الطائف.. بقايا تاريخية تقف صامدة أمام الزحف العمراني

هيئة السياحة وأمانة المحافظة تعتزمان تطويرها.. وتجارها تميزوا بـ«العمائم»

جانب من البيوت القديمة التي ما زالت تحكي عن تاريخ المنطقة وأحد بائعي السمن والعسل في الهجلة وسط المنطقة المركزية في الطائف («الشرق الأوسط»)
TT

في وسط المنطقة المركزية، وقلب محافظة الطائف، المدينة السياحية الأكثر شهرة في السعودية، والتي ارتبطت بالأجواء المعتدلة والطبيعة الخلابة وكرست صيتها باعتبارها المصيف الرسمي في السعودية، لا تزال هذه المناطق حاضرة بقوة في وسط قلب الطائف لتحكي عراقة التاريخ والأماكن والأحداث التي احتضنتها على الرغم من الزحف العمراني، ومشروعات التطوير والتحديث، وهي السمة التي تسعى الهيئة العليا للسياحة لإكسابها الصبغة الرسمية وترسيخها بحسب الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الأمين العام للهيئة العليا للسياحة والآثار، الذي صرح في وقت سابق في أثناء وجوده في مدينة جدة خلال إعلان جائزة سوق عكاظ في الصيف، أن هيئة السياحة وأمانة الطائف تعملان على إعادة الرونق الخاص بالمنطقة المركزية وسط الطائف والمحافظة عليه.

الباحث والخبير بالشؤون التاريخية بالطائف، عيسى القصير، اصطحب «الشرق الأوسط» في جولة خاصة في قلب المنطقة التاريخية، مستعرضا الأماكن والمسميات والأحداث، وأكد القصير أن المسميات التاريخية للأماكن لا تزال متداولة حتى الآن.

مسجد الهادي الذي يتوسط المنطقة كان نقطة البداية في الرحلة، وعنه يقول القصير: «بُني مسجد الهادي عام 1050 هـ، واكتسب شهرته من كونه مركزا لتدارس علوم الحديث والقرآن والأدب، إضافة إلى أنه جامع، وبدأت على إثره الدكاكين التجارية، التي انتشرت حوله آنذاك، وفي ساحة المسجد ينتشر الباعة بعد صلاة الجمعة، يعرضون مختلف البضائع، كما أنها كانت مقرا صيفيا ومنبرا لطلبة العلم، الذين يستفيدون من الأجواء المعتدلة، ويتدارسون في الساحة».

ويعتبر القصير أن البيوتات القديمة في قلب المدينة هي المعلم الثاني الأكثر أهمية، مشيرا إلى أنها هُدمت عام 1975م، ومنها مستشفى الطائف الذي كان الوحيد في المحافظة، وذلك في عهد رئيس البلدية عمر عبد الله الصعب. لتتحول إلى مواقف خاصة للسيارات، ومنطقة لبيع المأكولات الشعبية القديمة».

ويضيف القصير: «الدكاكين الشهيرة في المنطقة التاريخية حتى الآن بدكاكين سويقة، هي الأخرى تشكل معلما تاريخيا بارزا حيث كانت وما زالت مركزا لبيع جميع الملبوسات الرجالية التقليدية وبالذات الثياب والغتر والعقل المقصبة، وبشكل خاص (الغبانة) التي كانت تشكل الزي الرسمي لطبقة التجار الطائفيين» بحسب القصير، اقتداء بالتجار القادمين من حلب، حتى يظهر للعيان أن من يرتديها يُعتبر تاجرا، وهي بحسب علي منصوري (بائع غبانات) عمامة تُلبس على الرأس وتُلَفّ بنفس الطريقة وتُلبس كالعمائم، واصفا إياها بالـ«خاصة بشكل ولون وزبائن محددين».

ويستكمل القصير شرحه التاريخي متوقفا عند «سوق الهجلة» التي اكتسبت اسمها من التجار القادمين من البادية، حاملين السمن والجبن البلدي، والعسل الشفوي، فضلا عن الحبوب والشعير، واكتسب شهرته من تخصصه ببيع هذه المنتجات منذ مئات السنين خصوصا السمن البلدي الطائفي الذي يباع في المنطقة إلى الآن، مشتهرا بالطعم المميز نتيجة إضافات نكهات شعبية مثل «الزيمران» و«المهرد».

المعلم الآخر الأكثر شهرة في المنطقة بحسب القصير هو «برحة القزَاز»، الشهيرة حاليا بـ«القزّاز» (بتشديد الزاي)، كما تلفظ الكلمة الدارجة بالعامية والتي تعني الزجاج، واكتسبت الساحة أو البرحة اسمها من تجمع بائعي وصانعي الزجاج، لعرض خدماتهم وبضاعتهم فيها.

أما منطقة «القشلة» فهي ـ كما يقول القصير ـ رمز للمبنى القابع حاليا أمام المنطقة المركزية ويفصله شارعان، موضحا أن القيادة في السابق اتخذته موقعا عسكريا عندما أمر الملك عبد العزيز آل سعود بإنشاء جيش في الطائف، واتخذ «القشلة» موقعا الجيش، بينما تُستخدم الآن مجمعا للإدارات والوزارات الحكومية. وقد عقد فيها الملك عبد الله جلسة مجلس الوزراء عندما زار الطائف في الصيف مؤخرا.

وواصل القصير حديثه خلال الجولة عن السياحة في الطائف وأصدائها منذ القدم قائلا: «كانت سيارات النقل وسيارات اللوري ـ وهي شاحنات صغيرة ـ تنقل العوائل من ساحة القزاز إلى المناطق السياحية، وهي (الهدا) و(الشفا) و(وادي محرم) و(غدير البنات)، وهي عادة سياحية تُعتبر أحد الروافد الاقتصادية لكل من يملك سيارة نقل، أو لوري». مضيفا: «كان رب الأسرة يدفع ريالين فقط مقابل الراكب الواحد».

وأشار القصير إلى الساحة الشمالية من مسجد الهادي، حيث يجد من لا يملك مالا للذهاب إلى المناطق السياحية، متنزَّها لأطفاله، حيث كانت توجد في الساحة ألعاب أطفال وأرجوحات وألواح خشبية، بمبالغ رمزية، كما كان يرتادها الناس بعد التسوق لقضاء أوقات ممتعة للأطفال والأبناء بعد عناء المشي المتواصل من المنزل إلى السوق. كما يزداد عدد المرتادين في أيام الأعياد والمناسبات.

وختم القصير جولته التي نبشت ذكريات الماضي ـ على حد قوله ـ وأعادته إلى الوراء سنين قائلا: «سويقة، مسجد الهادي، ساحة القزاز، برحة مسجد الهادي من الجهة الشمالية، ثم سوق الخميس، ومن خان الملطاني إلى نهاية الهجلة، كلها مسميات كانت ولا تزال تتداولها الألسنة، وتحبذها القلوب، ويعيش على عبق حنينها العديد من العجائز والمسنين، يتمنون أن تكون امتدادا لعراقة أجدادهم، التي سيتسلمها أحفادهم بعد ذلك».