عبر الندوات وسباق للدراجات.. شهر للنساء في لبنان يبلغ ذروته

أفكار تحررية للبيع ومنتدى يجمع 600 شخص

تظاهرة السلام النسائية إحدى الأحداث التي عاشها لبنان في شهر كانت فيه المرأة عنوانا بارزا («الشرق الأوسط»)
TT

يصح القول إن شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لكثرة التحركات النسائية فيه، هو شهر النساء بامتياز في لبنان. فاليوم، وفي «فندق فينسيا» يجتمع ما يقارب 600 شخص، بدعوة من «منتدى المرأة العربية والمستقبل» في دورته الثالثة الذي دعت إليه مجلة «الحسناء» و«مجلة الاقتصاد والأعمال»، لمناقشة مواضيع مشاركة المرأة في السياسة والإعلام ودورها في التعليم، وموقعها في الكتابة الأدبية، كما يخصص يوم لمناقشة المحرمات الاجتماعية، بمساهمة إعلاميات وكاتبات وأديبات وممثلات، وترعى اللبنانية الأولى وفاء سليمان، هذا المنتدى الذي يفتتح بحضورها وبمشاركة وزيرة التربية والتعليم بهية الحريري. وهذا ليس الحدث النسائي الوحيد الذي شهده لبنان أخيرا، فقد تتابعت أربعة أحداث تنوعت بين الأكاديمية والفنية والرياضية المسيسة.

فعلى مبعدة خطوات من مكان لقاء المنتدين في «الفينيسيا»، تقيم مؤسسة فنية سويدية في وسط بيروت، منذ يوم أمس، عدة مراكز، هدفها بيع أفكار تحررية للمرأة، أو تبادلها، مما يحفز على خلق حوارات مع المارة والعابرين، وحثهم على التفكير والاجتهاد. ولا يقف الفنانون دون تحريض، بل يعملون على حث الناس وتحفيزهم للمشاركة في هذه اللعبة الفنية التي تهدف إلى تثوير التفكير، وإيقاظ الأحاسيس. ويقدم هذا العمل الفني الهادف، ضمن «مهرجان عروض الشارع» الذي بدأ في شهر سبتمر (أيلول) ويستمر حتى نهاية هذا الشهر.

وكانت بيروت قد شهدت يوم الجمعة الماضي تجمع أكثر من 300 امرأة ينتمين إلى عشرات الجنسيات، جئن جميعهن للمشاركة في تظاهرة سلام نسائية على الدراجات تنطلق من بلاد الأرز باتجاه سورية ومنها إلى الأردن، ومن ثم إلى الأراضي المحتلة. وقد ابتدأت النساء مشوارهن من لبنان بعد الاحتفال بهن في منطقتي المتن الأعلى وجبيل، وغايتهن من هذه الرحلة التي تستمر أياما عديدة هي المطالبة بتحرير الأراضي العربية وتحسين أوضاع المرأة والطفل في منطقة الشرق الأوسط.

وإضافة إلى هذا التحرك الطريف الذي يهدف إلى النظر في قضايا النساء في المنطقة، عقد تجمع «باحثات» اللبناني الذي يضم أكاديميات وأستاذات جامعيات مؤتمرا منذ أيام حول موضوع «النسوية العربية». وكانت نقاشات حارة بين النسوة اللواتي جئن من دول عربية عدة، واختلفن حول مدى ما حققته المرأة من إنجازات. وإن كن جميعهن غير راضيات عما تحقق، بدليل أن العناوين العريضة، ما زالت تتحدث عن المشكلات الاجتماعية نفسها والظلم نفسه منذ ثلاثين سنة إلى اليوم، إلا أن بعض الحاضرات اعتبرن أن ثمة تغيرات حصلت، ولكن لا بد من مواصلة العمل، للحصول على الحقوق الاجتماعية، وتعديل القوانين العربية المجحفة في حق النساء. وثمة فرق كبير بين «مؤتمر النسوية» الذي اعتمد الدراسات والأبحاث كوسيلة لنقاش مشكلات المرأة، و«منتدى المرأة العربية والمستقبل» الذي يأخذ طابعا أخذ اتساعا وتنوعا، إن لجهة نوعية الحضور أو لناحية المواضيع المطروحة. فالمنتدى يعوّل على إشراك شخصيات ذات اختصاصات مختلفة. وتقول نادين أبو زكي، الرئيسة التنفيذية للمنتدى لـ«الشرق الأوسط»: «هدفنا أن نجمع رجالا ونساء من قطاعات مختلفة، فتكون الوزيرة إلى جانب الكاتبة والفنانة. والنائبة في حوار مع الصحافية والأم. فليس من الموضوعي النظر إلى المرأة من زاوية واحدة، لذلك هدفنا أن نركز على ثلاث نقاط أساسية: مشاركة المرأة في العمل السياسي من خلال نظام الكوتة، ومدى مساهمتها في الأعمال، وكذلك تطور المرأة الاجتماعي ونظرتها لنفسها».

لذلك نجد أن بين المشاركات وزيرة التربية والتعليم اللبنانية بهية الحريري، وأمين عام حزب العمال الجزائري لويزا حنون، وماهينور أوزدمير النائبة في البرلمان البلجيكي إلى جانب قياديات عربيات ومديرات ومدراء شركات. إذ تشارك ليلى سرحان مديرة فرع لبنان لشركة «ميكروسوفت»، ونادية حسن بخرجي عضو مجلس إدارة الهيئة السعودية للمهندسين، وشخصيات أخرى لها موقعها في العمل العام.

وتقول نادين أبو زكي: «إن المنتدى في دورته الثالثة بعد أن عقدت الدورة الأولى في دبي عام 2007 والثانية في بيروت العام الماضي، بات من الأحداث المهمة بالنسبة للنساء». وتصف المنتدى بأنه «فسحة حرية، وأول منبر مستقل ومنفتح في العالم العربي، وهو جريء وتفاعلي، يراد من خلاله أن يتبادل ذوو الاختصاصات المختلفة خبراتهم». وينعقد المنتدى بالتعاون مع «جامعة الدول العربية»، لكن فكرته في الأساس خرجت بها «مجلة الحسناء» التي تأسست عام 1909، ودعمت من مجلة «الاقتصاد والأعمال» التي تنظم المؤتمرات منذ ثلاثين سنة.

ولا تخفي أبو زكي أن قدرة المنتدى محدودة بما يملك من إمكانيات «نحن لسنا دولة أو منظمة وليس عندنا أوهام، ولا يجب أن يطلب منا اتخاذ قرارات أو إصدار توصيات. ما يعنينا بشكل أساسي أن تهتم بنا الصحافة والإعلام ويوصلوا صوتنا إلى الرأي العام». لكن اللافت في هذا المنتدى، الذي يستمر ليومين، أنه يخصص اليوم الثاني برمته لمناقشة قضية المحرمات في العالم العربي، وكأنما هو يبغي الإثارة أو لفت النظر من خلال طرح موضوع أسال الكثير من الحبر. لكن نادين أبو زكي تنكر ذلك، وترى أن المنظمين «يعتقدون فعليا أن طرح المسكوت عنه أمر مهم للجميع، ليس فقط لمناقشة كيف يعالج هذا الموضوع في الأدب ولكن أيضا في الكتب المدرسية. بعض المحرمات تكون إيجابية وهذا هو ما يعنينا بحثه بحضور أناس لهم تجربتهم في هذا المجال، ويستطيعون أن يدلوا بدلوهم».

وهكذا تتوالى المؤتمرات والعروض وحلقات البحث في بيروت حول المرأة وقضيتها، حتى ليظن المراقب أنها قضية الساعة التي ستجد صدى وتجاوبا سريعا. صحيح أن هذه التظاهرات النسائية لم يتم التنسيق في ما بينها، أو بين منظميها لكن تكرارها على هذا النحو، لعل له دلالاته في مجتمع متحول ويتغير بسرعة قد لا يتنبه لها كثيرون.