مدارس حكومية أميركية تتبنى أعمالا فنية من أجل التشجيع على التعليم

تتحدى الأفكار القديمة أن مباني المدارس مصممة للوفاء بمتطلبات السلامة ويجب الانتهاء منها بأسرع وأقل تكلفة ممكنة

تعتمد بعض المدارس الاميركية على استخدام الاعمال الفنية كوسيلة للتعلم (نيويورك تايمز)
TT

يتعلم طلبة الرياضيات في أكاديمية «كريستوفر كولومبوس فاميلي» عن الزوايا بقياس أشكال غريبة من البالونات المليئة بالهواء الساخن والطائرات الورقية الموجودة داخل جدران مدرستهم.

ويتوصل طلاب الفصل السابع إلى الاتجاهات برسم خرائط لتماثيل الرياح الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية التي تمثل لهم أطراف البوصلة. ويدرس طلاب الفصل الخامس علم النجوم بالبحث عن مجموعة نجوم «كاسيوبيا» في سماء ليلية مرصعة تمتد بطول الردهة.

وتدخل مدرسة «كولومبوس» فن النحت وفنونا أخرى في كل ركن تقريبا من أركان مبناها الذي يبلغ من العمر عاما واحدا أملا في أن يلهم الطلاب في ذلك الحي الهسباني الذي تسكنه الطبقة العاملة. إنها واحدة من عدد متزايد من المدارس الحكومية المبنية حديثا أو المجددة في جميع أنحاء البلاد التي تبدو مراكز ثقافية أكثر منها أماكن متواضعة فائدتها التعليم كما كان في الماضي، حيث تعرض أعمالا تستحق أن تكون في متاحف، بالإضافة إلى مزيد من الأعمال الفنية التقليدية وتماثيل لمشاهير المدرسة.

ووضعت مدرسة «كولومبوس» أيضا دليلا للمناهج الدراسية في الخريف الحالي لكيفية استخدام تلك السمات المعمارية غير التقليدية في الفصول.

وتقول آبي بينيتز، مديرة أكاديمية «كولومبوس»: «إن النظر إلى الأعمال الفنية ليس مجرد عمل جمالي، ولكنه مصدر للتعلم. لقد وضعنا إطارا للجميع ليجدوا صلة بين الفن والمبنى، ومع المبنى ذاته».

وتظهر نيو هافن في مقدمة حركة لبناء المدارس التي تتميز بالجمال الفني بالإضافة أيضا إلى قيامها بوظيفتها، ولتحويل الجدران المبنية من الطوب إلى مصدر لتقديم المعلومات. وتجمع 14 من بين 31 مدرسة تم بناؤها أو تجديدها هنا في العقد الماضي بين الفن والعمارة من جانب والتعليم من جانب آخر بصورة أو بأخرى.

ويقول توم روجر، مدير برنامج إنشاء المدارس في المدينة، وهو المشروع الذي يتكلف أكثر من مليار دولار: «تفخر نيو هافن بالجمع بين الفن والأفكار، لذا توفر بيئة جيدة لتنفيذ مثل ذلك البرنامج». وفي مدينة نيويورك، حيث تملك المدارس أحد أكبر مجموعات المقتنيات الفنية العامة في العالم، تمتلك نحو نصف المباني الجديدة البالغ عددها 23 مبنى والتي تم افتتاحها في الخريف الحالي أعمالا فنية في تصميمها وعمارتها، كما يقول مسؤولو المدينة. وعلى سبيل المثال، يوجد في مدرسة «فرانك سيناترا» للفنون في أستوريا، كوينز، واجهة زجاجية حفرت عليها أسماء مئات من الفنانين وقاعات تعرض مقاطع فيديو لأنشطة الطلاب.

وفي جميع أنحاء البلاد، افتتحت لوس أنجليس واحدة من أغلى المدارس الثانوية تكلفة على الإطلاق، وتتكون من مجمع تكلفته 232 مليون دولار من الأشكال الهندسية الفضية في مدرسة للفنون المرئية والمسرحية.

وتقول شانون هابر، المتحدثة باسم الإدارة التعليمية في لوس أنجليس: «لا تتشابه تصميمات مدارسنا. بل تستعين مدارسنا بألوان مبهجة وتصميمات معقدة، ولا تستخدم التصميم المعماري نفسه لكل واحدة منها».

ويقول المعلمون والفنانون المعماريون إن تلك المدارس الجديدة تتحدى الأفكار التي كانت مقبولة في الماضي والتي ترجع إلى فترة الخمسينات من أن مباني المدارس مشروعات ليست بها أية مميزات خاصة وهي مصممة للوفاء بمتطلبات السلامة ويجب الانتهاء منها بأسرع وأقل تكلفة ممكنة، خاصة في المدن والضواحي المتنامية.

يقول روجر: «كان الناس يعتقدون أن المدارس مخازن للأطفال. إنها مثل الصندوق، فلماذا نحتاج لأن تكون مكانا لطيفا؟».

ولكن يقول روجر وآخرون إن تلك الفكرة بدأت في التغير، حيث أدت المخاوف بشأن شؤون صحية وبيئية حول التهوية والإضاءة إلى وضع معايير أعلى لبناء المباني المدرسية. وسمحت أيضا وسائل التكنولوجيا الحديثة الموفرة للتكاليف للمهندسين بتصميم مباني المدارس بطريقة لم تكن ممكنة من قبل. وفي الوقت الحالي أصبح الفن جزءا لا يتجزأ من كثير من المدارس الجديدة والقائمة، بدعم من التبرعات التي يدفعها أولياء الأمور ومنح الحكومة المحلية.

وعلى سبيل المثال، أنفقت ولاية واشنطن 509.744 دولارا لإنتاج ووضع أعمال فنية في 14 مدرسة حكومية في العامين الماضيين. ومنحت ولاية مين، التي تتبنى برنامجا مشابها، مدرسة «ديريغو» الابتدائية في بيرو تماثيل ولوحات قيمتها 44.400 دولار العام الماضي لوضعها في مكتبتها وكافيتريتها وقاعاتها. وتقول مديرة المدرسة كاثي ريتشارد: «نحاول دائما أن نربط بين ما ندرسه للطلاب وبين الواقع، فكم هذا جيد؟».

وفي ضاحية نيدهام في بوسطن، جمع أولياء الأمور 75.000 دولار من أجل دفعها مقابل ثلاثة أعمال نحتية عملاقة معلقة؛ شكل مادة الـ«دي إن إيه» الحلزوني، واسطوانة معدنية تحمل مسائل رياضية، ومذنب طائر، وتم وضعها العام الماضي في ساحة المدرسة الثانوية وساعدت على إضافة جزء جديد عن الفنون إلى المنهج.

وهنا في نيو هافن، أقامت مدرسة «كولومبوس» الجديدة مبناها مكان مبنى يعود إلى بداية السبعينات كان يشبه مستودعا من الأسمنت وكان العمل الفني الوحيد فيه هو لوحة جدارية موجودة في الكافيتريا، وكان من الصعب رؤيتها بسبب ضعف الإضاءة. وتبلغ قيمة الأعمال الفنية الموجودة في المبنى الذي تكلف 31.4 مليون دولار 182.495 دولارا.

ويقول باري سفيغالز، المهندس المعماري المسؤول عن المشروع، إنه تخيل مكانا يعزز من مهمة المدرسة في التعليم من خلال الاكتشاف وفي الوقت ذاته إمتاع الطلاب. وتوجد سلسلة من 11 لوحا من الألياف الصناعية، تبدو وكأنها مصنوعة من التراكوتا، خارج المبنى، تشبه لعبة البازل مع مجموعة من الأشكال التي تعبر عن الرياح والماء، ومنها مظلات وطيور وسفن كولومبوس.

ويوضح سفيغالز، الذي درس النحت لمدة عام في باريس: «إنها ليست صورة أو عملا نحتيا على جدار. بل تتداخل بلا مفر مع معمار المبنى».

ويقول سفيغالز، على سبيل المثال، إنه خطط لوضع تمثال من البرونز بالحجم الطبيعي لأحد أفراد طاقم كولومبوس وهو يرى اليابسة في مكان ما من الجدار. ولكنه غيّر من تصميم المدخل الأمامي ووضع التمثال فوق صارٍ مرتفع على عمود من الصلب، يخرج من مظلة خشبية، والمقصود منها أن تشبه أسفل السفينة.

وفي صباح أحد الأيام في فصل رياض الأطفال، جلس 22 طفلا يرتدون زيهم الأزرق في الفناء ومعهم معلمتهم ميليسا ساندز، لتشرح لهم أنواعا مختلفة من الخطوط. وقالت: «لنبحث عن خط مائل». وهزت رأسها عندما أشارت طفلة إلى عمود إنارة.

وجرى صامويل أوثاوت (4 سنوات) إلى شكل منحوت على صورة طائرة ورقية على الجدار وأشار إلى أطرافها. وقال: «عندما تنظر إليها، تساعدك على التعلم».

وتقدم مدرسة «كولومبوس»، التي تضم 415 طالبا من رياض الأطفال وحتى الصف الثامن، فصولا باللغتين الإنجليزية والإسبانية. وتزيد نسبة الطلاب الهسبانيين عن 90 في المائة، ويحصل 89 في المائة من الطلاب على وجبات غذاء مجانية أو مخفضة.

تقول روز نونيز إيفانز، متخصصة الإعلام في المكتبة والتي تخطط للاستعانة بالأعمال النحتية للطيور كنقطة بداية لشرح درس عن الهجرة: «دائما ما تكون رحلاتنا الميدانية إلى متاحف فنية ومعارض. ولكن عندما تأتي إلى هنا وترى ذلك، يمكنك أن تبدأ في شرح الدروس». وتقول مونيكا مالدونادو، رئيسة مجلس الآباء في المدرسة، إن «المزيد من الطلاب يريدون المجيء إلى المدرسة الآن لأنهم وجدوا كثيرا من الأشياء التي تشاهدونها في المبنى. ويتوقف أيضا المارة الذين ليس لديهم أطفال ليسألوا عن تنظيم جولات داخل المكان».

وتقول ناتيسيل لوبيز (12 عاما) وهي طالبة في الصف السابع، إن الأعمال الفنية الموجودة على الجدران جميلة للغاية لدرجة أنها غالبا ما تتوقف للتمعن فيها، وإنها أيضا حاولت أن تصنع مثلها ونجحت بعض الشيء.

وتقول: «إنها رائعة. إنها تحفزني من أجل البحث عن أشياء جديدة أقوم بها».

* خدمة «نيويورك تايمز«