يحتاجه لإعداد لوحاته الرائعة، ذكر ميرصاد سمايوفيتش «هذا أمر تؤثر فيه عدة عوامل، منها الاستعداد النفسي، والجو العام الذي يجري فيه العمل. فبعضها يستغرق بضع ساعات وبعضها يستغرق أياما، وكل لوحة تحتاج لطاقة معينة وروح مفعمة بالحب لفن الخط». ثم قال إن حبه للإسلام وإيمانه هو سر تفوقه وإبداعه في فن الخط، «فالإيمان يصنع المعجزات». وعما إذا كان بإمكانه العيش من عمله قال إنه راض عن الدخل الذي يدره عليه الخط من خلال بيع لوحاته، متابعا «أستطيع العيش من هذا العمل وتربية ابني، فهذا الفن ليس حكرا على المسلمين، وإنما هو فن عالمي رغم احتوائه على آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة. وغير المسلمين يسألونني عن معاني الآيات المكتوبة بلغاتهم فأوضح لهم ذلك حسب الترجمة التي لديّ. وكثيرا ما يكون ذلك دافعا إضافيا لاقتناء اللوحات».

وحول رضاه عن إقبال الجمهور على معرضه الأخير، قال «المعرض لم يخل أبدا من الزائرين المحليين والسياح الأجانب، كما أن الإقبال على الشراء كان جيدا على الرغم من الأسعار المرتفعة نسبيا، فسعر اللوحة كان بين 250 و600 يورو».