فن ذكوري عصي على الإناث يكتشفه الجمهور اليوم في «مسرح المدينة»

راقصون لبنانيون: غناء «الطراب» وسيلتنا لإيصال قضايانا إلى كل العالم

فرقة «سبع طقات» تغني «الطراب» حتى على ظهر حافلة
TT

مساء اليوم السبت، على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت، وخلال حفل مجاني يفتح للجميع، يشاهد اللبنانيون نوعا جديدا من فنون «الراب» يطلق عليه أصحابه اسم «الطراب». الكلمة الجديدة منحوتة من كلمتي «راب» و«طرب» بعدما عمل عدد من الشبان على دمج أنغام آلات عربية مع الموسيقى الإلكترونية، لنسمع على خلفية الهدير الآلي الذي اعتدناه في مثل هذه الموسيقى نغمات العود وإيقاع الطبلة. وربما أضيفت إليهما المواويل، أو العتابا. وقد تكون الأكثر إثارة، في هذا الحفل، تلك المواجهة التي ستجري بين «الزجل» كشعر عامي، و«الراب» كفن غنائي شعبي، للكلمة القوية فيه دورها الحاسم. وبعد المواجهة، ستكون مصالحة سيندغم خلالها النوعان الفنيان الآتيان من حضارتين تفصل بينها آلاف الأميال، وسيرى الجمهور تزاوجا جميلا بين الزجل والراب.

ما سيشهده «مسرح المدينة» اليوم، بدأ التخطيط له منذ فترة طويلة، وثم، اعتبارا من السابع من الشهر الحالي، انطلقت ورش عمل في خمس مناطق لبنانية بشكل متزامن، دام كل منها ثلاثة أيام، أدار كل منها فنان أوروبي خبير ومؤلف في مجال «الراب». وحضرت الورشات فرق لبنانية ومعهم هواة لهم أغنيات سبق لهم أن أحيوا حفلات في مناطقهم أو خارجها. ويأتي حفل «مسرح المدينة» كتتويج للورشات التي عكف أصحابها، بشكل جماعي، على وضع أغنيات جديدة نابعة من تناغم أو تنافر أذواقهم. نحن إذن، أمام «مهرجان أوروبي ـ لبناني لشعر الراب» تموله «مفوضية الاتحاد الأوروبي» وينظمه «معهد غوته» الثقافي الألماني بالتعاون مع الكثير من المكتبات في لبنان، الهدف منه هو إعطاء فرصة لشبان لبنانيين لتمكين مهاراتهم وللتعبير عن أنفسهم خارج الأطر المعهودة.

في «مركز الصفدي الثقافي» عقدت إحدى هذه الورش، ذهبنا لنرى كيف يتدرب الراقصون والمغنون اللبنانيون على يد المدرب الإيطالي فرانكي. وكنا نظن أننا سنرى شبانا يرقصون ويغنون، لكن لدهشتنا وجدنا أنهم يجلسون في ما يشبه الصف المدرسي، وكل منهم أمام جهاز كومبيوتر، لنفهم، تدريجيا، ومن خلال شروحات فرانكي، أن روح الراب باتت تخرج من الأجهزة، وليس من أفواه المغنين وتلقائية قرائحهم، كما كنا نعتقد. يتأكد فرانكي من أن برنامج «فروتي لوبس» قد تم تنزيله على الكومبيوترات، كي يعمل الفنانون عليه. ويشرح لنا أن هذا البرنامج يحوي مقطوعات «راب» موسيقية جاهزة، وبمقدور كل فنان أن يستخدم كل مقطوعة كـ«بزل» أو «ليغو»، يفتت منها ما يشاء، يقطع النبرة أو الخبطة أو النفخة التي يريد، ويركب ما يحلو له، ليحصل على مقطوعته الخاصة. إنه لأمر ليس بجديد على الشبان الذين يبدو أن بعضهم قطع أشواطا في هذا المجال. فهناك، من هم منتجون للموسيقى، وبينهم المتخصصون في إصدار الإيقاعات من أفواههم، وغيرهم يكتبون الكلمات وآخرون دورهم الغناء أو الرقص. وفي الفرق اختصاصات وتشعبات، وثمة أيضا التقني الذي يعنى بالبرامج والتسويق، لكن الراقص أيضا أو حتى من يصدر الإيقاع عليه أن يعرف كيف يركب النغمات على الكومبيوتر. يستمع المدرب الإيطالي إلى مقطوعات لكل فرقة أو جهة مشاركة، ويبدي إعجابا شديدا بعمل لـ«فرقة سبع طقات» التي تغني «الراب» بنفح عربي طربي وبإنتاج فرقة «إي ـ فويس» التي تستخدم العود والطبلة لتمد أغنياتها بنكهة شرقية، ولا يلقي بالا على ما يبدو لمن يغنون بالإنجليزية. ويشرح المدرب الذي له شهرة في إيطاليا: «الهيب هوب يشبه قطعة لحم مقددة موجودة في ثلاجتكم، لن يكون لها طعم لذيذ ما لم نخلطها بعناصر طازجة. والعنصر المحلي أو الحي، النابع من الحياة، هو هذا الشيء الطازج الذي يجعل من نتاجكم شيئا مميزا». وكمثل على ذلك يسمع فرانكي الحاضرين إحدى أغنياته التي بنيت موسيقاها على صوت آلة طابعة، وأغنية أخرى أنغامها كلام مقروء لأديب صديق له، عالج صوته إلكترونيا، وضبط سرعته وإيقاعه ليجعل منه لحنا. كل صوت على ما يبدو يصلح لأن يصبح عنصرا إيجابيا في تشكيل موسيقى الهيب هوب: صوت الشارع، زعيق السيارت، صفير البواخر، وحتى بكاء الأطفال. أما النصيحة الكبرى التي يعطيها الفنان الإيطالي للشبان اللبنانيين فهي أن يجربوا بحرية، وأن يستمعوا للأصوات التي حولهم، وأن يحاولوا توظيفها من دون خوف أو أحكام مسبقة. الحرية إذن هي كلمة السر. لكن فرانكي ليس وحده من يعطي التعليمات.

ياسين شاب فلسطيني من أحد مخيمات الشمال، تبدو في عينيه حماسة كبيرة، وسبق له أن قدم عدة حفلات مع عازف العود عماد، وهو ينصح الموجودين في الورشة بأن يأخذوا بعين الاعتبار نصائح فرانكي: «نحن عندنا ثقافة وموسيقى وشعر لكننا حين نغني بموسيقانا الشرقية، لا يستمع لنا أحد. الآخرون يجدون غربة مع الموسيقى العربية، لذلك سيكون المزج بين الموسيقات هو وسيلتنا لإسماع صوتنا». الشبان الذين يغنون في «مسرح المدينة» اليوم، يحملون آلامهم وقضاياهم وهمومهم في أغنياتهم وأشعارهم. وحين تحدثنا مع بعضهم في «مركز الصفدي الثقافي»، قال مازن السيد، وهو صحافي وعازف على عدة آلات إيقاعية وأحد المنخرطين تأليفا وغناء وعزفا في عالم الراب،: «المشكلة أن فرانكي أو الأوروبيين الآخرين الآتين لعمل هذه الورشات لا يعرفون العربية، وبالتالي، لا يفقهون مضمون الأغنيات التي يتعاملون معها. كما أنهم يجهلون روح المجتمع واحتياجاته. هذا لا يؤدي بنا وبهم إلى الطريق الصحيح». أحد المشاركين لا يريد أن يسمع أن الراب فن أجنبي آت من الضواحي الأميركية الفقيرة ويبدو دخيلا على المجتمع العربي. ياسين يقول إنه وجد في الراب وسيلة رائعة للتعبير عن همومه كفلسطيني يعاني ويلات العيش في مخيم. مازن السيد يسأل: بأي قالب فني أستطيع أن أقول «مطلوبة الحرية بس فاضية بالمرة جيابي/ وجيوبي الأنفية بدن غسيل مثل ثيابي». وتقول نهلة المنير، المسؤولة الإعلامية في مركز الصفدي، أن «هؤلاء الشبان يجدون في الراب وسيلتهم التعبيرية الأفضل والأسهل، فهو فن لا يحتاج آلات أو تمويلا أو حتى الفضاء الخاص والمكلف. هؤلاء بمقدورهم من خلال الراب أن يقولوا ما يريدون، على الأنغام التي يشاءون وبملابسهم اليومية، وعلى أي ناصية طريق. هذا فن بلا شروط أو تكاليف، لذلك يتمدد في المناطق الشعبية».