ستيلا ماكارتني تنافس وتتألق.. باربرا بوي تعيد صياغة البنطلون والجلود.. و«ليونارد» تغازل اليابان

أسبوع باريس للربيع والصيف.. يزداد سخونة

TT

لحسن حظنا أن حالة الطقس المزرية يوم الاثنين ومداهمة المطر لنا لم تؤثر على العروض، التي كانت ساخنة بالمنافسة وساطعة بالنجوم والجميلات من مثيلات شارلوت كاسيراجي، ابنة أميرة موناكو، كارولين، والمغنية ريهانا التي يبدو أنها أخذت إجازة مفتوحة من الغناء لتتفرغ لحضور معظم العروض، وماري كايت أولسن، وطبعا السير بول ماكارتني الذي لم يفوت أي عرض قدمته ابنته ستيلا إلى الآن، ولم يخرج عن عادته أول من أمس. الأب الفخور لم يكن وحده في عرضها، بل كان محاطا بباقة لا تقل شهرة عنه، نذكر منهم الكاتبة جي كي رولينغ، غوينيث بالترو، داشا زوكوفا، صديقة الملياردير الروسي رومان ابراموفيتش، وهلم جرا.

كانت ستيلا أول من افتتح عروض اليوم بتشكيلة استحقت عليها تصفيقات الحضور الحارة، لعدة أسباب: أولها أنها أنستنا ولو للحظات أن السماء رمادية تنذر بالمزيد من الأمطار، وثانيا لأنها كانت تفوح برائحة تحدٍّ ومنافسة. ففي نفس اليوم ستعرض من كانت في يوم من الأيام مساعدتها، وأصبحت منافسة لا تقل أهمية عنها في عالم الموضة، ألا وهي فيبي فيلو، التي قدمت أول تشكيلة بتوقيعها لدار «سيلين» في الساعة الرابعة مساء. وثانيا أن ستيلا، التي تميل عادة إلى الألوان الترابية والهادئة فضلت ألوانا تغلي بشمس وبحر الكاريبي وخضرة الغابات الاستوائية، حيث غلب عليها الوردي والبرتقالي والأزرق إلى جانب الأصفر والأخضر والبنفسجي والأزرق. لم يضاهِ تنوع الألوان سوى تنوع التصميمات، التي تباينت بين فساتين طويلة للمساء وأخرى قصيرة جدا من الحرير والشيفون بطبقات وتقنيات تجعلها تدور بشكل لولبي مع كل حركة، مثل فستان قصير بكتف واحد ظهرت به العارضة ناتاليا فوديانوفا، باللون الوردي المتوهج والأحمر، مع العلم أن درجات هذه الألوان تكررت في الكثير من القطع المنفصلة مثل القمصان والبنطلونات القصيرة نوعا ما. أما عشق ستيلا ماكارتني للتفصيل فنفست عنه في بنطلونات باللونين الأبيض والكريم وفي تايورات مثيرة بجاكيتات دون ياقات، بينما نفست عن الجانب الناعم في أسلوبها في سراويل الحريم الفضفاضة، لكن بشكل معقول جدا وأنيق.

غير أن المصممة باربرا بوي، هي التي كانت أكثر إبداعا في هذه القطعة بالذات، فقد قدمت مجموعة متنوعة منها بكل الأساليب التي يمكن أن تخطر على البال، وكأنها أرادت أن لا تترك أي ثغرة في السوق أو تفتح المجال لأي انتقاد. فقد كانت هناك تصميمات مستقيمة وأخرى ضيقة بشكل أنبوبي، فضلا عن سراويل الحريم، التي ترجمتها بطريقة ناجحة، يمكن أن تضفي على الجسم أنوثة وجمالا عوض أن تغمره وتجعل صاحبته تبدو وكأنها نسخة مؤنثة وكاريكاتورية من شخصية علي بابا، وذلك أنها اقتصرت في اتساعها على الجزء الأعلى فقط، وبطريقة غير مبالغ فيها، بل العكس، فيها رؤية عصرية وفنية، تضيق من أعلى الساق إلى الكاحل بشكل رائع. والملاحظ في هذه التشكيلة أن باربرا جربت أن توظف كل الأقمشة من أجل مخاطبة المرأة أيما كان أسلوبها، ولم تقتصر على استعمال الجلود كما كان الحال في تشكيلتها للخريف والشتاء. صحيح أن الجلد كان حاضرا في هذه التشكيلة أيضا، لكن في قطع قليلة جدا طعمتها بالكثير من التطريزات لتتخلص من قوته الصارمة وتضفي عليها المرح والنعومة. ونجحت في هذا إلى حد كبير. لكن تبقى أجمل القطع هي البنطلونات التي تبدو وكأنها مصنوعة من قشور السمك بألوان معدنية تليق بسهرة في ديسكو، وتستحضر بريق الثمانينات، إلى جانب فساتين قصيرة ومنسدلة مطعمة بتطريزات غنية. المأخذ الوحيد عليها أنها تخاطب الشابات والنحيفات أكثر مما تخاطب المرأة العادية أو الناضجة. لكن يمكن لهذه الشريحة أن تفرج عن نفسها بالإكسسوارات، خصوصا الأحذية ذات الكعوب العالية أو العالية الساق، والتي استعملت فيها تقنية التخريم لتبدو وكأنها مشربيات يمكن أن يدخل منها الهواء. فهذه التشكيلة، أولا وأخيرا، موجهة للربيع والصيف.

دار «ليونارد» الفرنسية بدورها لم تنسَ هذا الأمر، وقدمت مصممتها فيرونيك لوروي والمؤسس دانيال تريبويار تشكيلة حالمة مستوحاة، كما قال دانيال، من قطع بورسلين يابانية من كيوتو مرسومة باليد تعود إلى القرن السابع عشر، تتميز بألوان الأزرق والأبيض. وهذا ما يفسر هدوءها في بداية العرض، من خلال فساتين الجيرسيه والشيفون الطويلة التي رسمت عليها أسماك وورود هادئة تختلف عن تلك التي استوحاها دانيال سابقا من البورسلين الصيني.

بدأ العرض بنقوشات بألوان البني والبيج والكريمة، أو بتدرجات الأزرق، لنشهد عودة سريعة إلى إرث الدار وماركتها المسجلة، ألا وهي ألوان الفوشيا والأصفر والأخضر والبرتقالي في ورود بأحجام كبيرة تستوحي خطوطها من فن الآرت ديكو. لكن بعد أقل من خمس دقائق من الفساتين المنسابة بحرية بدأت تطل علينا فساتين مشدودة عند الخصر بأحزمة ناعمة أحيانا وعريضة أحيانا أخرى، تذكرنا باليابان وأحزمة فتيات الغيشا. دانيال تريبويار فسر التغيير الملموس في أسلوبه بأنه طبيعي يتماشى مع ما يتطلبه الذوق العام حاليا بسبب الأحوال الاقتصادية، فقد كان يريد أن يقدم تشكيلة مترفة وراقية لكن لا تلفت الانتباه.

في عرض «غي لاروش» كانت الموسيقى مزعجة يتخللها صوت دراجة نارية بين الدقيقة والأخرى، لتذكرنا بأن امرأة المصمم مارسيل مارونغي ضائعة في مكان بعيد وحار وعليها أن تتعامل مع هذه الحرارة بشكل أنيق، سواء باستعمال الأحذية العالية الساق لحمايتها لكن في الوقت ذاته تظهر منها أصابع الأقدام حتى تنعشها وتهويها، أو باستعمال الفساتين القصيرة ذات الفتحات الواسعة، أحيانا على شكل مثلث من جانبي الخصر، أو التنورات القصيرة المربوطة بقيص أو قميصول من جانب واحد ليبقى الجانب الثاني مكشوفا. لا شك أن كل ما في التشكيلة يضج بالإثارة، لكنها إثارة عملية يمكن ترويضها في حياتنا الخاصة مع بعض التنسيق. ما يؤخذ عليها أنها تفتقد بعض اللون، حيث كان الرمادي والترابي هما الغالبين مع بعض الأسود والأبيض.

في السابعة والنصف أنهى مصمم دار «إيف سان لوران» ستيفانو بيلاتي اليوم في «باليه دو طوكيو» بتشكيلة غلب عليها القطن والبوبلين والأسود والأبيض وتصميمات فككها من التفاصيل الكثيرة إلا في حالات احتاجت إليها. تشكيلة تميزت بالكثير من القمصان الواسعة بأكمام منفوخة والـ«شورتات» الطويلة، والبنطلونات المستقيمة التي نسقها مع سترات دون أكمام. أما بالنسبة للفساتين فيبدو أنه عاد إلى أرشيف الدار وطور تصميم «الترابيز» بشكل عصري، كما ركز على مكامن قوته، خصوصا التفصيــل. وكانت النتيجــة أناقــة طبيعية وبسيطة دون بهــرجة أو مبالغات، مما يعطي الانطباع بأن ستيفانو بيلاتي يتفق مع المصمم حسين تشالايان الذي قدم تشكيلة في اليوم السابق عبر فيها أن الكسل أصبح هو السمة الطاغية على حياتنا. نظرة إلى بعض تصميمات بيلاتي ببساطتها وبتفاصيلها المحددة، تبدو وكأنها تحفزنا على العمل عوض الاسترخاء، وإن لم ينسَ طبعا أن يستعرض لنا من خلال تفاصيل ذكية، لكن خفيفة، أن البساطة لا تعني عدم القدرة على الابتكار والتميز.