كأس مغولية ولوحة أندلسية ومجلس قيس وليلى .. في مزاد «سوذبيز»

فنون العالم الإسلامي بخير رغم الأزمة المالية

أكواب للقهوة من عهد الدولة العثمانية (تصوير: حاتم عويضة)
TT

على الرغم من العاصفة المالية التي أثرت على أسواق الفنون في العالم، فإن سوق الفن الإسلامي لا تزال بعافية مقارنة بحال أقسام الفنون الأخرى، هذا ما يؤكده خبراء دور المزادات «سوذبيز»، و«كريستيز» لعملائهم، وبهذا التأكيد بدأ بنيدكت كارتر، خبير الفن الإسلامي والهندي في دار «كريستيز»، حديثه مع «الشرق الأوسط» أثناء جولة شملت معروضات مزاد الفن الإسلامي الذي تقيمه الدار في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في مقرها بشارع بوندز ستريت في لندن.

تتصدر المعرض قطعة فنية نادرة وهي كأس للشرب من اليشم تعود إلى العصر المغولي وتحمل شعار دولتي فرنسا ونافار، وهو ما قد يعني أن تكون تلك الكأس قد صنعت كهدية من الإمبراطور المغولي إلى البلاط الملكي في فرساي. والكأس من أملاك عائلة روثتشايلد منذ شرائها في عام 1882 في أحد المزادات الكبرى، والكأس واحدة من ثلاث أخر من عصر المغول مصنوعة من اليشم، الأولى ضمن مجموعة متحف «ناشيونال بالاس» في تايبييه، والثانية في متحف «كونشيستوريشيس» بفيينا. وتتميز الكأس التي تعرضها «سوذبيز» بأنها الوحيدة التي تحمل شعار دولة، ويتوقع أن تحصد مبلغا يتراوح ما بين 200 إلى 300 ألف جنيه إسترليني.

في إحدى الحجرات الجانبية تقبع الكتب والمخطوطات بعيدا عن الضجة التي تصاحب القطع الفنية الضخمة، فالكتب والمخطوطات لها زبونها وطالبها الذي يتفحصها في هدوء وتأنٍ، ومن تلك المخطوطات التي تقدمها الدار كتاب «المسائل في الطب للمتعلمين» لابن إسحاق، المقدر بيعه بمبلغ ما بين 20 إلى 30 ألف جنيه إسترليني، وهناك أيضا كتاب «مجموعة المتوسطات» لنصر الدين الطوسي (30 ـ 50 ألف جنيه)، وعدد من اللوحات المصورة من ملحمة «الشاهنامه» للفردوسي، ورقع للخط العربي، بالإضافة إلى خريطة ضخمة من عصر الدولة العثمانية مرسومة على القماش تصور قلعة مدينة بلغراد، وهي من الخرائط التي حرص المؤرخون في القصر السلطاني على توثيقها ضمن مجموعة أمثلة تدل على القوة والسطوة التي تمتعت بها الدولة في النصف الأول من القرن السادس عشر.

ويشير كارتر إلى أن سوق المخطوطات تعتبر جيدة على الدوام، فلها طلابها المخلصين «خصوصا بالنسبة لكتب الطب والرياضيات».

ومن المخطوطات إلى ركن صغير احتلته لوحة صغيرة من الحرير الصيني تعود إلى عهد الدولة الناصرية في غرناطة ويقدر سعرها بـ40 إلى 60 ألف جنيه إسترليني، اللوحة التي تميزت بألوانها الثابتة وحالتها الجيدة ليست الوحيدة التي تعود إلى فترة حكم العرب في الأندلس، فالمزاد يضم أيضا قطعتين أخريين من الخزف من فالنسيا.

الغرفة الرئيسية للمعروضات تضم الأسلحة والعتاد، وهي على حد تعبير كارتر من أكثر القطع شعبية لدى المشترين، فسوق الأسلحة كانت ولا تزال تتمتع بالعافية. على جانبي القاعة تصطف البندقيات المزخرفة في صفوف منتظمة على الحائط يقابلها على الحائط الآخر سيوف في جوارب ملونة يفخر كل منها بتاريخ وصانع ماهر ومالك شهير. البندقيات تتميز كلها بالزخارف التي تغطي كامل المساحة العليا، وبعض منها يبدو وكأنه مصنوع للزينة، من كثرة زخارفه والأحجار الكريمة التي طعم بها. يشير كارتر إلى إحدى البندقيات التي صنعت مقدمتها من العاج وزخرفت باستخدام الأحجار الكريمة والذهب وزخرفت الأرضيات بالموزاييك الدقيق. البندقية تعود إلى العصر العثماني وتحمل شعار السلطان محمود الأول، وأيضا اسم صانعها خضر بن محمد. ويشير دليل المعرض إلى أن البندقية هي الوحيدة التي تحمل شعار السلطان محمود الأول من القرن الـ18، ويتوقع لها سعر يتراوح ما بين 20 إلى 25 ألف جنيه إسترليني.

ومن القطع النادرة في المزاد، هناك قارورة لشرب الماء من العهد العثماني، في النصف الثاني من القرن السادس عشر، مصنوعة من النحاس المذهب وزينت بنقوش على هيئة أزهار ونباتات. القارورة واحدة من ثلاث صنعت في نفس الفترة، إحداها في متحف «الطوبكابي» بإسطنبول. والسعر المقدر للقطعة يقدر بما بين 80 إلى 120 ألف جنيه إسترليني.

قسم اللوحات أيضا تميز بالقطع النادرة والمميزة في أسلوبها وقيمتها الفنية، ولعل أهم تلك اللوحات هي للسلطان فتح علي شاه كاجار (1797 ـ 1834)، التي يعتقد أنها من عمل الفنان مهر علي. ويشير دليل المزاد إلى أن وجود 15 لوحة كبيرة الحجم للشاه، منها 7 لوحات بيعت في مزادات دار «سوذبيز» في السابق و4 أخر تقبع داخل مجموعات متاحف ومؤسسات غربية، منها المكتبة البريطانية ومتحف فرساي الوطني، و2 في متحف «الهيرميتاج» في سانت بطرسبرغ.

اللوحة تصور الشاه وهو في زي الحكم، في رداء موشّى بالجواهر مع خنجر مطعم بالجواهر أيضا، وهي تشير إلى القوة والجاه الذي تمتع بهما الشاه.

وفي الصالة نفسها لوحة تستوقف الناظرين، فهي تصور لقطة من مجلس ليلى والمجنون، حيث يجلس قيس ابن الملوح عاري الصدر هزيل الملامح وتجلس بجانبه ليلى تحمل باقة من الأزهار في يدها وتحيط بهما مجموعة من الحيوانات الأليفة. اللوحة تحمل توقيع الفنان الشهير محمد زمان رسمها في عام 1770.

يضم المعرض أيضا مجموعة من المجوهرات التي تعود لإحدى الأسر الملكية في العهد العثماني، ومن تلك القطع مجموعة من أكواب القهوة المرصعة بالألماس واللؤلؤ من القرن التاسع عشر، وصنعت خصيصا للبيع في أسواق الدولة العثمانية، وأيضا مرشات لماء الزهر، صنعت على شكل وردتين، مطلية بالذهب ومرصعة بالألماس والياقوت، وقطعة مماثلة على شكل وردة مذهبة تحمل طائرا من المعدن نفسه، وتستخدم هذه القطعة كمبخرة. وهناك أيضا قطعة من الفضة المطعمة بالألماس تستخدم كمشبك حزام وساعة جيب نادرة صنعت في سويسرا في القرن الـ19.

المزاد لا يخلو من قطع السجاد النادرة التي يعشقها المولعون بالتحف، ولعل أهم تلك القطع هي سجادة صلاة من فارس مصنوعة من الحرير والصوف تعود إلى نهايات القرن السادس عشر وبدايات السابع عشر، ويتوقع أن تباع السجادة بمبلغ يتراوح ما بين 80 إلى 120 ألف جنيه إسترليني. وتبدو الكتابات على السجادة بحالة جيدة وهو ما يشير إلى أنها ربما كانت هدية من البلاط الفارسي إلى السلطان العثماني بمناسبة اتفاقية الصلح التي أبرمت بين الإمبراطوريتين.

يلفت النظر في إحدى القاعات دولاب من الخشب المطعم بالفضة والنحاس وهو على ما يشير كارتر من القطع التي صنعت في بدايات القرن العشرين قد يعود إلى مصر أو سورية ويستلهم الطابع المملوكي في تضافر الزخارف العربية والأرابيسك.