الفرنسية مارتين سيوتا تعرض في بيروت لوحاتها «المنسوجة»

تستلهم من الشرق القصات والأقمشة والألوان الترابية الدافئة

جانب من المعرض («الشرق الأوسط»)
TT

تقدم الفنانة الفرنسية مارتين سيوتا مقاربة جديدة لموضوع معرضها الذي يحتضنه المركز الثقافي الفرنسي في بيروت. فهي لا تعرض لوحات تشكيلية زيتية أو مائية ولا هي تقدم تجهيزات غريبة، بل تعرّف الزائر إلى أهم سيدات التقتهن على مر السنوات خلال أسفارها المتعددة ومكوثها في أماكن مختلفة في أوروبا وأفريقيا وصولا إلى استقرارها في العاصمة السورية منذ أكثر من 15 عاما. هؤلاء السيدات اللواتي يملأن قاعة المركز، طبعن حياتها بقصصهن ونصائحهن وأذواقهن، كلّ منهن تركت «أثرا ما» لدى الفنانة.

وهذا «التقديم التكريمي» لا يتجلى ببورتريهات أو صور فوتوغرافية أو أخرى مشغولة وفق تقنية الـ«كولاج»، بل بأنصاب خشبية (بارتفاع نحو 80 سنتيمترا)، كستها سيوتا وفقا لذوقها الأنثوي الذي يبدو أنه يستلهم من الشرق القصات والأقمشة والألوان الترابية الدافئة. والجدير بالذكر أنها تلج إلى عالم الفن هذا انطلاقا من عالم تصميم الأزياء. لذلك فإن تركيزها على الأقمشة والخيوط والزخرفات ليس غريبا عمن خبرت هذه المواد حتى حولتها عجينة طيعة بين أناملها التواقة إلى الاحتفاء بالأنوثة الشرقية ذات الجمال المتواري.

ولم يغب عن بال الفنانة تزيين نسوتها التسع والأربعين، فقد جعلت حول أعناقهنّ «جواهر» إما منقوشة أو موقّعة بأحرف عربية وإمّا خالية من أي علامة لتترك للأشكال المتدلية إبراز الطابع الشرقي.

صحيح أن الانصاب كلّها موحّدة المقاسات وبهيئات متشابهة، إنما ذلك لا يعني رتابة رغم التكرار، ذلك أن الوجوه بتعابيرها مختلفة والملابس على «توحّدها» متباينة الأشكال والألوان والتصميم، ذلك أن صاحبتها اعتنت بإلباس كلّ سيدة ما يليق بها إنما من دون الخروج عن النمط الشرقي. والاهم أن لكلّ سيدة ملامح خاصة، واحدة جادّة ثانية أكثر حميمية ثالثة جامدة ورابعة تخفي حزنها، إنما لجميعهن تلك الأعين المتّسعة النافرة، قد يكون هذا أكثر ما لفت سيوتا في نظرتها إلى المرأة الشرقية. واللافت أن لجميعهن ثغرا صغيرا، وكأنهن يخشين التحدّث أو الإفراط بالكلام. يتمتّعن بذلك الهدوء وتلك القامة التي لا تعرف انحناءة، يلزمن الصمت. حتى أن الفنانة ثبّتت أرجلهن في صناديق دمشقية وكأنها أرادت بذلك أن تلفت إلى تجذّر المرأة في أرضها. تستقبل سيوتا الزائر بجداريتين مستطيلتين متدليتين من فوق، وعلى كل منهما دوّنت أسماء «سيداتها» مع مقتطفات سريعة عن كل واحدة منهن. وإلى جانب كل جدارية أسدلت مستطيلا أكثر اتساعا، أفرغت عليه أشكالا من مخيلتها مستعينة بالأقمشة والخيوط وكأنها جعلت منها ملوناتها التي بها تنسج وتطرّز وتخيط. واللافت أنها وبعدما «هيأت» السيدات، لم تتركهن وحيدات لأنها وضعت خلف كل واحدة جدارية وكأنها بذلك تقدّم خلفيات لأشخاص موضوعها. وهذه الخلفيات ليست موحدة اللون إنما مشغولة بعناية لتعكس بضبابية وجوه سيداتها.

تجدر الإشارة إلى أن سيوتا درست في معهد فنون الديكور في باريس. وسبق أن عرضت أعمالها في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق وفي بيت الشرق في ليون (1999) وبينالي التصميم في سانت إتيان وفي متحف الأشغال اليدوية في مرسيليا (2006) وفي فندق فونفريد في كليرمون فيران (2007) وكذلك في ملتقيات آرل للتصوير في عام 2008.