مصر: باحثون عن الثراء السريع يفتشون عن الآثار القديمة تحت منازلهم

البعض يستعين بدجالين لفك الطلاسم والتغلب على «لعنة الفراعنة»

وضعت الحكومة المصرية عقوبات رادعة لمن ينقبون عن الآثار أو يحفرون في الأرض دون رخصة، وكذلك منعت الحفر داخل البيوت دون ترخيص (ا.ب)
TT

«لا.. ارجع ارجع، لا تقترب»، يصرخ شاب يُدعى خالد، 21 عاما، في المارة أمام منطقة سوق ليبيا بمدينة مرسى مطروح (غربي مصر). ثم يجري حافيا. وبعد ذلك يتوقف ويتمرغ في التراب قبل أن يقف ويعاود إطلاق تحذيراته الغريبة في الهواء. يقول تجار السوق ممن يعرفون قصته، إنه مصاب بـ«لعنة الفراعنة»! يبدو أن اللعنة تطارد عشرات المغامرين المصريين الباحثين عن آثار فرعونية، تحت منازلهم، في محافظات الصعيد، والقاهرة وبعض المحافظات الأخرى. وتباع في السوق السوداء، قبل تهريبها للخارج، بمبالغ طائلة. قبل شهرين تَوجّه خالد مع مجموعة مغامرين باحثين عن ثراء سريع، للتنقيب عن آثار فرعونية. مكان الحفر كان في واحة سيوة الشهيرة بـ«واحة الفرعون آمون»، غرب القاهرة.

بعد حفرهم نحو 15 مترا، وجدوا سردابا في عمق الأرض. بحسب روايات ذويه، اندفع خالد ليستكشف ما بداخله، لكنه تعثر وسقط مغشيا عليه، وأصيب بلوثة عقلية. وألقت الشرطة القبض على ثلاثة آخرين كانوا معه، واتهمتهم بالتنقيب عن آثار دون ترخيص. وبينما كان رجال الأمن والدفاع المدني يواصلون البحث أمس عن مفقودين تحت الأنقاض، في عملية تنقيب فاشلة، بمحافظة الجيزة المجاورة للعاصمة، قال مسؤول في الشرطة إن مثل هؤلاء، يستعينون عادة بدجال، لإطلاق تعاويذ، بغرض الوصول إلى آثار يرجع تاريخها إلى أكثر من 3 آلاف سنة. وأشار إلى أن شرطة الجيزة تحقق مع رجل يُدعى هشام، كان الناجي الوحيد، ضمن ستة انهار بهم سرداب في أثناء تنقيبهم تحت منزل في نزلة السمان. وجاء في التحقيق أن المجموعة استعانت بـ«دجال» لفتح سرداب، وقال إن الحادث أدى إلى سقوط أجزاء من المبنى وتصدع 3 بيوت، ومقتل ما لا يقل عن خمسة.

ويستأجر منقبون هواة، دجالين من مصر والسودان والمغرب، يقولون إن لديهم قدرة على «فك الرصد الفرعوني»، أي ما يعتقدون أنه تعاويذ فرعونية تحول دون وصول اللصوص إلى الآثار المدفونة تحت الأرض. وأحيانا يقع ضحايا أبرياء لمثل هذه الأعمال، لأن بعض الدجالين يغالون في الطلبات، ويزعمون أن فك رصد أثر فرعوني معين يتطلب ذبح طفل أو طفلة، أو نثر أجزاء من أحشاء آدمي، لتسهيل الوصول إلى كنز من كنوز الفراعنة، مثل ما حدث أخيرا في محافظة سوهاج بصعيد مصر. ولم يتم القبض على الجناة الذين ارتكبوا جريمة قتل طفلة بسوهاج فقط، بل أعقبها، في محافظة قنا المجاورة لها، الكشف هذا الأسبوع عن عصابة متخصصة في التنقيب عن الآثار في قرية بمركز إسنا. وبإشراف اللواء محمد بدر مدير أمن المحافظة، جرى القبض على العصابة، وإحالة أفرادها الثلاثة إلى النيابة. وأحالت الشرطة دجالا مصريا يُدعى الشيخ حميدو، و7 منقبين عن الآثار ورجل أعمال ممول لعملية التنقيب، يُدعى طارق، في منطقة كرداسة قرب الجيزة. ويعتقد المقبوض عليهم أن لعنة الفراعنة طاردتهم وتسببت في ضبطهم، وأيضا أدت إلى مقتل اثنين من أقرانهم كانا على رأس المنقبين، وهما شابان: عماد (28 عاما)، وحسن (29 عاما). ويعتقد حسن محمود، وهو عضو بمجلس محلي بالفيوم (جنوب)، أن سرقة الآثار، أو التنقيب عنها بطريقة غير مشروعة «تكون مرتبطة بلعنة»، مشيرا إلى مصرع جار لهم بمنطقة يوسف الصديق، يُدعى عبد المجيد (45 عاما)، وآخر يدعى موسى 16 سنة، صعقا بالكهرباء في أثناء بحثهما عن الآثار في منزل الأول. ويضيف: «أعرف من أصيب بالجنون في أثناء التنقيب».

ومثل واحة سيوة ومناطق أخرى منتشرة بمصر، يعتقد مسؤولون محليون أن نزلة السمان غنية بآثار فرعونية لم تُكتشف بعد. لكن بعض الأهالي غير المؤهلين ولا المرخص لهم بالتنقيب عنها، يخوضون غمار المخاطر، في محاولة للوصول إلى رأس تمثال من الذهب أو قطع آنية أو غيرها مما يقدر ثمنها بمئات الآلاف من الدولارات. وبدلا من تحقيق الثراء، سقط أكثر من 25 قتيلا خلال النصف الأول من هذا العام، بحسب مصادر الشرطة. وأضافت مصادر الشرطة أيضا أن هذه الفترة شهدت محاولات تهريب آثار مسروقة خارج البلاد، منها قطع تماثيل وفازات وأطباق وأوان تاريخية عليها نقوش نباتية، بعضها مطعَّم بالذهب، وكذلك ضبط مئات القطع الذهبية الأثرية والسيوف التاريخية مع عاطلين كانوا في طريقهم لبيعها في السوق السوداء داخل البلاد. ووضعت الحكومة المصرية عقوبات رادعة لمن ينقبون عن الآثار أو يحفرون في الأرض دون رخصة، وكذلك منعت الحفر داخل البيوت دون ترخيص. كما أصدرت أخيرا عدة قوانين تسعى لوقف عمليات التخريب والحفر غير المشروع في المناطق المحتمل وجود آثار مدفونة بها. وتقول إنها تحاول الاستعانة بتكنولوجيا متقدمة لمعرفة أماكن الآثار التي لم يتم الكشف عنها بعد، وذلك بعد أن أكدت أبحاث أُجريت في جامعة ألاباما بأميركا، مستندة على صور الأقمار الاصطناعية ذات التقنية العالية، أن 132 موقعا أثريا في مصر لم يتم التنقيب عنها حتى الآن. وسواء سقط المنقبون الحالمون بالثراء في أيدي الشرطة أو لقوا حتفهم في حفر السراديب، أو أصيبوا بلوثة عقلية، فإن الاعتقاد السائد بين أقرانهم الذين ما زالوا يحفرون هو أن «الرصد الفرعوني» الذي يحمي الآثار القديمة، كان أقوى منهم، وبالتالي، وبدلا من التوقف عن تعريض أنفسهم ومستقبلهم للخطر، يبحثون عن مشعوذين يمكن أن يكونوا أكثر قدرة على إبطال مفعول «لعنة الفراعنة».