معرض في باريس يستعيد مسيرة بريجيت باردو بمناسبة بلوغها 75 عاما

مكتشفها فاديم وعدها بأن يجعلها الحلم المستحيل لكل الرجال المتزوجين

جزء من معروضات معرض «باردو» المقام في باريس حاليا (أ.ف.ب)
TT

العرب في فرنسا لا يحبونها لأنها تهاجم، بعبارات قاسية، طرائقهم في نحر الخراف. وقد رفعوا عليها أكثر من دعوى أمام القضاء وكسبوها. أما الفرنسيون فإنهم يعشقونها ويعتبرونها من رموزهم الوطنية. أليست هي بريجيت باردو، الممثلة التي قال عنها الجنرال ديغول، ذات يوم، إنها ثروة قومية مثل طائرات الميراج وعطور شانيل؟

كبرت باردو التي كانت رمزا للإغراء وصارت في الخامسة والسبعين من العمر، عجوزا أكلت التجاعيد وجهها الذي يرفض عمليات الشد والجذب، تكرس وقتها وثروتها للدفاع عن الحيوانات. وبهذه الناسبة يقام عنها معرض في ضاحية «بولون» اللصيقة بباريس، حيث توجد الاستوديوهات القديمة للسينما الفرنسية، يجمع أكثر من ألف صورة لها. ولا يملك زائر المعرض إلا الإقرار بأن تلك المراهقة التي اكتشفها المخرج الروسي الأصل روجيه فادم وقدمها في فيلم «وخلق الله المرأة»، كانت جميلة إلى حد موجع، وجذابة بشكل مسح كل الممثلات الموجودات في الساحة وجعل منها نجمة شهيرة منذ ذلك الدور الأول.

كانت باردو هي «الحدث» السينمائي طوال فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وتميزت بعينيها اللتين تشع منهما نظرة طفولية بريئة مركبة على قوام يفيض أنوثة. ولم يكن زوجها الأول ومكتشفها مخطئا حين قال لها «سأجعل منك الحلم المستحيل لكل الرجال المتزوجين». وهي قد تزوجت بعد فاديم عدة مرات، ولم تنجب سوى ولد وحيد ظلت علاقتها به متوترة، خصوصا بعد أن اعترفت في مذكراتها بأنها لم تكن ترغب في إنجابه وفعلت كل ما في وسعها للتخلص منه. إن صراحتها لا تستثني أحدا. وشخصيتها تجمع بين الحس الإنساني الذي يكرسها سفيرة عالمية لقضية الدفاع عن الحيوان، وبين تربيتها الباريسية البرجوازية التي دفعتها في السنوات الأخيرة، إلى الاصطفاف مع أنصار حزب لوبين المعادي للهجرة الواسعة.

تبدو باردو، التي أصبح الحرفان الأولان من اسمها «ب.ب» علامة مميزة، في إحدى صور المعرض، وهي ترتدي بلوزة سوداء مع حزام عريض يكاد يشطرها شطرين لدقة خصرها. وفي صورة أخرى نراها تجلس على كرسي من الخوص، يشبه كرسي إيمانويل الشهير، غير أنها ترتدي فستانا صيفيا مطرزا بالورد وشعاع من الشمس يضيء شقرة شعرها. وإذا كانت الصور المعروضة تكشف عن معنى مضمر، فإنها تضع الزائر في مواجهة امرأة عاشت بفضل الحرية وشاخت وهي تتمسك بها. ولهذا قالت في مقابلة معها إن حريتها حمتها من محاذير الشهرة وقلق الأضواء، وهي لو تنازلت عن لا مبالاتها بالشهرة لماتت، ربما، انتحارا، مثلما ماتت ممثلات من نوعها، مثل مارلين مونرو ورومي شنايدر.

باعت «ب.ب» كل ما تملك لتمويل مؤسستها الخيرية المدافعة عن الحيوانات، ولم يبق لها ما تعيره لمنظمي المعرض سوى القليل من صور الطفولة. وقد استغرق جمع الصور من الوكالات وأصحاب المجموعات الفنية ثمانية أشهر من العمل. كما أعار ممثلون من رفاق باردو ما لديهم من صور لها، وأولهم النجم آلان ديلون. في هذا الصدد قال ديلون إنه «من غير المناسب الحديث عن بريجيت باردو بصفتها ممثلة أو مؤدية. إنها طفلة وظاهرة اجتماعية، بل ظاهرة فقط وباختصار». وقدم الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان رسالة شكر كان قد تلقاها منها لمساندته لنشاط مؤسستها. وكان الملياردير الألماني غونتر ساخس، أحد أزواج باردو السابقين، كريما إلى أقصى حد حين وافق على إعارة مجموعة من المجوهرات التي تزينت بها، بالإضافة إلى لوحتين لها من عمل الفنان آندي وارهول. ولم نعرف كيف استعاد ساخس المجوهرات التي يفترض أنه كان قد أهداها لها.

ومن بين المعروضات التي افترشت مساحة 900 متر مربع، تربض الدراجة النارية اللامعة من نوع «هارلي دافيدسون» التي كانت تتنقل باردو بها وتنطلق وحيدة «لكي لا تحتاج إلى أحد»، على حد قولها. وهناك العشرات من أغلفة المجلات العالمية التي تصدرتها صورتها، ولقطة لها وهي في الأربعين من العمر، ترتدي ثياب راهبة منزهة من الشهوة. لكن براءتها الظاهرية لم تمنع قساوسة الكنيسة الكاثوليكية من دعوة المؤمنين إلى مقاطعة أفلامها، كما يخبرنا دليل المعرض. وكان الشباب يخرجون من قداس الأحد لكي يدخلوا أول صالة تعرض فيلما لبريجيت باردو.

في عام 1973 قررت النجمة الشهيرة، بالحرية واللامبالاة اللتين عرفت بهما، اعتزال السينما، وانسحبت للعيش في فيللتها «لا مادراغ» في بلدة «سان تروبيه» على الساحل الجنوبي لفرنسا، في مواجهة البحر تماما. من يومها وعشرات السفن المزدحمة بالسياح تمر أمام منزلها على أمل رؤيتها ولو من بعيد. لكنها أقامت جدارا عازلا، وحولت الحديقة إلى مزرعة حقيقية للحيوانات. وبفضلها صارت البلدة نقطة تجتذب الزوار من كل أنحاء العالم.

يقام المعرض في فضاء لانوسكي في ضاحية بولون ويستمر حتى نهاية كانون الثاني (يناير) المقبل.