على وقع أقدام الفيلة وقرع الطبول.. روعة القصور الهندية تعرض للجمهور في لندن

250 قطعة من المجوهرات والأسلحة واللوحات النادرة في معرض «مهراجا»

عرش يرجع الى عام 1820 من قصر المهراجا رانجيت سينغ (أ.ب) وهودج من الخشب و الفضة (متحف فيكتوريا آند ألبرت) وأسلحة مرصعة بالجواهر ضمن معرض «مهراجا» (أ.ب)
TT

يعد الدخول إلى معرض «مهراجا.. روعة القصور الهندية» الذي يقام حاليا بمتحف فيكتوريا وألبرت بوسط العاصمة البريطانية، كالدخول إلى عالم من الفخامة والطقوس العريقة مسبوقة بمقدمة في أساليب السطوة وجاه السلطان. لا يمكن للمرء الذي يخطو الخطوة الأولى نحو المعرض الكائن خلف باب زجاجي داكن لا يوحي للحظة بما وراءه، تخيل العالم السحري بالداخل. فبمجرد فتح الباب الزجاجي تترامى إلى السمع أصوات أجراس ووقع طبول وأقدام فيلة، الأصوات تدوي بقوة وإن كانت غير مزعجة، وتضع الزائر في جو المعرض مباشرة، بينما تسترعي انتباهه لوحة ضخمة للمهراجا أمار سينغ الثاني من ولاية ميوار وهو بكامل ملابسه الرسمية ومجوهراته وسيفه المرصع بالجواهر، وكلها مظاهر لتأكيد الجاه والسطوة والقوة.

البداية مع قوتها، إلا أنها لا تحضر الزائر لما يكمن بعد لوحة المهراجا، فبمجرد عبور الحاجز الذي يفصل مدخل المعرض عن بقية الأجزاء تتجلى أمامنا صورة بديعة لموكب المهراجا التقليدي، فعلى مساحة ضخمة من قاعة العرض وضع مجسم لفيل ضخم مكسو بقطع القماش الموشى والمطرز، وعليه القلائد الذهبية، وفي أذنيه وضعت حلقات من الذهب، ويحمل مقعد السلطان المحلى بالجواهر، وحول الفيل وضعت القطع الرئيسية التي يحملها حرس المهراجا في المواكب الرسمية من المظلة الموشاة التي تظل المهراجا إلى المراوح الضخمة، وهناك أيضا مجسم ضخم لحصان وضعت عليه كسوة من المخمل الأحمر، وجمل عنقه بقلائد الذهب. على الحائط في الخلفية يعرض فيلم سينمائي بالأبيض والأسود لموكب مهراجا هندي، وكأنما تكاملت الصورة القادمة من عصور قديمة مع تجسيدها الحديث لتخلق صورة متكاملة لبذخ وجمال الموكب.

الجزء الأول من المعرض يحمل عنوان «المشهد الملكي»، ويستكشف فكرة الملكية في الهند ودور المهراجا كزعيم ديني وعسكري وسياسي وكراع للفنون. وترمز القطع المعروض لهذه الأدوار، فهناك العرش الذهبي الذي يعبر عن السلطة، وهناك مجوهرات العمامة والسيوف المراسمية وأيضا الهودج المغلق الذي تركبه زوجة المهراجا.

يغطي المعرض الفترة الزمنية من القرن الثامن عشر والتي شهدت أفول مجد المهراجا وبداية النفوذ البريطاني بالهند. وبالتأكيد نرى مندوب شركة الهند الشرقية ممثلا في أولى اللوحات الضخمة الموضوعة في المعرض، وبعد ذلك يتضح لنا النفوذ البريطاني عبر كل مرحلة من مراحل العرض، ويؤرخ المعرض بهذا للدور المتغير للمهراجات ودعمهم الكبير للثقافة والفنون في الهند وأوروبا وما نتج عن ذلك الدعم من القطع الفنية النادرة.

التغيير الذي شهدته الهند بعد دخول البريطانيين هو تغيير في موازين القوى وأيضا في الذائقة التي تأثرت بشكل واضح بثقافة المحتل البريطاني، فنرى إلى جانب العرش والأسلحة الخاصة بالمهراجات، قطعا تشير إلى تأثير البريطانيين، مثل طاقم طعام مصنوع من الكريستال الأزرق، وأيضا مقعد على الطراز المصري الحديث صمم للمهراجا نواب من أودا. وكتصوير لتأثير المهراجات وسلطتهم يقدم المعرض ملمحا من الاحتفال التقليدي الضخم الذي يقام بمناسبة استقبال المهراجا للرعية المعروف باسم «دوربار»، عبر لوحات ضخمة وبعض اللقطات السينمائية ومجسم لمقعد المهراجا، ويضم قطعة من السجاد الوثير ومقعدا أرضيا، بينما تظلل المهراجا في مجلسه هذا مظلة من القماش الأحمر الوثير مطرزة بخيوط الذهب.

المعرض يقدم نحو 250 قطعة، بعضها استعاره المتحف من المجموعات الخاصة والمتاحف الدولية، وبعضها من المجموعات الملكية في الهند ويعرض للعامة للمرة الأولى، ومن تلك القطع ثلاثة عروش وهودج مطعم بالفضة وأسلحة مرصعة بالجواهر وقطع مجوهرات نادرة. وقد قدمت الهند عددا من اللوحات النادرة والملابس التاريخية. المعرض يطوي الأزمان عبر مجسمات وقطع نادرة ومجوهرات بديعة التصميم، والملاحظ في أجزائه الأولى هو الولع الشديد بالتاريخ، وتتضح فيه فخامة قصور المهراجات والبذخ الشديد الذي كان سمة للبلاط في تلك القصور.

الملاحظ أيضا في المعرض تواري العنصر النسائي إلى حد كبير، فصور النساء قليلة جدا وإن كان المرء يجد لمحات من وجوه النساء في لوحات المواكب الضخمة، ولكن المدهش في المعرض هو مجموعة الصور التي تصور حياة المهراجا في القصر. فهناك عدد من اللوحات الصغيرة التي ترسم صورة للحياة داخل قصور المهراجات، فنرى المهراجا مع النساء في قصره أو المحظيات، وفي هذه الصور تبتعد السياسة واستعراض القوة فنرى هنا صور للمهراجا وهو يصطاد الطيور بحضرة المحظيات، أو نراه يلهو في أرجوحة مع زوجته وفي أخرى طريفة نرى المهراجا وزوجته أو محظيته، وهما ملتفان بقطعة من القماش السميك محتميان من البرد، بينما يتشاركان في سحب أنفاس أرجيلة وضعت جانبهما. الأرجيلة تعتبر مشهدا مشتركا في جميع الصور التي تصور المهراجا، أما في جلساته مع الرعية أو حتى وهو واقف لاستقبال أحدهم فنراه في إحدى الصور ممسكا بخرطوم الأرجيلة ويقف خلفه عدد من الخدم أحدهم يحمل الأرجيلة. يحتفي المعرض ببذخ القصور الملكية، ويتفنن في إضافة اللمسات التي تظهر تلك القطع بأبهى حلة، وإن كانت القطع المعروضة لا تحتاج إلى دعم في الحقيقة فهي من أجمل ما أبدعته يد الصانع الماهر. المجوهرات بالتأكيد من أهم القطع المعروضة في المعرض فمن القطع التي يضعها المهراجات على العمامة إلى الأحزمة المرصعة والعقود الضخمة من الألماس واللؤلؤ والياقوت والزمرد إلى الحلقان، وأخيرا الأسلحة المرصعة بشكل باذخ وبديع ومذهل أيضا، فحجم الأحجار الكريمة وقطع الألماس المستخدمة في تلك المجوهرات يخطف الأنفاس والأنظار معا.

المعرض لا يتوقف عند العالم السحري الذي خلقه منذ البداية وأبدع في استثماره عن طريق تدعيمه بالصوت عبر مكبرات تذيع أصوات مسيرة موكب المهراجا أو تلك الموسيقى البديعة التي تصاحب قسم المعرض الذي يستكشف الحياة داخل القصور، بل يزيد عليها بعرض اللقطات السينمائية النادرة لأشهر الحكام والمهراجات في الهند في تلك الفترة. وبعد العبور إلى عتبة القرن العشرين يتخذ المعرض مسارا جديدا حيث تختفي الطبقة السحرية للتاريخ بألوانه الحية وجواهره المتألقة لنرى المعروضات التي تعرض حياة المهراجات في القرن العشرين وتأثرهم الشديد بنمط الحياة الأوروبية، فهناك لوحتان ضخمتان لمهراجا أندور، إحداهما تصوره باللباس التقليدي والأخرى تصوره باللباس الغربي، وأمام اللوحتين تعرض سيارة رولز رويس وقطع مجوهرات من تصميم كبار الصاغة الأوروبيين أمثال فان كليف واربلز وكارتييه، وحقيبة ملابس من صنع دار لوي فويتون. ويشير هذا الجانب من المعرض إلى أن المهراجات في القرن العشرين كان لهم دور كبير في دعم الحركة الفنية الحديثة، فعبر تكليفات خاصة قامت كبرى الشركات الأوروبية بإنتاج قطع نادرة مثل قطع الساري النادرة والتي صممتها دور أزياء فرنسية عريقة والبدلة المعروضة من صنع المصممة مادلين إيفونيت، وقلادة من الألماس والزبرجد من صنع الصائغ فان كليف واربلز، إلى قطع الأثاث العصرية التي تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي وصنعت بناء على تكليف مهراجا أندور لوضعها في قصره.

المعرض الذي يظل سحره عالقا بمخيلة كل زائر يستحق الزيارة أكثر من مرة لضخامته وتنوع معروضاته، والفترة الزمنية التي يغطيها، وأيضا وربما هذا هو الأهم لما عكسه من روعة القصور الهندية، وبذلك حول عنوانه إلى واقع جميل. ولا يسعنا إلا الموافقة على تعليق مارك جونز مدير متحف فيكتوريا وألبرت الذي قال «لم يحدث من قبل أن نظم معرض مثل هذا يعرض الكنوز الرائعة لقصور المهراجات. فعدد كبير من القطع المعروضة لم يغادر القصور من قبل».