قروض الذهب تحظى بالاحترام بعيدا عن حارات الهند

يصفه البعض بإنه البطاقة الائتمانية للريفيين

في حين يعد رهن مجوهرات الأسرة دليلا على تعرضها لضائقة مالية في الغرب، ينظر الهنود إلى مقايضة الذهب بالنقد كمعادل للحصول على قرض بضمان المنزل
TT

يمتلك الفرد في الهند من الذهب، بالمتوسط، أكثر من أي مواطن في أي بلد في العالم. فالهنود يتزينون بهذا المعدن البراق للتباهي بثروة العائلة، كما يستخدمونه كوسيلة للادخار.

غير أن الذهب تحول في الفترة الأخيرة ليستخدم كضمان، فقد أصبح الأساس لأكثر الأعمال نموا في الهند ألا وهي قروض الذهب.

ففي حين يعد رهن مجوهرات الأسرة دليلا على تعرضها لضائقة مالية في الغرب، ينظر الهنود إلى مقايضة الذهب بالنقد كمعادل للحصول على قرض بضمان المنزل.. إما لتوسيع نشاط ما أو لمجرد شراء بعض الأشياء الجديدة.

ويقول في بي نانداكومار، رئيس مجموعة «مانابورام» التي هي إحدى كبريات شركات قروض الذهب في البلاد «إنه البطاقة الائتمانية للريفيين. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تتيح لشخص ما الحصول على قرض خلال ثلاث دقائق فقط».

إلا أن وجود ظاهرة القروض في مقابل الذهب يعد أيضا دليلا على قلة نضج أسواق الائتمان في الهند، ووجود الكثير من القيود عليها. ولذا لا يعود أمام معظم الهنود ـ خاصة الذين يعملون في القطاع الخاص والذين يمثلون 92% من العاملين بالبلاد الذين يصل عددهم إلى 400 مليون عامل ـ سوى عدد قليل من الخيارات عندما يتعلق الأمر باقتراض المال. فليس لدى هؤلاء من ضمانات يقدمونها للبنوك، وليست لديهم وثائق يستطيعون من خلالها إثبات دخلهم.

كذلك، استفادت شركات قروض الذهب من الأزمة المالية، فتوقف الكثير من المقرضين (البنوك) خلال السنتين الأخيرتين عن منح قروض شخصية من دون ضمان، نظرا لزيادة عدد المتعثرين في الهند. وعليه، كما يقول فايرن ميهتا المدير القومي لشركة «إرنست آند يونغ» المحاسبية العالمية في الهند: «حظيت فكرة منح القروض مقابل الحلي الذهبية بإعجاب البنوك». وبالتالي، أصبحت قروض الذهب أداة مالية مهمة بالنسبة للمقترضين من أمثال فيشواناثان سي آر باي الذي يعمل في إصلاح عربات الجنركشه. فهو يذهب في الكثير من الأحيان لرهن حلي أسرته بـ«ماثوت للتمويل» لسداد مصاريف العمل اليومية. وهو يقترض في العادة من عشرة آلاف إلى 25 ألف روبية (200 إلى 500 دولار) لشراء قطع الغيار، ثم يسدد المبلغ عندما يدفع له العملاء مقابل معدل فائدة يتراوح بين 15% و18%. باي يقول إنه لا يستطيع الحصول على قرض من البنوك لأنهم يريدون وثائق تثبت دخله، ولكن عملاءه الذين يحصلون على دخل يبلغ 100 دولار في الشهر لا يتعاملون من خلال الفواتير والشيكات.

قبل عقد من الزمن كان على أشخاص مثل السيد باي الذين يحتاجون إلى النقد اللجوء إلى الأقارب أو المقرضين. وقد رشد القطاع البنكي، الخاضع في مجمله لسيطرة الدولة، الائتمان، وفرض عليه القيود، فأصبح يقرض في الغالب الأثرياء أو الصناعات التي تدعمها الدولة.

وطوال الوقت كان المقرضون ومكاتب الرهونات يعملون في شوارع الهند الخلفية، حيث يقدمون المال للعائلات الفقيرة مقابل الحلي بفائدة تصل إلى 30% أو يزيد. لكن قروض الذهب التي تقدمها البنوك وشركات التمويل أمر مختلف. فمعدلات الفائدة أقل إذ تتراوح بين 14% و30%، كما أن أعمالهم تخضع للتنظيم.

في الواقع لا توجد أي بيانات إجمالية متاحة حول قروض الذهب، لكن المؤكد أن شركات التمويل المتخصصة في قروض الذهب تتنامى بمعدلات متسارعة. وقد حقق «مانابورام» الرائد في هذا المجال نحو 730 مليون دولار من قروض الذهب خلال العام الماضي، محققا ارتفاعا كبيرا عن 397 مليون دولار في العام السابق. وتقول شركات التمويل الخاصة إن معدل القروض لديها يتزايد بنسبة 60% سنويا.

وعلى نقيض ذلك، ارتفع إجمالي القروض البنكية للقطاع الخاصة بنسبة 16% العام الماضي وعلى مدار عدة سنوات، وما زال أداؤه ثابتا خلال العام الحالي.

ومع أن الأنظمة المالية الهندية أصبحت أكثر شمولا، فهي ما زالت لم تصل إلى الكثير من الناس. فعلى سبيل المثال، يتزايد عدد الهنود الذين يسعون لامتلاك الذهب أكثر من الذين يسعون لامتلاك الأسهم أو الصناديق المشتركة. وتبلغ القيمة الكلية للذهب في أيدي الأفراد العاديين نحو 60% من الودائع في البنوك، وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي والبنك المركزي الهندي. وقد كشف استبيان حكومي عام 2006 عن أن أكثر من 41% من الأسر الهندية لديها مدخرات بنكية أو في صناديق البريد. وعلى العكس من ذلك، لدى نحو 92% من الأسر الأميركية حساب بالبنك.

تاريخيا، كان كثير من الهنود يشترون الذهب لأنهم يعيشون في أماكن نائية عن فروع البنوك، بالإضافة إلى أن ارتفاع معدل التضخم ساعد على خفض قيمة الروبية. وكما يقول الاقتصاديون فإن هذا أسهم في خروج ما يوازي مليارات الدولارات من المدخرات بعيدا عن النظام المالي حيث كانت ستستغل لبناء المصانع وتشييد المنازل.

وعلى الرغم من أن معدلات الفائدة ما زالت مرتفعة، وأن هذه القروض لا تساعد من يعانون حقا من الفقر وليس لديهم سوى القليل من الذهب، يقول المحللون إن هذه القروض تمثل بشكل ما تقدما لأنها تسمح للعائلات بأن تستغل بعض أصولها القيمة في استخدامات منتجة. وبالتالي، كما يقول راجيش شاكرابارتي، أستاذ التمويل بمعهد الهند للمال والأعمال في حيدر آباد «يدخل ذلك الكثير من الناس ضمن النظام المالي».

حتى الآن على الأقل، ما زال عدد المتعثرين في سداد قروض الذهب قليلا للغاية. فحسب الشركات أقل من 1% من المقترضين فشلوا في السداد، وجرى رد معظم المجوهرات في أقل من أربعة أشهر. ويشرح سوبهاسري المدير التنفيذي لاتحاد الممولين في «شيناي» أن «معظم الناس الذين يرهنون الذهب تكون لديهم نية استعادته مرة أخرى».

وعودة إلى السيد باي، الذي انفجر ضاحكا عندما سئل عما كان يمكن أن يحدث في حال لم يستطع استرداد العقد الذي رهنه أخيرا، وأجاب «كان علي استعادته وإلا فلن تدخلني زوجتي مرة أخرى إلى المنزل».

مع هذا، عندما يفشل المقترضون في السداد، يمكن بيع ذهبهم بسهولة بأكثر من قيمة القرض. غير أن المقرضين أيضا يتعرضون لبعض المخاطر: فعلى سبيل المثال، ربما يتهاوى سعر الذهب أكثر مما يتوقع المقرضون. ويقول المسؤولون في مجال الإقراض إن أعمالهم تزايدت لأن الطرق الجديدة في التمويل وتحرير الاقتصاد سهلت عليهم كسب المال؛ حيث أتاحت عمليات التوريق ـ وهي عملية بيع القروض التي كانت قد انتشرت في سوق الرهونات العقارية الأميركية والتي ساهمت إلى حد كبير في الأزمة العالمية ـ للمقرضين هنا أن «يعيدوا نشر» المال، وفقا للسيد نانداكومار.

والد نانداكومار كان قد أنشأ «مانابورام» كمكتب رهونات صغير في قرية تقع على بعد ساعة ونصف الساعة من مدينة كوتشي عامي 1949، وهي الشركة التي تطورت حتى تم إدراجها في بورصة مومباي، وقد ارتفعت أسهمها بنسبة تزيد على 200% خلال العام الحالي، ولديها مساهمون يوازون مساهمي شركة «سكويا كابيتال» شركة الاستثمار القوية بوادي السيليكون.

وتتنافس البنوك وشركات التمويل التي تقدم قروض الذهب بشراسة على معدلات الفائدة، وكم المال الذي سوف يقرضونه في مقابل غرام واحد من الذهب، بل وحتى على السرعة التي يوافقون بها على منح القروض. وفي أول فروع «مانابورام» في الريف، كان الشخص المسؤول عن التقييم يجلس في كابينة صغيرة من الخشب لها نافذة صغيرة. وعندما ظهرت امرأة ومعها سوارة ذهبية مكسورة؛ لم يحتج الرجل سوى لدقيقتين لكي يحدد أنه يستطيع إقراضها مبلغ 3430 روبية، وهو ما يعادل 71 دولارا لمدة ثلاثة أشهر بفائدة سنوية تبلغ 29%. وقد أخذت المرأة، واسمها بندو سونيل كومار، القرض على الرغم من أنها تذمرت بعد ذلك في حديث مع أحد الصحافيين قائلة «إن معدل الفائدة يبدو مرتفعا للغاية». وأكدت أنها يمكنها الحصول على سعر فائدة أقل في مكان آخر، لكنها لن تستطيع الحصول على قرض بالحجم نفسه. وعندما سئلت عما تنوي فعله بالمال ضحكت السيدة كومار ونظرت إلى زوجها سونيل الذي ابتسم بدوره. بقي القول إنه على الرغم من أن قروض الذهب انتشرت إلى حد كبير، فإن البعض ما زال يجد حرجا في اللجوء إليها، وما زال بعض العملاء يعتبرون قروض الذهب «قروض اليائسين أو الملجأ الأخير»، وذلك كما يقول جورج ألكسندر ماثوت المدير الإداري لمجموعة «ماثوت»، مضيفا: «لقد كنا نحاول تغيير تلك الصورة وتحويل تلك القروض إلى طريقة مبتكرة في الاقتراض». ولدى السيد ماثوت ومنافسوه ثقة في أنهم على وشك الاستحواذ على السوق؛ فهو يقدر أن نحو 600 طن من إجمالي 15 ألف طن من الذهب الذي يمتلكه الهنود تم الاقتراض في مقابلها حتى الآن. مضيفا: «ونحن في انتظار 14 ألف طن أخرى من الذهب. فهو يخزن فقط لديهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»